في اهتمامنا بالشباب, يجب أن تكون رعايتنا له رعاية شاملة.. رعاية روحية وثقافية واجتماعية ورياضية, وترفيهية أيضا…
نتعامل معه غير متجاهلين نفسيته وعقله وطبيعة سنه.
وفي هذا المجال نضع أمامنا النقاط الآتية:
1- ارتفاع المستوي الثقافي الحالي.
نحن الآن في عصر الكمبيوتر والإنترنت, عصر ارتفع فيه المستوي الثقافي والفكري بالنسبة إلي الجيل كله, فلا يجوز أن تكون المناهج, التي نقدمها للشباب في مستوي ما كنا نقدمه له قديما.
إن كانت الكنيسة لا تعطي الشباب ما يشبعه فكريا وروحيا, فإنه سوف لا يحضر إلي الكنيسة بحجة أنه لا يستفيد.
لذلك ينبغي أن نهتم بإعداد خدام الشباب.
فخادم الشباب له مواصفات معينة, منها أن تكون شخصيته جذابة يري فيها الشباب أمثولة معينة, وأن يكون واسع الاطلاع عميق المعرفة في معلومات كثيرة, وليس في الموضوعات الروحية فقط وأن يكون قادرا علي إجابة أي سؤال يوجه إليه, بأسلوب مقنع, وأن يكون دارسا لنفسية الشباب, وعارفا بمشاكلهم, وأن يكون واسع الصدر لا يضيق بما يصدر أحيانا من شبابنا في سن المراهقة, ولا يكون متزمتا في أفكاره وفي معاملاته وفي فهمه للأمور.
والشباب في سن يناسبه المحاورة وليس التلقين.
التلقين قد يصلح لمرحلة الطفولة, ولو أننا الآن نجد أطفالا أيضا يتحاورون, ولا يقبلون كل شيء فكم بالأولي الشباب.
الشباب يريد أن يقتنع بالمعلومات المقدمة إليه, حتي لو كان من البديهيات أو المسلمات في نظر مدرسه, وهو يطابق الدين أحيانا بما يعرفه من نظريات العلم, وخادم الشباب يلزمه أن يكون دارسا للعلاقة بين العلم والدين, أو علي الأقل يدرس بإتقان ما يعرض عليه من مشاكل في هذا الشأن.
والوضع نفسه بالنسبة إلي المشاكل العقيدية التي تثيرها الطوائف المسيحية الأخري, وتحتاج إلي ردود قوية مقنعة, وهنا ينبغي لخادم الشباب أن يكون دارسا للاهوت المقارن وللدين المقارن, ويضع أمامه الآية التي تقول: مستعدين في كل حين, أن تجيبوا كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم (1 بط 3: 15), وبهذا يزود تلاميذه من الشباب بفهم عميق, وصمود راسخ أمام جميع الشكوك.
والشباب لا يحب مطلقا الانغلاقية في التفكير.
بحيث تغلق عليه في دائرة أنت مقتنع بها, وهو يريد أن يسأل لا تستطيع أن تقول له: هذا حرام, وهذا غير مقبول روحيا دون أن توضح له لماذا هذا حرام وهذا غير مقبول, وثق أن الشيء الذي تقنعه به عقليا, يكون أكثر ثباتا في عقله وفي قلبه.
خذ مثلا موضوع التليفزيون, إن قلت له إنه حرام سيعرض عليك أنواع برامج لا يمكنك أن تقول عنها إنها حرام, بل لاشك أن فيها فائدة إذن عليه أن يميز بين ما يفيده من البرامج وما يضره ثم أن يكون عنده ضبط نفس بحيث يقتصر علي ما يفيد ويبتعد عن الباقي ثم تأتي مشكلة الوقت, وكم يأخذ التليفزيون من وقته الذي يحتاج إليه في أمور أخري أكثر فائدة, وحينئذ تبحث معه مسألة التوازن في استخدام الوقت فيما هو أساسي وجوهري له, وما هو مفيد, وما قد يضر.
بهذا الأسلوب تكون مقنعا للشباب, وتكون في الوقت نفسه عادلا ومنفتحا, ويشعر أنك لا ترغمه علي الحياة في دائرة معينة أنت مقتنع بها كما يشعر بأنك لا تبعده عما يقدمه العالم من علم ومن مخترعات يمكننا أن نأخذ النافع منها ونترك المضر.
وبالمثل يمكن أن تناقش معه أمورا أخري مشابهة مثل الإذاعة وباقي أنواع الفنون, والقراءة.. وهذا يقودنا إلي نقطة أخري وهي الناحية الثقافية في حياة الشباب.
ماذا أعددناه لثقافة الشباب؟
ينبغي أن تكون في الكنيسة مكتبة فيها من الكتب ما هو مفيد لثقافة الشاب, كما هو مفيد لثقافة الفتي والطفل.
الكنيسة بلاشك تهتم بالثقافة الدينية البحتة من جهة الروحيات ودرس الكتاب المقدس, وكتب التفسير والعقيدة واللاهوت, وتاريخ الكنيسة وسير القديسين, وكتب الطقوس.. وما أشبه.
ماذا يمنع أيضا من وجود كتب أخري في الثقافة العامة؟
الشاب يريد أن يعرف وأن يقرأ, ولا يغلق عليه في نطاق الثقافة الدينية وحدها, وإن لم نقدم له ما يمكنه قراءته من الكتب الثقافية الأخري, فسيذهب إلي قراءتها من مصادر أخري وحينئذ سيخرج من ضبط الكنيسة وإشرافها وعلينا أن نلاحظ أن الإكليريكية الأولي كانت تدرس فيها علوم الفلسفة والمنطق والطب والموسيقي إلي جوار العلوم الدينية.. فلماذا لا تحتوي مكتباتنا علي كتب ثقافية؟
يمكن أن نقدم للشاب ثقافة في كثير من النواحي الطبية نبدأ بالكتب التي تشرح مضار التدخين والمخدرات, والعادة السرية وتتحدث عن الأمراض التناسلية, ثم أمراض السمنة والسكر والضغط, مع بعض الكتب الأخري في الأمراض النفسية والعقلية, وما يتعرض للخوف والقلق, وكذلك كتب في علم النفس والاجتماع.
ما المانع أيضا من وجود بعض دوائر المعارف, ومجموعة كتب المعرفة, ودائرة المعارف الطبية, ودائرة معارف التكنولوجيا, وكتب كيف تعمل؟ عن كثير من المخترعات والأجهزة, وكيف تعمل. كلها ثقافة نافعة ومسلية في الوقت نفسه, بل إن قراءته لمثل هذه الكتب تشغل ذهنه, وتمنع عنه الكثير من الأفكار الشريرة.
كذلك كتب عن الآثار وأبطال التاريخ وعن الرحلات.
سواء الآثار القبطية أو أشهر الآثار في العالم, وكما يدرس الشاب تاريخ الكنيسة وأبطالها, لماذا لا يدرس مشاهير الشخصيات في العالم, وكيف نشأوا ونموا؟ وماذا كانت مميزاتهم وفضائلهم؟ وماذا كانت نواحي النقص في بعضهم مما أدي إلي سقوطه وضياعه؟
كذلك هناك كتب عن الغرائب والمسليات.
كتب عن الفراشات وأنواعها, وعن السمك الملون, وعن غرائب الحيوان, مثل الحمام, والجمل, والنحل, والنمل.. وغرائب ما يوجد من حيوانات المناطق الحارة جدا, والمناطق المتجمدة كالقطب.
خلاصة القول إننا نريد تكوين عقلية الشباب وشخصيته بحيث يمكنه أن يتكلم في أي موضوع بفهم سليم وثقافة شاملة ولا يجلس في المجتمع خارج الكنيسة, يتكلم كلاما كإحدي الجاهلات (أي 2: 10).