“عظيم هو سر التقوى.. الله ظهر فى الجسد”
تّفرد المسيح بأنه كلمة الله الأزلي المتجسد..إذ لم يكن ممكنا أن يتأله الإنسان ليتصل بالله.. فالله نفسه اختار طوعا أن يتجسد.
الله الكلمة أخذ جسدا..
ففى المسيح حل ملئ اللهوت جسديًا..
الله نور لايدنى منه – والمسيح هو صورة الله غير المنظورة..
الله محبة – والمسيح هو تجسد محبة الله لكل البشر..
الفصل الأول :
فأنه كلما ازداد استهزاء غير المؤمنين بالكلمة، ازدادت الشهادة التي يعطيها عن لاهوته؛ لأن ما يعتقده البشر مستحيلًا يثبته الله ممكنا وسهلا، وليس ذلك وحسب بل أن ما يسخرون منه ويعتقدونه غير لائق يلبسه بصلاحه ثوب اللياقة والجمال، وما يهزأون به بغرورهم وادعائهم الحكمة، ويتوهمونه بشريًا، يظهره هو بسلطانه إلاهيًا، وفي ذلك كله نتغلب على الإدعاءات والافتراءات الوثنية بما يظنه العالم ضعفا، أي بصليبه ويقنع بطريقة خفية أولئك الهازئين وغير المؤمنين، ليدركوا لاهوته وسلطانه.
الفصل الثانى
دحض بعض الآراء الخاطئة عن عملية الخلقة :-
(1) مذهب الأبيكوريين، وهو القائل بأن الخلق مصادفة، لكن تعدد الأجسام والأجزاء يستلزم وجود قوة خالقة.
(2) مذهب الأفلاطونيين، وهو القائل بوجود المادة من قبل، وهذا يخضع الله للحدود البشرية، ويجعله لا خالقًا بل صانعًا ميكانيكيًا.
(3) مذهب اللاأدريين أو الأغنسطيين، وهو القائل بوجود خالق آخر وهذا يشجبه الكتاب المقدس.
1- لقد نحا الكثيرون مناحِ مختلفة في صدد صنع الكون وخلق جميع الأشياء، ووضع كل منهم المبدأ الذي يتفق وأهواءه. فالبعض توهم أن كل الأشياء وجدت من تلقاء ذاتها وبمجرد الصدفة، كالأبيكوريين مثلًا {1} الذين يدعون بغرورهم أن لا وجود لتلك العناية التي تهيمن على الكل، وهم في ذلك يناقضون الحق الواضح والاختبار الملموس.
2- فلو صح زعمهم بأن كل شيء وجد من نفسه، خلوًا من أية غاية لننتج من هذا أن جميع الأشياء لابد أن تكون قد خلقت بطريقة واحدة في حال واحدة – متشابهة وغير متميزة عن بعضها. وبالتالي كان يجب من جهة اتحاد الجسم أن يكون الكل شمسا أو قمرا.
وفي حالة الإنسان كان يجب أن يكون الكل عينًا أو يدًا أو رجلًا. الحال غير هذا بل العكس أننا نرى تمييزًا في الخليقة. فنرى الشمس والقمر والأرض. وفي الأجساد البشرية نرى الرجل واليد والرأس. فهذا التمييز يدل على أنه قد تقدمتها علة، ومن هذه العلة نستطيع أن ندرك الله كخالق وباعث للكل.
3- والبعض الآخر – وضمنهم أفلاطون {2} الذي ذاعت شهرته بين اليونانيين – يزعمون أن الله صنع العالم من مادة موجودة من قبل لا بداية لوجودها{3}، لأنه لم يكن ممكنا لله {4} أن يصنع شيئًا ما لم تكن مادة الخشب متوفرة بين يديه.
4- على أنهم بقولهم هذا لا يدركون أنهم ينسبون الضعف لله لأنه لو لم يكن هو باعث المادة، بل يصنع الأشياء من المادة الموجودة من قبل، فهذا معناه أنه ضعيف، لأنه إذ ذاك لا يستطيع إيجاد شيء بدون توفر المادة لديه، كما أنه لا شك يعتبر ضعفا من النجار أن لا يستطيع صنع أي شيء يحتاجه دون توفر الخشب لديه. لأنه يترتب على هذا الزعم أنه لو لم تكن المادة قد توفرت لدى الله لما كان قد صنع شيئًا. وكيف يسوغ لنا في هذه الحالة أن ندعوه خالقا وبارئا إن كان يدين بقدرته على الخلق لمصدر آخر، أي المادة؟ فلو كان الأمر كذلك لكان الله حسب رأيهم صانعا ميكانيكيا، ليس خالقا من العدم، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. مادام يصنع الأشياء من المادة المتوفرة لديه دون أن يكون هو الباعث للمادة، لأنه لا يمكن بأي حال أن يدعى خالقا ما لم يكن هو الخالق للمادة التي منها صنعت جميع المخلوقات بدورها.
5- وأما المبتدعون فيتوهمون لأنفسهم خالقا آخر لكل الأشياء. غير أبي ربنا يسوع، وهم بذلك يبرهنون على منتهى العمى. لا يرون حتى نفس الألفاظ التي يستعملونها.
6- لأنه إن كان الرب قد قال لليهود ” أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثى وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا” ثم قال أيضا مشيرا إلي الخالق ” فالذي جمع الله لا يفرقه إنسان{5}، فكيف يسوغ لأولئك القوم أن يدعوا بأن عملية الخلق لا تنسب إلى الآب؟ أو حسب تعبير “يوحنا” الذي يتحدث عن جميع الكائنات بلا استثناء أن كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان {6} فكيف يمكن أن يكون الخالق شخصية أخرى غير
الفصل الثالث:
العقيدة السليمة هى: خلقة الكائنات من العدم لسبب فرط جود الله وكرمه. خلقة الإنسان أعلى من سائر الكائنات ولكن دون أن تكون له المقدرة على البقاء مستقلا عن غيره. العطية السامية الممتازة التي منحت إليه أن يكون على صورة الله ومثاله، مع وعده بالسعادة بشرط استمراره في النعمة :-
(1) وهكذا نراهم يتخبطون في أوهامهم وترهاتهم. أما التعليم الإلهي والإيمان بالمسيح، فإنهما يدمغان أقوالهم الغبية بوصمة عار، ويظهران أنها كفر والحاد. لأنه معلوم أن الكائنات لم تخلق من تلقاء ذاتها، فان خلقها يستلزم وجود فكر سابق. كما أنها لم تخلق من مادة موجودة من قبل. لأن الله ليس ضعيفا. ولكن الله خلق الكون من العدم، ومن غير سبق وجوده مطلقًا، بكلمته. كما يقول (أولا) على لسان “موسى” في البدء خلق الله السموات والأرض” {1} وثانيًا في الكتاب الباني جدا الذي يسمى الراعي {2} وقبل كل شيء أؤمن بأن الله واحد. الذي خلق وصور كل الأشياء، وأوجدها من العدم.
(2) والى هذا يشير أيضا بولس إذ يقول : ” بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله، حتى لم يتكون ما يرى مما هو ظاهر {3}
(3) لأن الله صالح. أو بالأحرى هو بالضرورة مصدر الصلاح. والصالح لا يمكن أن يبخل بأي شيء. لذلك فانه إذ لا يضن بنعمة الوجود على أي شيء. خلق كل الأشياء من العدم بكلمته – يسوع المسيح ربنا. وفضلا عن ذلك فانه إذ أشفق بصفة خاصة على الجنس البشري دون سائر المخلوقات على الأرض، وإذ رأى ضعفه بطبيعة تكوينه عن أن يبق في حال واحدة، منحه نعمة أخرى، فانه لم يكتف بمجرد خلقته للإنسان، كما خلق باقي المخلوقات غير العاقلة على الأرض.
بل خلقه على صورته ومثاله، أعطاه نصيبا حتى في قوة “كلمته”. لكي يستطيع وله نوع من ظل الكلمة، وقد خلق عاقلًا، أن يبق في السعادة أبدًا، ويحيا الحياة الحقيقية حياة القديسين في الفردوس.
(4) ولكن لعلمه أيضًا إن أراد، الإنسان يمكن أن تميل إلى إحدى الجهتين (أي الخير والشر) سبق فدعم النعمة المعطاة له، بالوصية التي قدمها إليه، والمكان الذي أقامه فيه، لأنه أتى به إلى جنته، وأعطاه وصية، حتى إذا حفظ النعمة، واستمر صالحا، استطاع الاحتفاظ بحياته في الفردوس بلا حزن ولا ألم ولا هم، فضلا عن موعد عدم الفساد في السماء. أما إذا تعدى الوصية وارتد وأصبح شريرا فيعلم بأنه يجلب على نفسه الفساد بالموت الذي يستحقه بالطبيعة، وأنه لا يستحق الحياة في الفردوس بعد، بل يطرد منه من ذلك الوقت، ولكي يموت ويبقى في الموت والفساد.
(5) وهذا يحذر منه الكتاب المقدس قائلا بفم الله “من جميع شجر الجنة تأكل أكلا. أما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت{4}.
الفصل الرابع
لأن الإنسان إذ خلق من العدم فانه بطبيعته، على أنه بفضل خلقته على صورة الله الكائن، كان ممكنا أن ينجو من الفساد الطبيعي، ويبقى في عدم فساد لو أنه احتفظ بتلك الصورة بإبقاء الله في معرفته.
وكما تقول الحكمة (حفظ شرائعه تحقيق عدم البلى (الخلود)، ولكنه إذ كان في عدم فساد. كان ممكنا أن يعيش كالله في ذلك الوقت. وإلى هذا يشير الكتاب المقدس على الأرجح عندما يقول:أنا قلت أنكم آلهة وبنو العلي كلكم. لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون مزمور 82 : 6-7
الفصل الخامس
1- لأن الله لم يكتف بأن خلقنا من العدم ولكنه أيضا وهبنا مجانا بنعمة الكلمة، حياة منسجمة مع الله. ولكن البشر إذ رفضوا الأمور الأبدية وتحولوا إلى الأمور الفاسدة بمشورة الشيطان، صاروا سببا لفساد أنفسهم بالموت، لأنهم – كما ذكرت سابقا- بالطبيعة فاسدون تعينوا للخلاص من حالتهم الطبيعية بنعمة اشتراكهم في الكلمة ان استمروا صالحين.
2- ولأن ” الكلمة” حل معهم، فحتى فسادهم الطبيعي لم يجسر أن يقترب منهم، كما تقول الحكمة أيضا ” لأن الله خلق الإنسان في عدم ابلي (1) وصنعه على صورته أزليته، لكن الموت دخل إلى العالم (2) بسبب إبليس” وعندما تم ذلك بدأ البشر يموتون، وساد عليهم الفساد من ذلك الوقت فصاعدا، وصار له سلطان على كل الجنس البشري أكثر من سلطانه الطبيعي، لأنه أتى نتيجة تهديد الله في حال عصيان الوصية.
3- لأن البشر لم يقفوا عند حد معين حتى في سوء أفعالهم، بل تدرجوا في الشر حتى تخطوا كل الحدود، وأصبحوا يخترعون الشر ويتفننون فيه إلى أن جلبوا على أنفسهم الموت والفساد، وبعد ذلك إذ توغلوا في الرذيلة، ولم يقفوا عند شر واحد، بل راحوا يخترعون كل جديد من الشر، فقد أصبحت طبيعتهم مشبعة بالخطية.
4- فها هي خطايا الزنى والسرقة قد عمت كل مكان. وامتلأت كل الأرض بخطايا القتل والنهب، وأصبح البشر لا يراعون حرمة للناموس، بل صاروا يرتكبوا الجرائم في كل مكان، سواء كأفراد أو كجماعات، فالمدن اشتبكت في الحروب مع المدن، والأمم قامت ضد الأمم، وصار كل إنسان يتنافس مع أترابه في الأعمال القبيحة.
5- وأصبحوا لا يترفعون حتى عن الجرائم التي ضد الطبيعة. كما يقول عنهم رسول المسيحية وشاهده: ” لأن إناثهم استبدلن الاستعمال الطبيعي بالذي على خلاف الطبيعة، وكذلك الذكور أيضا تاركين استعمال الأنثى الطبيعي اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض فاعلين الفحشاء ذكورا بذكور ونائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحق (رومية 1: 26و 27).
الفصل السادس
إذن فمن أجل هذا ساد الموت البشر وعمهم الفساد، وكان الجنس البشري سائرا نحو الهلاك، لهذا أصبح أمرا محتما ألا يترك الإنسان لتيار الفساد، لأن ذلك يعتبر عملًا غير لائق، ولا يتفق مع صلاح الله.وكان الإنسان العاقل الذي خلق على صورة الله آخذا في الاختفاء، وكانت صنعة الله آخذة في الانحلال.
لهذا أصبح أمرا محتما ألا يترك الإنسوان كنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة فإننا من الناحية الأخرى نجد مطالب الله العادلة، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. تصطدم بها، إذ يجب أن يكون الله أمينا وصادقا من جهة حكم الموت الذي وضعه. لأنه كم يكون شنيعا جدا لو كان الله أبو الحق يظهر كاذبا من أجلنا نجاتنا؟ان لتيار الفساد، لأن ذلك يعتبر عملًا غير لائق، ولا يتفق مع صلاح الله.
الفصل السابع
وإن كنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة فإننا من الناحية الأخرى نجد مطالب الله العادلة، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. تصطدم بها، إذ يجب أن يكون الله أمينا وصادقا من جهة حكم الموت الذي وضعه. لأنه كم يكون شنيعا جدا لو كان الله لهذا افتقد كلمة الله الأرض التي كان حاضرا فيها دوما، ورأى كل هذه الشرور؛ ثم أخذ جسدا
الفصل الثامن
لهذا افتقد كلمة الله الأرض التي كان حاضرا فيها دوما، ورأى كل هذه الشرور؛ ثم أخذ جسدا من طبيعتنا من عذراء طاهرة عفيفة حل في أحشاءها، وذلك لكي يعلن نفسه فيه، ويقهر الموت، ويعيد الحياة.
من طبيعتنا من عذراء طاهرة عفيفة حل في أحشاءها، وذلك لكي يعلن نفسه فيه، ويقهر الموت، ويعيد الحياة.
لأجل ذلك جاء إلى عالمنا كلمة الله، الخالي من الجسد، والعديم الفساد، وغير المادي مع أنه لم يكن عنا ببعيد. لأنه لم يترك شيئًا من البرايا خلوا منه، إذ هو يملأ كل شيء في كل مكان، وفي نفس الوقت هو كائن مع أبيه، ولكنه تنازل وأتي إلينا لكي يعلن شفقته علينا ويفتقدنا.
القصل التاسع
ولأن كلمة الله متعال فوق الكل، فقد لاق به بطبيعة الحال أن يوفي الدين بموته، وذلك بتقديم هيكله وآنيته البشرية لأجل حياة الجميع (أو فداء عن الجميع) وإذ اتحد ابن الله عديم الفساد بالجميع بطبيعة مماثلة، فقد ألبس الجميع عدم الفساد بطبيعة الحال، بوعد القيامة من الأموات.
لأنه لم يعد ممكنا أن ينشب فساد الموت الفعلي أظافره في البشر، وذلك بسبب ” الكلمة الذي جاء وحل بينهم بجسده الواحد.
إنه إذ أتى إلى عالمنا، واتخذ إقامته في جسد واحد بين أترابه فقد بطلت كل مؤامرة العدو ضد الجنس البشري منذ ذلك الحين، وزال عنهم فساد الموت الذي كان سائدا عليهم من قبل لأنه لو لم يكن الرب مخلص الجميع، ابن الله، قد جاء إلينا وحل بيننا ليوفي غاية الموت (2) لكان الجنس البشري قد هلك.
الفصل العاشر
لأنه بذبيحة جسده وضع حدا لحكم الموت الذي كان قائما ضدنا، ووضع لنا بداية جديدة للحياة برجاء القيامة من الأموات الذي أعطاه لنا لأنه إن كان بإنسان قد ساد الموت على البشر لهذا السبب أيضا بطل الموت، وتمت قيامة الحياة بتأنس كلمة الله، كما كخاضعين للدينونة بل يقول ذلك الإنسان الذي حمل سمات المسيح (غلاطية 17:6) ” فإنه إذ الموت بإنسان، بإنسان أيضا قيامة الأموات لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع (1كو 15: 21و22) وهكذا نحن الآن لا نموت بعد كأناس يقومون من الموت ننتظر القيامة العامة للجميع، التي سيبينها في أوقاتها الله. الذي أتممها، والذي وهبنا إياها (1تيموثاوس 15:6)
الفصل الحادى عشر
سبب آخر للتجسد. إذ عرف الله أن الإنسان بطبيعته لم يكن في مقدوره معرفته لكي يستطيع أن يجد فائدة من وجوده في الحياة، لقد خلقه على صورة الكلمة حتى يستطيع بذلك أن يعرف الكلمة.
وبه يعرف الأب، أما هو فإذ احتقر هذه المعرفة هوى إلى العبادة الوثنية، تاركا الله غير المنظور واتبع السحر والشعوذة وذلك كله رغم إعلانات الله المتعددة عن نفس.
إذن فهذا هو السبب الأول الذي من أجله تأنس المخلص. على أننا سنرى أيضا من الأسباب الأخرى التالية أن مجيئه المبارك بيننا كان لابد أن يتم.
الفصل الثانى غشر
ومع أن الإنسان خلق في النعمة، إلا أن الله إذ سبق فعلم ميله النسيان، أعد أعمال الخليقة لتذكره بشخصه، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.
والأكثر من ذلك أنه أعد الناموس والأنبياء الذين قصد بخدمتهم أن تكون لكل العالم ولكن البشر ورغما عن عظمة جود الله ورحمته فقد خُدع البشر بالملذات العابرة والغوايات والإغراءات التي أرسلتها الأرواح الشريرة، ولم يقاوموا الحق فقط، بل ثقلوا نير أنفسهم بالشرور والخطايا، فلم يعودوا يظهرون بعد كخليقة عاقلة، بل دلت طرقهم على أنه مجردون من العقل.
الفصل الثالث
وهنا أيضا أكان ممكنا لله أن يسكت وأن يترك للآلهة الكاذبة تلك العبادة التي أمرنا بتقديمها إليه؟ أن الملك إذا عصيته الرعية يذهب إليهم بنفسه بعد أن يرسل إليهم الرسائل. فكم بالأحرى يعيد فينا الله نعمة مماثلة صورته.
هذا ما لم يستطع البشر أن يتمموه لأنهم ما هم إلا نموذج. لهذا كان لزاما أن يأتي “الكلمة” نفسه ليجدد الخليقة وأيضا ليبيد الموت في الجسد لشهوا.
وإذ صار البشر مثل البهائم، وسادت غواية الشيطان كل مكان حتى حجبت معرفة الإله الحقيقي، فما الذي كان يفعله الله؟ أيسكت أمام هذا الأمر الجسيم، ويدع البشر يضلون بتأثير الأرواح الشريرة، ولا يعرفون الله؟
ولذلك كان واثقا بطبيعة الحال أن يأخذ جسدًا قابلًا للموت حتى إذا ما أباد الموت فيه نهائيًا أمكن تجديد البشر الذين خلقوا على صورته. إذن لم يكن كفؤا لهذه الحاجة إلا كلمة الآب.
الفصل الرابع غشر
إن فسد الرسم وجبت إعادته من الصورة الأصلية، وهكذا أتى ابن الآب لكي يطلب ويخلص ويجدد الحياة ولم تكن هنالك طريقة أخرى ممكنة لأن الإنسان إذ طمس بصيرته بنفسه، لم يستطع أن يبصر لكي يشفي وشهادة الخليقة فشلت عن تحفظه أو ترده عن ضلاله أما الكلمة فهو وحده الذي استطاع أن يتمم هذا ولكن كيف؟ ليس إلا بإعلان نفسه كإنسان.
لهذا إذ ابتغى منفعة البشر كان طبيعيًا أن يأتي إلينا كإنسان آخذا لنفسه جسدًا كسائر البشر، ليعلمهم من الأمور الأرضية -أي بأعمال جسده- حتى يستطيع من لا يدرون أن يعرفوه من أعمال عنايته وسلطانه على كل الأشياء أن يبصروا الأعمال التي عملها بجسده الفعلي.
الفصل الخامس عشر
وإذ رأى “الكلمة” أن البشر حُصروا في الأمور الجسدية تنازل إلى مستوى تفكيرهم وأخذ جسدا والتقى بإحساساتهم في منتصف الطريق. وسواء اتجهت ميولهم إلى عبادة الطبيعة أو البشر، أو الأرواح الشريرة، أو الموتى فقد أظهر نفسه ربًا على كل هؤلاء.ويعرفون كلمة الله الحال في الجسد، وفيه يعرفون الآب.
لهذا السبب ولد وظهر كإنسان، ومات، وقام ثانية بعد أن غطى بأعماله كل أعمال البشر الذين سبقوه، حتى إذا ما اتجهت أفكار البشر إلى أية ناحية استطاع أن يستردهم من هذه الناحية ويعلمهم عن أبيه الحقيقي، كما يقول عن نفسه: “أنا قد جئت لكي أطلب وأخلص ما قد هلك (لوقا 10:19).
الفصل السادس عشر
إذا فقد جاء لكي يجذب أنظار البشر الحسية إليه كإنسان وبذلك يقودهم لكي يعرفوه كإله.
1- لأنه إذا انحط فكر البشر نهائيا إلى الأمور الحسية فقد توارى الكلمة بظهوره في الجسد، لكي يستطيع كإنسان أن ينقل البشر إلى ذاته، ويركز إحساساتهم في شخصه وإذ يتطلع لأن المخلص بتأنسه تمم عمليتي المحبة (أولا) برفع الموت عنا وتجديدنا ثانيًا (ثانيًا) بإعلان نفسه وتعريف ذاته بأعماله بأنه كلمة الآب، مدبر وملك الكون، إذ كان غير ظاهر ولا منظور.
2- ولأن المخلص بتأنسه تمم عمليتي المحبة (أولا) برفع الموت عنا وتجديدنا ثانيًا (ثانيًا) بإعلان نفسه وتعريف ذاته بأعماله بأنه كلمة الآب، مدبر وملك الكون، إذ كان غير ظاهر ولا منظور.. ولإلهنا كل المجد إلى الأبد آمين.