وضع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي حجر الأساس لكنيسة مار شربل في الدوحة، بحضور حشد من أبناء الجالية.
ورفع البطريرك الراعي، الشكر لله على عنايته ورحمته الذي رفع على مذابح الكنيسة القديس شربل المسافر الكبير الذي وصل إلى العالم وإلى قطر ودخل قلب الجميع.
وشدد على أن الله يخاطب كل انسان وما على الإنسان سوى الاستماع إلى صوته، شاكرًا الأب شربل مهنا الراهب المريمي، على الجهود الذي بذلها مع لجنة الكنيسة للعمل وتلبية الدعوة والمجيء إلى قطر والعمل مع لجنة بناء الكنيسة لأنهم بايمانهم وبجهودهم وضعوا يدهم بيد الأب شربل بتوجيهات المطران لبناء الكنيسة على رغم كل المشاكل الاقتصادية الكبيرة في الشرق وقبلوا التحدي لبناء هذه الكنيسة، ومار شربل سيكافئهم.
بعد ذلك، كان عرض لصور تجسد مختلف أقسام الكنيسة والمجمع الراعوي التابع لها، وهي تضم مدرسة تتسع لزهاء 600 طالب وكذلك ديرا، إضافة إلى الكنيسة ومكاتب تابعة لها.
وقبل بدء القداس، ألقى النائب الرسولي لشبه الجزيرة العربية المطران كاميلو بالين كلمة، قال: “بحضوركم معنا، يا صاحب الغبطة، يوضع حجر الأساس لكنيسة مار شربل المارونية فتجسد نعمة من الله الذي يرعى أبناءه أينما كانوا. وتشريفكم لنا بالحضور يرمز إلى وحدة الكنيسة التي صلى لأجلها يسوع”.
وأضاف: “ها نحن نحتفل اليوم بوضع حجر الأساس في أول كنيسة مارونية في الخليج. ونحمد الله الذي أمدنا بمكان نجتمع فيه للقائه لكي نقدم إليه أفراحنا ومشكلاتنا. الحق أن الهدف من الكنيسة هو أن يكون هناك مكان يمكننا فيه أن نجدد علاقتنا بالرب من خلال يسوع المسيح وننعشها ونعمقها. ونتقدم بأسمى آيات الشكر لدولة قطر، أميرا وشعبا، لانفتاحه على الأديان الأخرى وهو موقف يشترك مع بعض بلاد منطقة الخليج. وكلما كنا أكثر انفتاحا على الآخر كلما كان الله كريما معنا. وهذه الكنيسة هي بمثابة صورة الأم التي تستقبل اولادها وترحب بهم، ولا شك في أن هذه الكنيسة المارونية في قطر ستكمل مهمتها إذا ما قبلت طوائف أخرى صغيرة، ولا سيما تلك الطوائف الناطقة بالعربية. هذه الكنيسة سوف تكون علامة على هويتها الجوهرية أي لكونها كاثوليكية تلك التي تعني عالميا، وللكنيسة المارونية علاقة خاصة مع الحبر الأعظم وظلت متحدة معه برغم الاضطهادات وشتى المتاعب التي وقعت عبر التاريخ”.
وتابع: “نبدأ بناء هذه الكنيسة الملموسة، لكن الهدف هو إقامة كنيسة روحانية هي، في الحقيقة، كل فرد منا، وكل واحد منا يسكنه الروح القدس منذ لحظة معموديتنا. وفي الوقت عينه، علينا أن نشبك أيدينا سوية لكي نكون قادرين على بناء الكنيسة الملموسة. وعلينا أن نجدد قلوبنا وعلاقتنا بالرب وبجيراننا. وهكذا تكون الكنيسة الروحانية جميلة تنشر الوحدة والمحبة والمشاركة للكل”.
وقال: “إن وضع حجر الأساس هو مناسبة خاصة لكي نجدد أمانتنا واخلاصنا ليسوع وللرسالة التي أعطانا إياها أن نكون تلاميذة أخوة وأخوات لبعضنا البعض بصرف النظر عن الجنسية أو اللغة أو الدين”.
وبعد الإنجيل، ألقى البطريرك الراعي عظة بعنوان: “أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي” (متى 16: 18) قال فيها:”عندما سأل الرب يسوع تلاميذه: وأنتم من تقولون أني أنا هو؟” أجاب سمعان بن يونا:أنت المسيح ابن الله الحي. فامتدح يسوع إيمانه وبدل اسمه إلى بطرس أي الصخرة، ويعني بها صخرة الإيمان التي عليها يبنى كنيسته (راجع متى 16: 15-18).
هذه الكنيسة هي “بيت الله” المكون من المؤمنين بالمسيح كحجارة إيمانية حية، على ما كتب بطرس الرسول: “كونوا أنتم أيضا مبنيِين كحجارة حية بيتا روحيا” (1 بط 2: 5).
هذا هو المعنى اللاهوتي والروحي للاحتفال بوضع حجر الأساس لكنيسة مار شربل الذي قمنا به. هذا الحجر المعروف “برأس الزاوية” هو المسيح، كما قال بطرس الرسول (راجع أعمال 4: 11)، وشرح معنى هذا الحجر بقوله: “لا خلاص إلا بيسوع المسيح. فما من اسم آخر تحت السماء وهبه الله للناس نقدر به أن نخلص” (أعمال 4: 12)”.
وأضاف: “يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، مع سيادة السفير البابوي المطران فرنسيسكو باديلا francisco Padilla وسيادة النائب الرسولي في شمال الجزيرة العربية المطران Camillo Ballin الذي قبل هبة سمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني بتخصيص عقار لبناء كنيسة مارونية على اسم القديس شربل، تكون مفتوحة لحاجات سائر المؤمنين، وفقا لتوجيهات سيادته، ومع الأب شربل مهنا، من الرهبانية المارونية المريمية العزيزة، خادم جماعتنا المارونية والمعاون في خدمة الجماعات الأخرى، فأننا نحييه مع لجنة بناء كنيسة مار شربل وكل المعاونين فيها ولا سيما المهندسين والمقاولين. بارك الله أعمالهم وكللها بالنجاح. لقد أتينا من لبنان مع سيادة أخوينا المطرانين سمير مظلوم وبولس الصياح والمكتب الإعلامي في الكرسي البطريركي والوفد الإعلامي الآتي من لبنان ولا سيما محطة lbc وmtv ونورسات ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام و”الوكالة الوطنية للإعلام”، لنشارككم فرحة هذا الاحتفال، ونشكر معكم سمو الأمير على مبادرته الكريمة، وعلى تسهيل جميع المعاملات اللازمة. نسأل الله أن يكافئه بالصحة والخير، ويفيض على دولة قطر رحمته وبركاته، شاكرين لها استضافة الآلاف من اللبنانيين الذين يعملون فيها بإخلاص، ويكسبون لقمة عيشهم لهم ولعيالهم ويساهمون في نمو هذه الدولة المضيافة وازدهارها.
وقد فتحت الدولة القطرية أبوابها لعشرات الالاف من بلدان الشرق الأوسط والبلدان الأسيوية وسواها.
وتابع: “أنتم أيها المؤمنون والمؤمنات، نحييكم ونقدم هذه الذبيحة المقدسة على نيتكم، فيما أنتم تتعبون وتجاهدون، والآن تتعاونون في بناء كنيسة مار شربل ومجمعها الراعوي. نحن نؤمن بأن يده معكم، وهو يعرف كيف يكثر ما تقدمون من مال وتضحيات. فهو رب هذا البيت. كما نصلي في المزمور: “إن لم يبنِ الرب البيت، عبثا يتعب البناؤون؟” (مز127: 1). فلا تخافوا من حجم الكلفة فلا أحد يعلم من أين يرسل الله محسنين لبناء بيته. ومعلوم أن الله لا يسكن بيوتا صنعتها أيدي البشر. “فالسماء عرشه، والأرض موطئ قدميه. لقد صنعت يداه هذا كله” (أعمال 7: 48-49؛ أشعيا 66: 1-2). بل يريد الله أن يسكن في قلب الإنسان، وفي منسحقي الروح المرتعدين من كلمته (أش 66: 2). هذا ما أكده الرب يسوع بقوله: “من يحبني يحفظ كلمتي، وأبي يحبه وإليه نأتي، وعنده نجعل لنا منزلا؟” (يو 14: 21 و23).
وقال: “أنت المسيح ابن الله الحي” (متى 16: 16). هذه هي صخرة الإيمان التي عليها تبنون كنيستكم الرعائية، ايها المسيحيون المشرقيون، على اسم القديس شربل هنا في الدوحة الزاهرة. وهذا هو إيماننا الذي نعلنه اليوم. ربنا يسوع هو المسيح الذي انتظرته أجيال وأجيال من الأمم والشعوب. وعنه تكلم الانبياء وجميع الكتب المقدسة في العهد القديم، وظهر في ملء الزمن، واعتلن في كتب العهد الجديد. وهو ابن الله الذي صار إنسانا ليكلمنا عن الله ويكشف لنا وجهه وسره. وقد اتخذ طبيعة الإنسان وعلم كل واحد وواحدة منا كيف يكون إنسانا. فقد فكر بعقل إنسان، وقال الحقيقة بلسان إنسان، أحب بقلب إنسان، واشتغل وأعطى بيد إنسان، ولم يصنع إلا الخير بإرادة إنسان، وهو الإله الحي، الذي سماه النبي أشعيا “عمانوئيل” أي الله معنا. فهو رفيق درب كل إنسان ليصل به إلى معرفة الحق ونيل الخلاص”.
أضاف: “إننا نلتمس اليوم هبة الإيمان الذي ملأ قلب سمعان بطرس. أجل الإيمان عطية من الله ونعمة، وهو نور الروح القدس الذي ينير عقولنا، ويحرك قلوبنا نحو الله، فنفهم الحقيقة ونقبلها في عقلنا مقتنعين بها، وفي قلوبنا فنحبها، وفي إراداتنا فنخضع لها ونجسدها في الأفعال والمبادرات. لا ينحصر الإيمان في الإطار الروحي والديني فقط، بل يتخطاه ليشمل حياتنا الزمنية بكل أبعادها. نحن نعيش في لبنان وبلدان الشرق الأوسط أوضاعا صعبة للغاية، وظروفا قاسية، من جراء الحروب الدائرة والنزاعات والأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية في عدد من بلداننا. فلا بد من مواجهة هذه الأوضاع الصعبة بإيمان، صامدين في القيم الروحية والأخلاقية وإيمان نترجمه في الأفعال والمبادرات والمواقف. يحتاج لبنان إلى رجالات دولة غير عاديين يعملون من أجل إعادة بناء الوحدة الوطنية. لبنان في حاجة إلى سياسيين متجردين يحاربون الفساد المتفشي في الوزارات والإدارات العامة ومؤسسات الدولة، ويضعون الخطة اللازمة للنهوض الاقتصادي والمالي، ولإجراء الإصلاحات المطلوبة من مؤتمري روما وباريس الأخيرين. وهي إصلاحات تشمل الكهرباء والماء والمال والبنى التحتية. ويحتاج لبنان إلى مسؤولين سياسيين يحترمون الدستور والقانون، ويلتزمون القرارات القضائية ويعملون على تنفيذها.
وفيما تفصلنا ثلاثة أسابيع عن إجراء الانتخابات النيابية، فإننا ندعو جميع اللبنانيين للإدلاء بصوتهم المسؤول من أجل اختيار مثل هؤلاء المسؤولين. وفيما تقدر مبادرة فخامة رئيس الجمهورية برد المادة 49 المضافة إلى موازنة 2018 إلى المجلس النيابي لإعادة النظر فيها، فانا نرجو من هذا المجلس إزالة منح الإقامة لأي أجنبي أو عربي لقاء شرائه شقة في لبنان، بل إيجاد شروط وتسهيلات أخرى لحل مشكلة السوق العقارية. ونناشد الحكومة وضع سياسة سكنية من أجل تأمين منازل للشباب اللبناني كي يتمكن من تأسيس عائلة والبقاء على أرض الوطن، ومن أجل إيواء عائلاتنا اللبنانية المحرومة من منزل لائق بسيط”.
وتابع: “إننا نناشد الأسرة العربية الدولية إيقاف الحروب العبثية الدائرة في فلسطين والعراق وسوريا واليمن، وتوطيد السلام العادل والشامل والدائم، وإعادة جميع النازحين واللاجئين إلى ممتلكاتهم وأوطانهم. فمن حقهم المقدس استعادتها مع ثقافاتهم وحضاراتهم وتاريخهم. فكم هو معيب على هاتين الأسرتين الاستمرار في الحرب والقتل والدمار، والتنكر لواجب بناء السلام. اليس من العار أن تصرف المليارات التي باتت لا تحصى من الأموال على السلاح والتسلح من أجل التدمير والقتل وتشريد المواطنين الآمنين؟ وفي المقابل، ملايين وملايين من البشر يموتون جوعا، فضلا عن الفقراء والمحرومين أبسط حقوقهم الأساسية؟ لكن إيماننا كبير بأن المسيح الإله القائم من الموت قادر على مس العقول والإرادات والقلوب، على تحريكها نحو السلام والخير والبناء. وبهذا الرجاء الثابت نرفع نشيد المجد والتسبيح للأب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
وفي ختام القداس، ألقى الراهب شربل مهنا كلمة وجه فيها “تحية شكر وتقدير إلى غبطته”، مرحبا به “بين أبناء الجالية المسيحية مع ما تحتضنه من حركات رسولية وحركات شبيبة وأخويات ساهمت من خلال خدمتها وصلواتها ومحبتها بالوصول إلى يوم وضع حجر الأساس للكنيسة”.
ووجه تحية شكر، إلى النائب الرسولي والسفير البابوي في قطر والآباء “الذين تعاونت معهم منذ تولي مهمتي في قطر منذ 4 أعوام ومدوا إلي يد المساعدة لكي نبني كنيسة مار شربل”. وشكر “لغبطته ثقته التي منحني اياها لتعييني خادما لبناء كنيسة القديس شربل حتى تحقق هذا الأمر ببركته”. وخص بالذكر “الرهبنة المارونية المريمية التي رافقته طوال وجوده في هذه الخدمة والمسؤولية”.
ثم توجه المؤمنون يتقدمهم البطريرك الراعي إلى ساحة الكنيسة، حيث بارك تمثالا للقديس شربل وأزاح الستار عن لوحة للمناسبة.
ثم توجه الراعي إلى قاعة الرعية، حيث التقى أبناء الكنيسة والجالية اللبنانية في قطر و هذا حسب ما جاء بالوكالة الوطنية للإعلام.