للوهلة الأولى قد تصدمك قصتها، هذه المغامرة الشغوفة المؤمنة بموهبتها إلى أبعد حد، حيث استقالت من عملها بوزارة الاتصالات بعد اثنتي عشر سنة، وبعد أن ترقت لتصبح مديرة وحدة تطوير الأعمال للمشاريع الصغيرة والمتوسطة بالوزارة، هذه الوظيفة التي حصلت عليها بعد تخرجها من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالجامعة الأمريكية قسم علاقات دولية، وكذلك حصلت على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة “أدنبرة” باسكتلندا ،حيث أحبت عمل العرائس تاركة وراءها كل هذا، باحثة عن الإبداع والتميز تلببة لنداء موهبتها وحبها الأول للعب بقصصات الأقمشة … هي “بسنت سعيد” .
“من صغري أحب الرسم والأعمال اليدوية، فأي شئ مصنوع بالأيدي يستهويني ولا أكل من محاولة عمله بنفسي” هذا ما ذكرته بسنت عن بدايتها .
منذ ثلاث سنوات الصدفة وضعت بين يدي “بسنت” عروسة يدوية مصنوعة بشكل بسيط، فحاولت أن تصنع مثلها وشجعها على ذلك توافر الأقمشة بمنزلها حيث أنها من إحدى كبرى عائلات صناعة وتجارة الأقمشة بمصر وكذلك قد أهدتها جدتها مكينة خياطة مما ساعدها على تنفيذ الفكرة، واستدرجها فضولها وموهبتها القديمة في صناعة فساتين عرائسها لتفيذ الفكرة، ولكن لم تخرج العروسة كما تخيلت “بسنت”، فأخذت تبحث على الإنترنت على فيديوهات تطلعها على صناعة مثل هذه العرائس، وبالفعل قد وصلت “بسنت” إلى أن تعمل العروسة بشكل مقبول وبملابس جميلة وبشعر من خيوط الصوف، ولكنها أرادت أن تتعلم المزيد فبحثت عن دورات تدريبية بمصر تجعلها تدقن صناعة العرائس القماش اليدوية بشكل إحترافي ولكنها لم تجد سوى دورات تدريبية في صنعة العرائس “الماريونت” المنحوتة من الخشب .
سافرت “بسنت” إلى الولايات المتحدة بحثا عن أية دورات تدريبية لتعليم صناعة العرائس القماش التي قد سيطرت على تفكيرها تماما في ذلك الوقت فوجدت كتب تتحدث في هذا الشأن، كما أنها وجدت برامج تليفزيونية أسبانية وإيطاليا وكندية متخصصة في الأعمال اليدوية والتي استفادت منها كثيرا ….
في كل هذه الفترة من البحث ظلت “بسنت” تجري العديد من المحاولات حيث صنعت العديد من العرائس ذات الأشكال والأحجام والملامح المختلفة، فكانت تصورهم وتضعهم على صفحة أنشأتها على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك اسمتها “Passant Art Factory” مع بعض أعمالها اليدوية الأخرى، كبعض الرسومات التي كانت ترسمها على أكواب أو كراسات، ولكن فوجئت بطلب من إحدى صديقاتها والتى تعمل مديرة لإحدى الحضانات لعرض هذه العرائس بمعرض الحضانة ضمن العديد من المنتجات، فرفضت “بسنت” في البداية لأنها كانت تصنع هذه المنتجات كهوية ولكن إصرار صديقتها دفعها إلى الموافقة وبالفعل تم عرض العرائس، وقد لاقت استحسان الأطفال والأهالي بشكل كبير خصوصاً أنها صناعة يدوية، وقد باعت “بسنت” معظم تلك العرائس .
“عند سفري إلى إيطاليا للمشاركة في برنامج يدعى “تمكين المراة” وهو برنامج يهدف إلى مساعدة السيدات في مشاريعهم الصغيرة، حيث كان ملتقى للعديد من النساء من جميع أنحاء العالم، أعجب القائمين على البرنامج بأعمالي جدا، ولكن نصحوني ألا أقسم مجهودي وطاقتي في أكثر من عمل فني، وأن لا أعرض على الصفحة التي
أنشأتها على “فيس بوك” لعرض أعمالي سوى عمل فني واحد لأروج له بشكل صحيح ولا أشتت زائر الصفحة، فقررت أن أختار العرائس لأني في صناعتها أشرك آخرين على عكس الأعمال الأخرى التي لا يستفيد منها أحد غيري، لأني أتمنى أن أكون سبب لعمل البعض وسد عوز بعض الأسر، وقد اخترت اسم خط إنتاج عرائسي ب “PAF Dolls” اختصارا ل” Passant Art Factory” هذا ما روته لنا بسنت عن تخصصها في صناعة العرائس وبداية إنشاء خط إنتاجها .
وعن شكل العروسة النهائي الذي استقرت عليه “بسنت” فقد ذكرت أنها اختارت أن تكون العروسة صغيرة الحجم ويكون طولها حوالي 30 سم، وغيرت شعرها من الخيوط الصوفية إلى الشعر الذي يشبه “البروكة”، وأضافت أن مراحل عمل العروسة تبدأ بعمل تصميم لجسمها على ورق ثم قصه وحياكته وبعدها يتم حشوه ب”الفيبر”، وبعدها تأتي مرحلة تصميم وصناعة ملابس العروسة حيث يتم تصميم موديل فستانها على ورق وعمل “بترون” له وبعدها يتم قصه وحياكته أيضا وتركيب بعض الإكسسوارات له إذا احتاج ذلك، وتقوم “بسنت” بتلبيس عرائسها ملابس مختلفة حسب الموسم، ففي رمضان تلبسهم خيامية، وفي الكريسماس تلبسهم ملابس بابا نويل، وكأنها صاحبة بيت أزياء يقوم بتغير أزياء عارضاته حسب الموسم.
وترسم بسنت ملامح وجه العروسة بيدها ولا تقوم بطباعته لتعطيها لمسة فنية ولا تجعلها جامدة الملامح، حيث تستخدم “بسنت” ألوان خاصة في رسم الوجه فمثلا تستخدم للخدود بودر ثابت يشيبه “البلاشر”، كما تقوم برسم الفم في كل عرائسها على شكل قلب واختارت للعروسة شعار “Make your words Blossm with love” أى اجعل كلماتك تزهر بالحب، حتى يتعلم الأطفال أن يقولوا دائما الكلمات اللطيفة ويبعدون عن الكلمات الرديئة.
“أكثر معاناة قد واجهتها كانت الحصول على شعر العروسة وحذائها حيث لم أجدهم سوى في الولايات المتحدة والصين، فكنت أستوردهما، وأتمنى أن تصنع هذه الأشياء في مصر ليصبح المنتج مصري من الألف إلى الياء ” هذا ما قالته بسنت عن أهم صعوبات عمل “PAF Dolls”
وتقوم “بسنت” بإنتاج هذه العرائس بورشة صغيرة في بيتها بمساعدة عدد محدود من الأفراد كلا من منزله، وقد شاركت بسنت الشهر الماضي بالمعرض الدولي للحرف اليدوية بدعوة من المجلس القومي للمراة، ضمن حملة “التاء المربوطة” .
“أكثر ما يجعلني أشعر بالفخر هو أن العروسة مكتوب عليها (صنع في مصر)، وأنا أحلم الآن أن يكون لديا مصنع كبير لاستوعب عمالة أكثر، وأنتج “PAF Dolls” بشكل أوسع وأصدرها إلى كل أنحاء العالم”، هذا ما اختتمت به بسنت حديثها معنا .