أكثر ما يزعج الزوج ويشعره بعدم الارتياح والأمان في بيته هو معرفته بأن زوجته تفشي أسرار بيتهما خارجا، وأكثر ما يؤرقه ويبني بينه وبين شريكة حياته حواجز ثلجية هو شعوره بأن بيته بلا أسوار وأنه يعيش بلا حصن يحميه من القيل والقال، بينما تجد الزوجة نفسها في مأزق لم تقصد أن توقع نفسها فيه نتيجة صراعها ما بين ما يمليه عليها أهلها وصديقاتها لحل مشاكل حياتها وبين رضا زوجها والعيش في كنفه بلا مشاكل، وعندما أصبحت الكثير من الأسر تتمخض من هذه المأساة كان على “وطني” أن تلتقي بالدكتور بيتر نعيم أستاذ علم المشورة الأسرية لنجري معه هذا الحوار:-
* يقال أن أكثر ما يشعر الزوج بعدم الأمان هو خروج أسرار بيته خارجا، فإلى أي مدى هذا حقيقي ؟
** هذا حقيقي جدًا.. فهذا السلوك الذي قد يصدر من بعض الزوجات يعتبر “كارثي”، فقال لي أحد الأزواج عندما اكتشف معرفة أهل زوجته بإحدى مشاكل بيته: “إنني شعرت بأني عارٍ أمامهم”، أي أن ما فعلته زوجته جعله يشعر بعدم الستر والأمان في بيته، فلو نظرنا إلى هرم الاحتياجات نجد أن أول احتياج يحتاج إليه الإنسان هو الاحتياج للأمان، فلو تذكرنا أيام حكم الإخوان فالكثيرين كانوا يشعرون بالرعب ليس لخوفهم من سوء الأحوال الاقتصادية ونقص المأكل والمشرب، ولكن الاحتياج الأساسي كان للأمان، حيث قام العديد من الناس بعمل أبواب حديدية على بيوتهم، فعدم وجود إحساس بالأمان في البيت من الأشياء التي تجعل الإنسان يشعر بشكل دائم بحالة من التوتر والقلق، وكشف أسرار البيت ليست صفة لدى الزوجات فقط، بل أحيانا بعض الأزواج الرجال لديهم هذا الطبع السئ على الرغم من شهرة السيدات المصريات به بشكل أكثر.
* هل من الممكن أن يكون الزوج سبب لجوء زوجته لحكي أسرار بيتهما إلى الآخرين ؟
** من الممكن جدا.. خصوصا أن طبع المرأة أنها تحب أن تعبر عن نفسها بالكلام الكثير طبقا لسيكولوجيتها، فعندما لا تجد الزوجة أن زوجها لا يستمع لها تلجأ لذلك، فتروي لي زوجة أنها لا ترى زوجها سوى مرة واحدة أسبوعيا وفي الغالب لا يكون هناك وقت كافي للتحدث معه بسبب طبيعة عمله وظروف مدارس الأولاد، حيث أنها تستيقظ مبكرا لتعد الأطفال للمدرسة في حين يكون زوجها نائم ويعود في ساعات متأخرة من الليل بعد أن يكون نام الجميع، ويزيد هذا الاحتياج لدى المرأة عندما تكون لا تعمل، حيث أنها تقضي النهار كله بمفردها، فلا تجد بديل عن التحدث في الهاتف مع والدتها وأختها وصديقتها، وترى فيما سيكون الحوار ؟؟؟ سوى ماذا أكلوا وماذا شربوا وماذا فعلوا أمس؟ وخلافتها مع زوجها وأولادها، سواء كانت تقول هذه الأشياء بحسن نية أو بسوء نية، ويشجعها أكثر على هذا الحكي فضول الطرف المستمع لها، فقد تكون الزوجة تحكي لمجرد أن “تفضفض” وترتاح، ولكن عند خروج هذه الأسرار خارج أسوار البيت يكون له عواقب وخيمة.
* كيف ترى مثل هذا النوع من الزوجات، هل تتعاطف معهن أم تهاجم تصرفاتهن ؟
** لا أتعاطف معهن ولا أحب أن أهاجمهن، فالزوجة التي تنتمي إلى هذه الفئة تحتاج إلى أن نعالج نقطة ضعفها فهي تحتاج إلى من تتحدث معه، ففي وصية الزوج أثناء الإكليل يقال للزوج أنت المسئول عنها بعد والديها، وليس المسئولية فقط من الناحية المادية ولكن من الناحية النفسية والعاطفية أيضا، فذات مرة طلبتني إحدى الزوجات تطلب ميعاد مشورة في نفس اليوم فعتذرت لأني كنت مشغول يومها وقلت لها علينا ترتيب ميعاد ولكن ليس اليوم، ولكن قالت لي لو لم أتحدث معك فإني سأنتحر، حيث تفاقمت الأمور بينها وبين زوجها، حيث كان الأمر متعلق بخيانته لها، فشعرت بصوت من الله بحتمية مقابلتها في أسرع وقت ممكن، وعندما قابلتها ظلت تحكي وتحكي لمدة ساعة ونصف من الإنصات دون أن أتفوه بكلمة، ونحن تعلمنا في المشورة أن يكون المستقبل منصت جيد ولكن الغريب بعد ساعة ونصف من الإنصات ودون أن أتفوه بكلمة أو أقول أي نصيحة بل أقوم فقط بعمل إيماءات براسي تدل على متابعتي لكلامها، وجتها وقفت وقالت لي: “دكتور بيتر.. شكرا تعبتك”، فقلت بيني وبين نفسي: “إني تارك عملي وقطعت كل هذه المسافة لمقابلتها فقط لكي تتكلم هي ولا تنتظر أن تسمع أي حلول”، ولكن قالت لي “إن الذي كنت محتاجة أن أعمله قد عملته فالموضوع خطير جدا ولا يصلح أن أحكيه لأي أحد، حتى لأبي و لأمي أو حتى لأب اعترافي لأنه ليس لديه وقت لكل هذه التفاصيل”، وهنا أيقنت أنها في هذا الوقت كانت لا تحتاج أكثر من أحد يسمعها.
* هل حقيقي أن الزوجة التي تقوم بذلك هي زوجة غير واثقة في قدرتها على التعامل مع المشاكل، ولا تعرف كيف تتخذ قرار؟
** هي لم تعتاد أن تأخذ قرار بمفردها منذ الصغر أكثر من أنها غير واثقة في نفسها، لذلك ننصح كل أم أن تعطي لبنتها منذ الصغر فرصة لتأخذ قراراتها بمفردها حتى لو كانت خاطئة، فعليها أن تتركها عند شراء ملابسها أن تختار بنفسها، فحكت لي ابنة أنها إلى أن وصلت الثانوية العامة ووالدتها تضفر لها شعرها فهي تعمل لها كل شيء حتى دمرت شخصيتها، على الرغم من مستوى التعليم المرتفع لهذه الفتاة وجمالها ولكنها كانت مدمرة نفسيا، فلم تتعلم أن تأخذ قرار في حياتها، فكانت ترغمها على أكل السبانخ لأن بها حديد كما تختار لها أصحابها، وكانت النتيجة إنها عندما تزوجت كانت تلجأ لوالدتها في كل شيء ولا تستطيع أن تأخذ قرار بمفردها، لدرجة أنها كانت تسألها يوميا: “أطبخ إيه النهارده” .
* ما النتائج التي تعود على الزوج والزوجة نتيجة خروج أسرار بيتهما خارج أسواره من قبل الزوجة ؟
** أولا: انعدام ثقة الزوج في زوجته.
ثانيا: التوقف عن حديث معها في أي موضوع، فكيف يأمن للحديث معها وهو يعرف أنها من المحتمل أن تخرج كل كلمة خارج البيت، فأحيانا يريد أن يشكو لها من مشكلة في عمله ويمتنع عن الكلام، وبالطبع لديه حق، فقد تكون المشكلة خطيرة ولا يريد أن يعرفها أحد فهي قد تؤثر على مستقبله المهني، فيلجأ أن يحكيها لأحد خارج البيت يثق فيه أكثر من زوجته، وهنا يصبح كلا منهما يحكي ما في قلبه وما يتعبه لآخر خارج البيت، إذا أين البيت؟
* ماذا تقول للزوجة التي تفشي أسرار بيتها ؟
** أولا: أريد أن أحذرها من أنها بذلك تخرب بيتها بيدها.
ثانيا: أريد أن أسألها: ما الذي يجعلك تضمنين أن الذي تحكي له أسرارك سوف يرشدك إرشادات صحيحة حتى ولو كان أقرب الناس لك؟
فيجب أن تتميز الشخصية التي من الممكن أن يأخذ أحد الزوجين رأيها في أمور بيته ببعض الصفات:-
أولا: يجب أن تكون شخصية “محايدة”، فلا يصلح أن تأخذ الزوجة رأي خالها مثلا حتى ولو كان يخدم في مجال المشورة لأنه بالطبع سيكون غير محايد وسينصف الزوجة لأنها ابنة أخته.
ثانيا: يجب أن تكون شخصية محبة أي أن يكون كل هدفه سلام البيت، فمن الممكن أن يكون محايد ولكن لا يعنيه الأشخاص.
ثالثا: أن يكون شخصية دارسة للمشورة الأسرية.
العلاج
* من وجه نظرك… ما هي الطريقة الحكيمة التي يجب أن يتبعها الزوج عندما يعلم أن زوجته تفشي أسرار بيتهما خارج أسوار البيت؟
** أول شئ يجب أن يعرف لماذا فعلت ذلك، فنجدها تقول له مثلا أنها كانت تريد أن تأخذ رأيه ولكنه دائما مشغول، فيعرف أنه هو السبب وعدم سماعه لها هو ما يدفعها لذلك، أو قد تقول له أنها حكت لوالدتها لأنها هي التي تستطيع أن ترشدها لأن الموضوع نسائي، فمن الممكن أن تجدها مصدر للمعلومات أكثر من زوجها، وهنا عليه أن يوجهها إلى خادمة في مجال المشورة فهي تجمع ما بين إنها امرأة وإنها دارسة، وبذلك على الزوج أن يبحث عن الأسباب ويعالجها، ولكن حذاري من أن تكون طريقته هجومية لأن الهجوم يأتي بنتيجة سلبية تماما، ويؤدي إلى العناد .
الخطوبة…والأسرار
* هل من حق الخطيبة إفشاء أسرار خطيبها لأهلها ؟ هل الأمانة تقتضي ألا تفشى الخطيبة أسرار فترة الخطبة؟ وهل من المفترض أن يكون هناك أسرار في فترة الخطبة ؟
** يجب أن تعرف الفتاة في مرحلة الخطبة أن هذا الإنسان لم يصبح شريك حياتها فهناك احتمال لأنها تتزوجه أو أنها تعدل عن الخطبة، فهذه الفترة مجرد مرحلة للتعارف بين الاثنين، فعليها أن تحاول معرفة كل شيء عن خطيبها على قدر ما تستطيع، وما نقوله للخطيب ننصح به الخطيب أيضا.
ويجب تقسيم حياة الفتاة في هذا الصدد إلى ثلاث مراحل:-
1- مرحلة ما قبل الخطبة:- وهي المرحلة التي تبدأ منذ طفولتها المبكرة إلى أن يتم خطبتها، وفيها يجب أن تعتاد الفتاة ان تحكي لوالديها كل شي، فعلى سبيل المثال.. إن حاول شاب أن “يعاكسها”- عندما تصل إلى مرحلة المراهقة، فقد تعتبرها هي ببراءة مجرد “معاكسة”، لكن عندما تحكي للأم تستطيع أن تحلل الموقف ما إذا كانت “معاكسة” عابرة أم انه يتربص بها، وهنا يجب أن تسأل الأم ابنتها.. هل الولد الذي “عاكسها” يحاول “معاكستها” كل يوم؟ هل تعرفه؟ وهنا تستطيع الأم من خلال معرفتها للتفاصيل أن تأخذ قرار وتعرف أبعاد الموقف حتى تستطيع أن تحمي بنتها.
2- مرحلة الخطبة، وفي هذه المرحلة يجب أن تعلم الفتاة أن هناك أشياء يجب أن تقولها لأهلها، وأشياء أخرى يجب أن تبقى بين الخطيبين، فكل ما يخص مستقبل الخطيبين لا يجب أن يقال للأهل مثل لو قررت الفتاة مع خطيبها- نظرا لسوء الظروف الاقتصادية وكثرة تكاليف الزفاف، تأجيل الإنجاب لفترة معينة معينة بعد الزواج، فهذا قرار خاص بالاثنين معا ولا شأن للأسرة في ذلك، فلو عرفت والدتها ستظل تلح عليها بسرعة الإنجاب لإنها تريد أن ترى أحفادها، مما يجعل الخطيبة في حيرة من أمرها، فهل تسمع لوالدتها أم تحاول تنفيذ ما اتفقت عليه مع خطيبها، وكذلك قرار السفر خارج البلاد بعد الزواج لإيجاد فرص عمل أفضل وتهيئة جو أفضل للأبناء، فلو تدخل الأهل في هذا القرار سيؤدي إلى صراعات عديدة فهذا موضوع الخطيبين معا، كذلك اختيار منزلهما وديكوراته، وقد مرت عليا في مجال الخدمة حالة تؤكد هذا الكلام، فقد اختارت فتاة مع خطيبها غرفة نوم “كحلي”، فقال الخطيب لأمه هذا الأمر.. ولكن فور علمها قالت له “كحلي.. كحلي إيه عليك وعلى دماغك.. ده غرف النوم لونها يبقى وردي”، فعاد الخطيب لخطيبته وقال لها علينا أن ندهن غرفة النوم باللون الوردي علشان ماما قالت كده”.. وهنا قررت الخطيبة فورا العدول عن هذه الخطبة”، ولكن هناك أمور يجب أن تعلم الخطيبة أهلها بها ولا يجب أن تخفيها عنهم فور معرفتها بها عن خطيبها، فمثلا لو عرفت الخطيبة أن ابن عم خطيبها قد سجن لرتكابه جريمة ما، فعليها أن تخبر أهلها لأنها قصة نسب وهنا المسألة لا تخصها بمفردها فقد تؤثر مثل هذه القصة على سمعة أختها، فقد تكون هي راضية ولكن من حق الأسرة أن تعرف وتشاركها القرار سوء أنها تكمل أو تعدل عن الخطبة، وفي بعض الأحيان يكون الخطيب مدمن نوع معين من المخدرات ويقول لها أنه سيبتعد عن ذلك وأنه يخضع حاليا للعلاج لكي يستطيع أن يتعافى، وهنا يجب أيضا أن يأخذ الأهل مع الخطيبة القرار لأنها قد لا تسطيع بمفردها أن تعرف مدى خطورة الموقف.
3- مرحلة ما بعد الزواج: وهنا يجب ألا تبوح الزوجة بشئ عن بيتها وعن علاقتها بزوجها لأي أحد مهما كانت درجة قرابته إلى لو كان مرشد يتمتع بالصفات التي ذكرناها من قبل.
* ماذا لو روى الخطيب لخطيبته مشكلة لديه متعلقة بعمله أو ضائقة مالية قد تعرض لها في فترة ما، هل تخبر أهلها أم لا؟
** بالطبع يجب أن تخبرهم لأن خبراتها وعلاقتها لا يسمحن لها من التحقق من مدى صدق كلامه، وكذلك سيكولوجيتها وعاطفيتها قد يضللوها لأنها قد تكون أحبته فلا ترى كل التفاصيل، لذلك أنصح الفتاة أن تقرر بعقلها في البداية ثم تترك قلبها يقول كلمته بعد ذلك، حيث عندما يوافق العقل أولا ثم يتبعه القلب حتما ستنجح الزيجة ولكن لو وافق القلب ورفض العقل ستكون قد دخلت في نفق مظلم، ولو أصرت أن تتمم الخطبة ثم عدلت عنها بالطبع سوف لا تصبح كل الأمور على ما يرام لأنها قد تكون جرحت.
الطفل.. وأسرار البيت
* كيف نعلم الطفل منذ صغره الحفاظ على أسرار الأسرة وخصوصية البيت ؟
** يجب أن نعلمه أن ما يقال داخل البيت لا يخرج خارجه، ولا يقوله لأي شخص مهما كانت درجة قرابته، والأهم من ذلك أن أعلم الطفل ألا ينقل ما حدث في أي بيت ذهب إليه، فمثلا لو ذهب الطفل إلى خالته وحدثت مشادة بينها وبين زوجها، وجاء الطفل ليحكي عن ذلك، فلا يجب أن يدفع الأم فضولها أن تتركه ييحكي بإسهاب، بل عليها أن تقاطعه وتحذره من نقل أسرار البيوت.