تعم الفرحة الآن وسط صفوف المصلين بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وهم محتفلون بقيامة السيد المسيح، ليعن قوته ومحبته للبشرية وخلاص كل النفوس، فكل الكنيسة وممراتها مزية بالورود البيضاء، والشموع، معلنة فرحتها حاملة صورة الكنيسة السمائية الفرحة بهذا اليوم العظيم.. يوم الحب الحقيقي الذي قدم الله فيه غلبته على الموت لخلاص العالم، ومازال جموع الشعب القبطي ينتظر بشوق وفرح عظيم تمثيلية القيامة وهى التمثيلية التي لا تعمل إلا ليلة هذا العيد المجيد حيث يغلق باب الهيكل وتطفأ أنوار الكنيسة ويدور حوار بين قداسة البابا وكبير الشمامسة وقداسته بداخل الهيكل.. ثم تضاء الأنوار وتزف أيقونة القيامة في الكنيسة… والكنيسة تعلق أبواب الهيكل قبل عمل تذكار القيامة وذلك إشارة إلى غلق أبواب الفردوس بواسطة ادم كما أن فتحه يذكرنا بفتحه بواسطة المسيح وزوال العداوة التي تسببت لآدم وذريته بغواية إبليس وإتمام الصلح بين الله الآب والإنسان كما في قول المخلص للص اليمين (اليوم تكون معي في الفردوس (لو 23: 43) وفيه تعليم روحي لكل مؤمن أن يقترب من الله لأن قدس الأقداس السماوي قد فتح (عب 9: 12، 24، 10: 19)… وبعد غلق الأبواب ترتل الكنيسة بلسان قداسة البابا ورئيس الشمامسة من خارج الهيكل بصوت جهوري (المسيح قام – اخرستوس آنيستي Χριστός ἀνέστη) فيجاوبه قداسته من الداخل (حقًا قام – اليثوس انيستي) ثلاثة مرات بالقبطي ثم بالعربي… وذلك إشارة إلى إذاعة بشرى القيامة بواسطة الملاك للنسوة اللاتي لما ذهبن إلى القبر ليطيبن جسد المخلص وسألن الملاك عنه جاءهن قائلا قد قام (مر 16: 6، لو 24: 6)، ثم بعد ذلك يتلى (مز 24: 7 إلخ) فيهتف البابا من الخارج (ارفعوا أيها الملوك أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية) ثلاث مرات وبعد المرة الثالثة يضيف عليها عبارة ليدخل ملك المجد فيجاوبه قداسة البابا تواضروس من الداخل (من هو ملك المجد؟) فيقول: (الرب العزيز القوى الجبار القاهر في الحروب هو ملك المجد) ثم يفتح باب الهيكل وتبدأ الدورة. وذلك على ما قاله أحد العلماء: إن رئيس الكهنة رمز للمسيح والهيكل رمز للسماء وهذه الترنيمة النبوية هي التي أنشدتها الملائكة عند صعود المسيح وذلك أن الملائكة التي نزلت لخدمة الرب صرخت إلى الرؤساء العلويين للتهيؤ والاستعداد لاستقبال الرب) وقد أجاب بعضهم على ذلك أيضًا (إن النبي ضمن نبوته هذه جهاد المسيح في الصليب ومكافحته الخطية والآلام وانتصاره على الموت بموته الاختياري وفوزه بالغلبة والظفر والفوز بالقيامة المجيدة وقد أقامه النبي مقام ملك ذهب لإخضاع ودية شقت عصا الطاعة عليه فحارب الرجال وكافح الأبطال واقتحم الأخطار وهزم الأعداء شر هزيمة وعاد رايات النصر تخفق أمامه فجاءت العشائر وعلت أصوات الفرح ويؤدى في عاصمة مملكته لتستعد لاستقباله والاحتفال بقدومه الأمراء والعظماء وجميع أركان المملكة وتزين البلاط الملوكي وتهيئ الطرق وجميع الأماكن المزمع أن يمر فيها هذا الملك إجلالًا له وإكرامًا فشاءت الأخبار وانتشرت في أنحاء المدينة وأخذ الذين يجهلون عظمة هذا الفاتح وقوته يسألون الذين يعرفونه حق المعرفة وقد حضروا له مواقع كثيرة ورأوا بطشه وشدة بأسه فأخبروهم عن حروبه الكثيرة وانتصاراته السعيدة وما زالوا في قيام وقعود وفرح ومرح حتى دخل الملك بموكبه العظيم وتبوأ عرشه.. فكان هذا المثال يطابق كل المطابقة لصفات آدم الرب وموته وقيامته إذ جاهد وغلب وحارب وانتصر على قوات الجحيم ففرحت بذلك الجنود السماوية ومصاف الرسل الحواريين عرفوا مقداره وسمو منزلته وعظمة مقامة وجليل أعماله فوجب أن يقابل بهذا النشيد وقت القيامة لأنه يتضمن الأمجاد والكرامات التي نالها من الأرض والسماء لما انتصر على الأعداء وغلب الموت والشيطان والخطية والعالم إذا ابتهجت الرسل وتهللت الملائكة وبدا هؤلاء يبشر بعضهم بعضا بهذا النصر العظيم وبحث كل منهم الآخر على الاستعداد والتأهب لملاقاته واستقباله بما يليق من الإكرام حين صعود إلى السماء وتبوئه أريكة مجده الأبدية.
ثم الطواف بالأيقونة ليلة عيد القيامة إشارة إلى ظهور الرب لتلاميذه وللنسوة بعد قيامته في اليوم ذاته ولكثير من التلاميذ ولأكثر من 500 أخ، ثم أن الكنيسة تجرى هذا الطواف من أول الخماسين إلى يوم الصعود وهى تتلو الأناشيد الكنسية والأغاني الروحية بصوت الفرح وآلات الحصد والتسبيح وذلك إشارة إلى تردد الرب على تلاميذه بعد قيامته أربعين يوم (أع 1: 3) أما إبطاله من بعد عيد الصعود فهو لتذكير المؤمنين وتعليم غير العارفين أن الرب يسوع صعد إلى السماء بعد الأربعين من قيامته (لو 24: 51، أع 1: 9).. وأما غرض الكنيسة من الطواف بالأيقونة بالترتيل وبصوت التهليل فهو لإعلان فرحها وإظهار بهجتها بقيامة الرب بصورة فعلية تحرك قلوب المؤمنين على حمد الرب تمجيده. ثم إشارة إلى قوله لتلاميذه (سأراكم وتفرح قلوبكم ولأحد ينزع فرحكم منكم. أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح) (يو 16: 20 – 22) وهكذا صار فان التلاميذ لما رأوا الرب فرحوا (يو 20: 20).
يعد المزمور 150 في التوزيع الذي يقال بلحن الفرح… بعده يقال برلكس بطريقة الفرح إلى الصعود (كاطاني خورس) ..