التطرق للحديث عن الحرية ليس سهلا, لأنه موضوع متشعب والآراء فيه متنوعة وغنية. الله القادر علي كل شئ خلقنا أحرارا وترك لنا الاختيار بين الخير والشر, الحياة والموت, لكن الإنسان هو الذي يكبل نفسه بقيود من التبعية والمجاملة والانسياق وراء الآخرين حتي في الشر, وإن الغالبية العظمي من الناس عبيد لأنهم لا يستطيعون أن يقولوا لا, ولكن من يتحلي بالشجاعة وينطقها سيحتفظ بحريته وطابعه الخاص والمميز وشخصيته الفريدة.
إذا نقول لا للشر ولكل ما هو مزيف وضار, لا للعدوان والكراهية والعنف, لا للكذب والنفاق والخداع, لا للموضة التي تزيف واقعنا, لا للسطحية والاتكالية, لا لكل ما هو ضد إرادة الإنسان وكرامته, وكل هذا ليس سهلا في تنفيذه بالرغم من أن هذه الكلمة تتكون من حرفين فقط. ولكن من يتجرأ علي نطقها سيحيا حرا ويتجنب كثيرا من الأخطاء التي يقع فيها بسبب المجاملة والنفاق والخضوع للغير.
كم من الجرائم ترتكب باسم الحرية؟ من يتابع جميع وسائل الإعلام من صحف ومجلات وإذاعة وتليفزيون وإنترنت, يجب العجب العجاب مما يفعله الكثيرون من اعتداء وسلب وقتل وتدمير وانحلال خلقي واجتماعي تحت مسمي الحرية.
يقول المهاتما غاندي: إذا واجهت شرا, فلن أقف أمامه نادبا, أضرب كفا بكف, فأتخلص بذلك من تأنيب ضميري, بل إني أعتبر نفسي مسئولا عما في العالم من شرور ومساوئ وماس إذا لم أحاربها. إذا كل واحد منا يتساءل: ما هو دوري الفعال والمؤثر من الحريات الخاطئة التي تواجهنا كل يوم؟ لأنه لا توجد حرية حقيقية وصادقة إلا إذا كانت في سبيل الخير والحق والجمال, وإلا صارت منفعة شخصية واستبداد للآخرين وسلب حريتهم.
يعتبر البعض أن الحرية هي أن نفعل ما نريد دون حساب لمنطق أو ضمير أو قانون, ولكن يجب ألا تكون الحرية سببا في ضرر الغير, نجد مثالا واضحا لهذا عندما حكم رئيس محكمة في نيويورك علي صاحب سيارة بغرامة مالية, لأنه ترك سيارته علي قارعة الطريق وفيها مفتاحها. وشرح رئيس المحكمة وجهة نظره ومبررات هذا الحكم, لأن القانون يعاقب من يقوم بسرقة السيارات, وهذا الرجل بتركه المفاتيح في السيارة فهو يساعد ويسهل للسارق القيام بمهمته. إذا راجعنا أنفسنا وعلاقتنا بالله الذي خلقنا أحرارا, نجده يترك لنا ملء الحرية في التصرف كيفما شئنا, لكن علي أن نؤدي حسابا عن نتائج ما نعمله خيرا كان أم شرا, بالمكافأة أو العقاب. ويقول يعقوب الرسول في رسالته: تكلموا واعملوا مثل الذين سيدانون بشريعة الحرية (2:12).
ولكن للأسف أن الحرية للكثيرين, تعني عدم الانضباط والتسيب والانقياد وراء الشر والنزوات وعدم احترام الغير والتعدي علي حقوقه.
جميعنا يعلم جيدا أن الحيوانات المفترسة المحبوسة داخل أقفاص حديدية تريد الخروج والهروب للحرية, ولكن الإنسان الذي صنع هذه السياج الحديدية ينتهي به المطاف أن يصبح سجينا وضحية لعبوديات كثيرة مثل: الأنا والشهوة والمال والبغض والقتل والحقد والجشع وغيرها من أمور مخجلة. ولكن من يرد أن يتحرر من هذا كله, يجب عليه أن يحيا حسب إرادة الله التي تدعوه إلي محبة الآخر ومقاسمته الخيرات, لأن حب الإنسان لذاته يسبب له ضررا بالغا ولو كان حبه صافيا سليما مرتبا, أصبح حرا لا شئ يأسره أو يعيقه ويحرمه حرية قلبه وسلامه الداخلي العظيم, إذا فأنت حر ما لم تضر!