لقد قال السيد المسيح له المجد : ” فأنى الحق أقول لكم إلى أن تزول السموات والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطه واحدة من الناموس حتى يكون الكل” (مت 5 : 18).. وأيضاً جاء في الكتاب :”السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول” (مت 24 : 32).
فعندما نتأمل في النبؤات التي جاءت في الكتاب المقدس وكيف أن السيد المسيح قد تمم بعضها.. فأننا سوف نعرف مدى دقة الوحي المقدس في تحديد الزمان. المكان. وإليك مثال على ذلك:-
قال السيد المسيح له كل المجد عن أورشليم : “فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسه ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة ويهدمونك وبنيك معك ولا يتركون فيك حجراً على حجر لأنك لم تعرفِ زمن افتقادك” (لو 19 : 43 – 44).
هذه النبوة أيها الأحباء التي نطق بها السيد المسيح له كل المجد قد تمت وبكل دقة، الآن نستعرض كيف تمت ولكي نتأكد أن كل ما ورد في الكتاب المقدس هو كُتب لتعليمنا وصادق وحق، ولكن نرى مدى صدق وتحقق النبوة السابقة وفي مكانها وموعدها، بل قال شيئاً لا يمكن لعقل بشري أن يصدقه وهي عبارة :”ولا يتركون فيك حجراً على حجر”، حيث أننا نعرف أن في الحروب يتخلف أطلالاً وخراباً ولكن تصل أن يقول :”لا يتركون فيك حجراً على حجر”.. فهي من منطق الغرابة، لأنه في زمن الميلاد لم يكن للناس علم عن الذرة .. فكيف تم ذلك!؟.
فقد حدث ذلك سنة 66 م، لما قام اليهود مرة واحدة وأرادوا التخلص من الحكم الروماني، وحاصروا برج (أنطوني). وأقسموا للجنود الرومانيين أنهم يبقون على حياتهم لو سلًّموا السلاح، فصًّدق الرومان وعدهم، وفتحوا لهم الأبواب ولكن اليهود ذبحوهم عن آخرهم.
ولكن لما بلغ الخبر الإمبراطور الروماني أرسل جيشاً فأغلق اليهود مدينتهم وابتدى الحصار، وهكذا تم كلام السيد المسيح :”ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش، حينئذ اعلموا أنه قد اقترب خرابها” (لو 21 : 20)، لأنه يكون في تلك الأيام ضيق لم يكن منذ ابتداء الخليقه التي خلقها الله إلى الآن ولن يكون” (مر 13 : 19).
وقد حدث جوع عظيم في مدينة أورشليم حتى كان اليهود يأكلون الجلود ولحوم الكلاب، وأكلت إحدى النساء ابنها. ومع كل ذلك لم يرض اليهود تسليم مدينتهم.. فاستشاط الرومان غضباً واعتراهم جنون الانتقام، فلما ضربوا أسوار المدينه وسقطت الأسوار المحيطه بالمدينة الواحد تلو الآخر، وهجموا على المدينة وقتلوا وذبحواً كثيراً من سكانها، وصلبوا عددا كبيراً من الرجال وأحرقوا الهيكل.
وقال العلامة (يوسيفورس) المؤرخ اليهودي، إن من هلك من المدينة في هذا الحصار يقدر بمليون نفس، وكان الأسرى حوالي 97 سبعه وتسعين ألفاً.. وهكذا تم كلام السيد المسيح القائل :”ويسبون إلى جميع الأمم وتكون أورشليم مدوسه من الأمم حتى تكمل أزمنه الأمم” (لو 31 : 24).
ولكن بعد هذا الحصار أخذ من بقى من اليهود يبنون المدينه بعد رحيل الرومانيين، فأدركهم الإمبراطور الروماني (أدريان)، فهَّدم ما كانوا قد جدَّدوه من أسوار المدينه وبيوتها وجعلها مساحة واحدة مسطحة، بل وحرثها بالمحراث. وهكذا أتم خراب أورشليم، وتم ما قاله السيد المسيح بالحرف الواحد :”لا يتركون فيك حجراً على حجر” (لو 19 : 41).
ولكن هذا الخراب تم على مرحلتين، ( المرحلة الأولى وهي الحصار والقتل والهدم والسبى (لو 21 : 20) – (المرحله الثانية)، وهي “لا يتركون فيك حجراً على حجر” (لو 19 : 43).
ومن ذلك نعلم ونفهم لماذا بكى يسوع على أورشليم إذ يقول الكتاب :”وفيما هو يقترب نظر إلى المدينه وبكى عليها”. (لو 19 : 1).. وهذه ما هي إلا واحدة من نبوآت الوحي المقدس.