الخمسون يوما بعد القيامة هي أيام فرح في الكنيسة المقدسة حتي إنه إن مات شخص في هذه الأيام, ودخل جثمانه إلي الكنيسة للصلاة عليه, فإنه يستقبل بألحان الفرح.
وهكذا أيضا لا يوجد صوم ولا مطانيات في هذه الأيام, حتي في يومي الأربعاء والجمعة.
وقد يظن البعض أن الروحيات قد تفتر في أيام الخماسين, بدون صوم ومطانيات, ويسأل: كيف تكون روحياتنا إذن؟ وكيف نعوض فاعلية الصوم في حياتنا الروحية والتأثير الروحي للمطانيات؟
لهذا يحسن بنا أن نتأمل أيام الخماسين وذكرياتها, لكي نجيب علي هذا السؤال.
لقد قال السيد المسيح لتلاميذه – عن قيامته – أراكم فتفرح قلوبكم, ولا ينزع أحد فرحكم منكم (يو 16: 22), وهكذا قيل بعد القيامة ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب (يو 20: 20).
إذن تلك الأيام كانت أيام فرح بالرب.
ونحن لا نفرح فيها بسبب أن العيد قد حل, وأن الصوم قد انتهي! فليست أفراحنا هي أفراح عالمية, إنما المهم هو الفرح بالرب, كما يقول القديس بولس الرسول في رسالته إلي فيلبي: افرحوا في الرب كل حين, وأقول أيضا افرحوا (في 4: 4).
الفرح في آلرب – كما توحي تلك الأيام – يعني الفرح بالوجود مع الرب, الفرح بلقاء الرب.. انتظرته, وأخيرا وجدته, وتمتعت بالعشرة معه, كما حدث مع التلاميذ فإلي أي حد نحن في هذه الأيام نفرح بوجودنا مع الرب؟
حاول إذن أن توجد في حضرة الرب, وتفرح بعشرتك معه, تفرح بلاهوته, تفرح بقدرته, بعمله في حياتك تفرح بالإيمان به.. هذا هو ما ينبغي أن يكون عليه شعورك في هذه الأيام المقدسة.
يمكن لكي تفرح بالرب, أن تتذكر إحسانات الله إليك طول حياتك, منذ أن ولدت.
لكي تفرح بعمل الله معك, بل وبعملك أيضا مع كل أحبائك, لأن ذلك كان سبب فرح لك أيضا.. هوذا داود النبي يقول في هذا المجال: باركي يا نفسي الرب, ولا تنسي كل إحساناته (مز 103: 2), فليدرب إذن كل واحد منا نفسه علي الفرح بالرب.
ليس فقط الفرح بإحسانات الله, إنما أيضا الفرح بصفات الله الجميلة, فالتأمل في صفات الله, يجلب للنفس فرحا.. هوذا داود النبي يقول: أما نفسي فتفرح بالرب, وتبتهج بخلاصه, جميع عظامي تقول: يارب من مثلك, المنقذ المسكين ممن هو أقوي مني.. (مز 35: 9, 10), يا الله الذي صنعت العظائم, يا الله من مثلك؟! (مز 71: 19) أيها الرب إله الجنود, من مثلك قوي؟! (مز 89: 8), لا شبيه لك يارب بين الآلهة يارب, ولا مثل أعمالك (مز 86: 8).
إن داود يفرح بصفات الله وبعظمته ومجده, فيفتخر به.
ويقول ليس لك شبيه يارب بين الآلهة.. كل الأمم الذين صنعتهم, يأتون ويسجدون أمامك يارب, ويمجدون اسمك لأنك أنت عظيم وصانع العجائب, أنت يا الله وحدك (مز 86: 8-10).
إنه يذكرني بذلك الشاعر الذي قال مفتخرا بآبائه الملوك.
وأبي كسري علا إيوانه.
أين في الناس أب مثل أبي؟!
ليتنا إذن في هذه الفترة ندرب أنفسنا علي الفرح بالرب, بتذكر إحساناته, وبالتأمل في جميل صفاته, وماذا أيضا؟
كان السيد المسيح في تلك الفترة يكلم تلاميذه عن الأمور المختصة بملكوت الله (أع 1: 3).
ليتك إذن في هذه الفترة تعيش فيها تماما, وكما كنت في أسبوع الآلام, تعيش في الأحداث الخاصة بذلك الأسبوع, وفي الأقوال والقراءات الخاصة بآلامه إذن ليتك في أيامنا هذه, تعيش في الأمور الخاصة بملكوت الله, حيث سلم الرب تلاميذه كل الأسرار الكنسية وكل الطقوس الكنسية, وسلمهم أيضا الكهنوت (يو 20: 22, 23), وكذلك سلطان التعليم والمعمودية (مت 28: 19, 20), وباقي الأمور المختصة بملكوت الله.
سوف تجد أمورا كثيرة تختص بملكوت الله.
لعل في مقدمتها الإيمان.. فما نصيبك من الإيمان؟
كما يقول القديس بولس في رسالته الثانية إلي أهل كورنثوس اختبروا أنفسكم هل أنتم في الإيمان؟ امتحنوا أنفسكم (2 كو 13: 5).
إن كلمة الإيمان كلمة كبيرة وواسعة, ليس مجرد أن تقول قانون الإيمان فتحسب نفسك مؤمنا!! إنما حياة الإيمان العملية, التي تري بها الرب موجودا في كل مكان يراك ويسمعك ويعرف كل ما تعمله, ويسجل ذلك كله عليك في الأسفار التي ستفتح في يوم الدينونة الرهيب, أدرك ذلك تماما لأنه من الأمور المختصة بملكوت الله, حينئذ تعيش محترصا ومدققا.
لقد أصدرت لكم كتابا عن حياة الإيمان, حدثتكم فيه عن الإيمان العملي, الذي يوقن فيه الإنسان بحماية الله فلا يخاف, الإيمان الذي يوقن فيه الإنسان أن الله معه في كل مكان, ويقول مع المرتل تأملت فرأيت الرب أمامي في كل حين, لأنه عن يميني, فلا أتزعزع (مز 16: 8).. إنه الإيمان الذي هو من الأمور المختصة بملكوت الله.
أيضا التوبة من الأمور المختصة بملكوت الله.
لأنه لا يستطيع إنسان أن يدخل ملكوت الله دون التوبة.. فإن كنت في هذه الأيام المقدسة لا تجد صوما ولا مطانيات, لكن بلاشك توجد أمامك التوبة بكل تفاصيلها, لأن التوبة هي من روحيات الخماسين, من روحيات الفترة التي يوجد فيها الناس مع الله.
ولكي تحيا في حياة التوبة, عليك بشركة الروح القدس, فهي أيضا من الأمور المختصة بملكوت الله, ولا يمكن أن تصل إلي ملكوت الله دون شركة الروح, لذلك جرب نفسك: هل أنت في هذه الشركة المقدسة؟ وإلا درب نفسك عليها.
من الأمور المختصة بملكوت الله أيضا: ممارسة أسرار الكنيسة, لأن كل سر معه المغفرة.
وفيه أيضا ثبات في الله, وفيه عمل من أعمال الروح القدس, إذن انظر كيف نسلك.
لا يقل إنسان إذن: لقد فترت روحياتي في هذه الفترة التي لا صوم فيها ولا مطانيات!! لماذا يا ابني؟ هل الصوم والمطانيات هما الواسطة الروحية الوحيدة, هناك بلاشك وسائط روحية كثيرة يمكن أن تسلك فيها.. في هذه الفترة التي نتذكر فيها فرح التلاميذ بقيامة المسيح.
إن التلاميذ لم يفرحوا فقط بقيامة الرب, إنما فرحوا أيضا بالقيامة بصفة عامة.
فالسيد المسيح إذ قام صار باكورة الراقدين, وكما قام المسيح سنقوم نحن أيضا, ويحضرنا معه في مجيئه الثاني (1كو 15: 20, 23), قيامة المسيح كانت هي الانتصار القوي علي الموت, والبشارة بالقيامة العامة, وهكذا يقول الرسول إن لم يكن المسيح قد قام, فباطل هو إيمانكم (1كو 15: 17).
والقيامة بالجسد تعطينا فكرة – نحن البشر – عن القيامة بالروح, فإن كانت الخطية موتا, تكون التوبة قيامة.. كما قال الأب عن عودة ابنه الضال ابني هذا كان ميتا فعاش (لو 15: 24), وكما نقول في القداس الإلهي أعطيتني القيام من سقطتي وكما قيل في سفر ميخا النبي لا تشمتي بي يا عدوتي, فإني إن سقطت أقوم (ميخا 7: 8), وكما يقول الرسول استيقظ أيها النائم, وقم من بين الأموات, فيضيء لك المسيح (1 ف 5: 14) ويقول الرسول أيضا ونحن أموات بالخطايا, أحيانا مع المسيح (أف 2: 5).
هذه هي القيامة الروحية التي نتذكرها أيضا في هذه الأيام فنتذكر الحياة في التوبة.
وهكذا تصلي وتقول للرب أعطني القيامة من سقطتي أنشد في أذني أنشودتك الحلوة التي تقول ابني هذا كان ميتا فعاش.
وإذ نتذكر قيامة المسيح, وفرح التلاميذ بها, أتذكر بيتين من الشعر كتبتهما تحت صورة القيامة في أواخر الأربعينيات, وهما:
قام المسيح الحي هل/
مثل المسيح تراك قمت
أم لاتزال موسدا/
في القبر ترقد حيث أنت
إنهما نوعان من القيامة, قيامة السيد المسيح هي قيامة الجسد, وقيامتنا نحن هي القيامة من سقطة الجسد, أو من سقطة الروح أيضا وحدها أو مع الجسد.
اللص اليمين قام من سقطته, لذلك استطاع أن يتمتع مع المسيح في الفردوس (لو 23: 43) ويفرح من هناك, في يوم سبت الفرح وأعطانا مثالا عن الفرح مع الرب, عن طريق التوبة وعبارة نحن بعدل جوزينا (لو 23: 41).
نقطة أخري عن هذه الفترة التي قضاها التلاميذ مع الرب بعد القيامة, وهي أنها كانت فترة إعداد للخدمة.
لأنهم قبل ظهور المسيح لهم, كانوا في خوف من اليهود, وقد أغلقوا علي أنفسهم في العلية وما كان ممكنا لهم وهم في هذه الحالة أن يخدموا الرب, فلما ظهر لهم الرب بعد قيامته, أعطاهم الثقة والفرح والشجاعة التي استطاعوا بها فيما بعد أن يقولوا لرؤساء اليهود ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس (أع 5: 29).
وكانوا أيضا في شك, فلما ظهر لهم الرب وأثبت لهم قيامته, وعاش معهم الأربعين يوما يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله, أزال منهم كل شك, وغرس في قلوبهم الإيمان الذي نادوا به في كل مكان, ومن مشارق الشمس إلي مغاربها, بلغت أقوالهم (مز 19).
كما أنه أعطاهم التعليم الذين سينقلونه إلي كل الناس, ولذلك قال لهم قبل صعوده اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به (مت 28: 19, 20), وهذا الذي قد أوصاهم به, كان في هذه الفترة في الأربعين يوما.
لقد قواهم المسيح من الداخل, وقال لهم في وعد بقوة مستقبله ولكنكم ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم, وحينئذ تكونون لي شهودا….
(أع 1: 8) ومنح سلطان الكهنوت والتعليم والمعمودية, (يو 20: 22, 23) (مت 28: 19, 20) وأهلهم للخدمة.. وتحقق فيهم قول المرتل في المزمور إن سرت في وادي ظل الموت, لا أخاف شرا, لأنك أنت معي (مز 23).
هذه القوة, وكل هذا الإعداد للخدمة هي بعض من روحيات الأربعين يوما التي قضاها التلاميذ مع الرب.
أتريد أن تأخذ من روحيات تلك الأيام, خذ هذه القوة وعدم الخوف, والشهادة للرب في كل مكان, وأمام كل أحد.. والاستعداد للخدمة.
وقد يقول أحد: أنا لست خادما, أو تقول امرأة أنا لست بخادمة!! كلا إن الخدمة ليست هي مجرد التعليم في الكنيسة, وإنما هناك مجالات أخري عديدة للخدمة.
اخدموا الرب عن طريق تعليم أطفالكم الأمور المختصة بملكوت الله, وتدريبهم علي الحياة الروحية.
فأنتم مسئولون عنهم أمام الله, وأمام الكنيسة, وأمام المستقبل, إن الأمهات والجدات هي الائي غرسن الإيمان في قلوب أطفال روسيا, حينما كانت الكنيسة تقاسي من ضغوط الشيوعية الملحدة لمنعها عن التعليم.
ليس فقط واجب الأسرة أن تعلم أطفالها طريق الرب, وإنما أيضا أن تدربهم علي الروحيات.
وأيضا تأتي الخدمة عن طريق تقديم القدوة الصالحة.
إنها فترة إعداد للخدمة, فإن لم تكن لكم المعرفة اللازمة للخدمة, اقرأوا وادرسوا, لكي تعلموا أولادكم.. في هذه الفترة نفخ السيد في تلاميذه وقال لهم.
اقبلوا الروح القدس.. (يو 20: 22).
فإن قد قال لهم ذلك في مجال الكهنوت, فعلي الأقل – بالنسبة إليكم – ليكن الروح القدس عاملا فيكم لتقديسكم من الداخل, ولتقويتكم علي عمل الخير في كل مجال, قل له يارب: إنني قد أخذت الروح في سر الميرون.. ولكني أريد إشعال قوته في, لكي أدخل في شركة الروح في كل عمل…
إن قال أحد إن فترة الخمسين ليس فيها صوم ولا مطانيات, نقول له: ولكن هذه الفترة, فيها الصلاة, والمزامير, والقراءة, والتأمل, والتداريب الروحية علي كل فضيلة وفيها أيضا الاعتراف والتناول… إلخ.
حاول مثلا أن تعوض المزامير التي لم تقلها طول أسبوع الآلام.
استغل هذه الفترة في صلاة أكثر بالمزامير, وأيضا في حفظ المزامير وترديدها في مناسبات عديدة, وفي التأمل في المزامير والتعمق في معانيها.
وإن كنت في أسبوع الآلام قد تدربت علي ترديد صلاة مرات عديدة جدا وهي تسبحة البصخة لك القوة والمجد والبركة والعزة إلي الأبد آمين… حاول بنفس الأسلوب أن تختار لك صلاة معينة تناسب قلبك ومشاعرك, وترددها بنفس الأسلوب, حتي تصبح جزءا راسخا في فكرك.
بالمزامير والصلوات المتكررة تحفظ عقلك مع الله.
وتربط عقلك بتأملات روحية, وتدخل في عمق كل عبارة وفي روحياتها, وتطبقها علي حياتك, وتأخذ منها غذاء روحيا ليس في وقت الصلاة فقط, وإنما في حياتك بصفة عامة, فينشغل عقلك بالصلاة حتي إن توقف لسانك يبقي عقلك مرددا لها.
أمامك أيضا فرصة للقراءة الروحية.
مع إعطاء عقلك فرصة للتأمل.
هناك ملاحظة أخري أقولها لكم بمناسبة عدم وجود صوم في فترة الخمسين, وهذه الملاحظة هي:
عدم الصوم ليس معناه التسيب في الأكل.
ليس معناه أن تأكل بلا ضابط!! أو تأكل عشية وباكر ووقت الظهر, وفيما بين الوجبات, وبكمية تجلب للبعض أمراضا.. كن إذن حريصا في نوعيات أكلك وكمياتها, والفوائد الروحية التي حصلت عليها في الصوم الكبير كله وأسبوع الآلام بوجه خاص.. لا تفقدها. وليكن الرب معك في إفطارك كما في صومك.