مايو / أيار مع العذراء
اليوم التاسع عشر
مجمع العقيدة والإيمان ، ظهور العذراء – فاطيما ١٩١٧ ( ٤ )
اللقاء مع الأخت ماريا لوسيّا
إن موعد اللقاء بين الأخت لوسيّا والمونسنيور ترشيسيو برتوني، امين سرّ مجمع العقيدة والإيمان، الموفد من قبل الأب الأقدس، والمونسنيور سرافيم دي سوسا فرّيرا أي سلفا، اسقف ليريا فاطيما، قد تمّ نهار الخميس الواقع فيه ٢٧ ابريل / نيسان الماضي في كرمل القديسة تريزيا في كوامبرا.
كانت الأخت لوسيّا واضحة وصافية الذهن. وكانت مسرورة جداً بمجيء الأب الأقدس إلى فاطيما، لتطويب فرنسيسكو وياسنتا، وقد كانت تتوقّعه من زمن بعيد .
قرأ أسقف ليريا فاطيما رسالة الأب الأقدس المكتوبة بخط يده، وفيها يشرح أسباب الزيارة. أحسّت الأخت لوسيّا بشرف كبير . وأعادت شخصيّاً قراءة الرسالة وهي تتأمّل فيها بين يديها. عبّرت انها مستعدّة أن تجيب بصراحة على كل الأسئلة .
حينئذ قدّم لها المونسينيور ترشيسيو برتوني المغلّفين: المغلّف الخارجي، والمغلّف الذي يحوي الرسالة مع القسم الثالث من ” سرّ ” فاطيما، فأعلنت مؤكّدة للحال، وهي تمّسها بأصابعها : ” هذه رسالتي ! ” ، ثم قرأتها قائلة : ” هذا خطي ! ” .
ثم قُرىء النص الأصلي المكتوب في اللغة البرتغالية، وشُرِحَ، بمعاونة أسقف ليريا فاطيما، وشاطرتهم الأخت لوسيّا في الشرح، معلنة ان القسم الثالث من ” السرّ ” هو كتابة عن رؤيا نبويّة، أشبه بالرؤيوات التي حصلت في التاريخ المقدّس. وأكّدت من جديد قناعتها بأن رؤيا فاطيما تتعلّق قبل كل شيء بصراع الشيوعيّة الملحدة ضدّ الكنيسة والمسيحيّين، وهي تصف ألم الضحايا الشديدة من أجل الإيمان، في القرن العشرين .
وعلى السؤال : ” هل ان الشخص الرئيسي في الرؤيا هو البابا ؟ “أجابت الأخت لوسيّا حالاً بالإيجاب، وذكّرت بان الرعاة الثلاثة الصغار كانوا في حزن شديد لآلام البابا، وكانت جاسنتا تردّد : ” مسكين هو الأب الأقدس! فإنه يتضايق جداً من أجل الخطأة ! ” . وأضافـت الأخت لوسيّا: «إننا لم نكن نعرف اسم البابا، لأن العذراء لم تعطنا اسم البابا، ولم نكن نعرف اذا كان المقصود هو بنوا الخامس عشر، أم بيوس الثاني عشر، أم بولس السادس، أم يوحنا بولس الثاني. ولكن البابا هو الذي كان يتألّم . وهذا ما كان يؤلمنا نحن أيضاً .
أمّا بالنسبة إلى المقطع المتعلّق بالأسقف اللابس ثوباً أبيض، أي الأب الأقدس، كما أدرك حالاً الرعاة الصغار في أثناء ” الرؤيا “، وقد جُرحَ جرحاً مميتاً، وسقط على الأرض، فالأخت لوسيّا تشاطر كلياً ما أكدّه البابا: «هي يدّ أمّ قد وجّهت مسار الرصاصة، فأوقفت البابا المنازع على عتبة الموت “( يوحنا بولس الثاني، تأمل مع الأساقفة الإيطاليين في مستشفى جيملّي، ١٣ مايو / أيار ١٩٩٤ ) .
وكانت الأخت لوسيّا، قبل أن سلّمت إلى أسقف ليريا فاطيما في ذلك الوقت الرسالة التي تحتوي القسم الثالث من ” السرّ ” قد كتبت على الغلاف الخارجي أنه لا يمكن فتحه إلاّ بعد ١٩٦٠فقط، إمّا بيد بطريرك ليشبونا أو بيد أسقف ليريا، فسألها المونسنيور برتوني : لماذا حدّدتِ ١٩٦٠ ؟ هل ان العذراء هي التي حدَّدت هذا التاريخ ؟ فأجابت الأخت لوسيّا : ” لا ، لم تكن سيّدتنا هي التي حدَّدت تاريخ ١٩٦٠ ، بل أنا نفسي قد حدَّدته، لأني كنت أرى بحدْسي انه لا يمكن فهمه قبل ١٩٦٠ ، بل سيُفهم بعد ١٩٦٠ فقط . فالآن يُفهم أكثر. ولقد كتبت ما رأيت. أمّا الشرح فليس هو من شأني أنا، بل هو من شأن البابا ” .
أخيراً دار الحديث حول مخطوط لم يُنشر، كانت قد هيأته الأخت لوسيّا جواباً على أسئلة عديدة من المؤمنين والزائرين. والكتاب يحمل هذا العنوان “ Os opelos da Mensangen de Fatima ” ) ) ويحوي أفكاراً وخواطر تعبّر عن عواطفها وروحانيتها البسيطة الصافية، في شكل تعليم وتوجيه . وسئلت عمّا إذا كانت تحبّ أن يُنشر فأجابت : ” إذا أراد البابا ذلك، فإني سأكون سعيدة، وإلاّ فاني اطيع ما يقرّره الأب الأقدس ” ، وتتمنى الأخت لوسيّا أن يخضع النص لمصادقة السلطة الكنسية، وتأمل أن تساهم بكتابها هذا في توجيه الأجيال والنساء ذوي الإرادة الصالحة على الطريق الذي يقود إلى الله، وهو الغاية القصوى لكل ما ينتظره البشر .
وانتهت المقابلة بتناول بعض المسابح : قُدمّت للأخت لوسيّا مسبحة من قبل الأب الأقدس، وهي بدورها قدّمت مسابح من صنع يدها شخصياً .
وخُتم الحديث بالبركة المعطاة باسم الأب الأقدس .
كلمة نيافة الكردينال أنجليو سودانو
أمين سرّ الدولة إلى صاحب القداسة
في ختام القداس الإحتفالي المشترك، برئاسة يوحنا بولس الثاني، في فاطيما، ألقى الكردينال أنجيلو سودانو أمين سرّ الدولة، في اللغة البرتغالية، الكلمة التالية :
اخوتي واخواتي الأحباء في الرب !
في ختام هذا الإحتفال المهيب، أشعر من واجبي أن أوجّه إلى ابينا الأقدس الحبيب يوحنا بولس الثاني أحرّ التمنّيات القلبية، من جميع الحاضرين هنا، في مناسبة عيده الثمانين المقبل، شاكراً له خدمته الراعوية الثمينة لخير كنيسة الله المقدّسة جمعاء .
وبمناسبة حدث مجيئه إلى فاطيما، كلّفني الحبر الأعظم بأن أعلن لكم بشرى. كانت غاية زيارته إلى فاطيما، كما تعلمون، تطويب الراعيين الصغيرين. ولكنه يريد أيضاً أن يعطي لزيارته معنى فعل امتـنان جديد للسيدة، من أجل الحماية التي أحاطته بها طوال سنوات حبريته. وهذه الحماية تبدو أيضاً متعلّقة بما يدعى «القسم الثالث» من سرّ فاطيما .
هذا النصّ هو كناية عن رؤيا نبوية، أشبه برؤيوات الكتاب المقدس، التي لا تصف أحداث المستقبل بصورة فوتوغرافية، بل هي تختصر وتجمع في مشهد واحد أحداثاً تتوزّع على الزمن في تتابع ومدّة غير محدّدين. وبالتالي فالمفتاح لقراءة النص لا يمكن إلاّ أن يكون ذا طابع رمزيّ .
ان رؤيا فاطيما تتعلّق بنوع خاص بصراع الأنظمة الملحدة ضدّ الكنيسة وضدّ المسيحيين. إنها تصف الألم الشديد لشهود الإيمان في القرن الأخير من الألف الثاني. انه درب صليب طويل، بقيادة بابوات القرن العشرين .
وفق الشرح الذي أعطاه الرعيان الصغار، وهو شرح أكدّته من زمن قريب الأخت لوسيّا، فالبابا هو «الأسقف اللابس ثوباً ابيض»، وهو يصلّي من أجل جميع المؤمنين. وهو أيضاً، في مسيرة المضي نحو الصليب، في وسط جثث الشهداء المقتولين (الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والفقرة كبير من العلمانيين) يسقط على الأرض كالميت، تحت طلقات سلاح ناري .
بعد الإعتداء في ١٣ مايو / ايار ١٩٨١، اتّضح جيداً لقداسته ان ثمّة ” يد أم قد وجّهت مسار الرصاصة ” فسمحت ” للبابا المنازع أن يقف على عتبة الموت ” ( يوحنا بولس الثاني، تأمل مع الأساقفة الإيطاليين في مستشفى جيملّي ، تعاليم ، المجلّد ١ / ١٧/ ١٩٩٤ صفحة ١٠٦١ ، وفي مناسبة مرور مطران ليريا فاطيما في ذلك الوقت، بروما، قرّر البابا أن يسلّمه الرصاصة التي بقيت في سيّارة الجيب، بعد الإعتداء، لكي تُحفظ في المعبد, وببادرة من الأسقف، رُصّعت في تاج تمثال عذراء فاطيما .
والأحداث اللاحقة في سنة ١٩٨٩ ، في الإتحاد السوفياتي وفي بلدان عدة من الشرق، قد آلت إلى سقوط النظام الشيوعي ، الذي كان يقوم بدور المحامي عن الإلحاد. ولأجل ذلك أيضاً يشكر الحبر الأعظم من كل قلبه العذراء الكليّة القداسة. ومع ذلك، في بلدان أخرى من العالم، فالتعدّيات على الكنيسة وعلى المسيحيين، مع ما يرافقها من ثقل الألم، لا تزال قائمة ويا للأسف! وبالرغم من أن الأوضاع التي يشير إليها القسم الأخير من «سرّ» فاطيما تبدو الآن في نطاق الماضي، فنداء عذراء فاطيما إلى التوبة والتكفير، الذي أطلقته في بدء القرن العشرين، يبقى اليوم أيضاً محرّضاً في الوقت الحاضر. «تبدو العذراء الكلية القداسة وكأنها تقرأ، بحدّة بصر خاصة، علامات الأزمنة، علامات زمننا […]. وما الدعوة الملحّة من العذراء مريم الكلية القداسة إلى التوبة سوى اظهار لعنايتها الأمومية بمصير العائلة البشرية التي تحتاج إلى توبة وغفران» (يوحنا بولس الثاني، رسالة في مناسبة اليوم العالمي للمريض، ١٩٩٧ ، الفقرة ١ : مجلة الوثائق الكاثوليكية ، ٩٣ / ١٩٩٦ صفحة ١٠٥١ ) .
ولكي يسمح للمؤمنين أن يقبلوا بسهولة رسالة عذراء فاطيما، أوكل البابا إلى مجمع العقيدة والإيمان العناية بنشر القسم الثالث من ” السرّ ” بعد أن هيّأ تفسيراً مخصّصاً له .
إننا نشكر عذراء فاطيما على حمايتها. ونكل إلى شفاعتها الأمومية كنيسة الألف الثالث .
إلى حمايتك نلتجىء، يا والدة الله القديسة ! فاشفعي للكنيسة ! واشفعي لأبينا البابا يوحنا بولس الثاني . آمين .
فاطيما، في ١٣ مايو / أيار ٢٠٠٠
( للمقال صلة )