قال الباحث الآثري أحمد عامر أن الفترة التي مرت بها جمهورية مصر العربية من أحداث عام 2011 قد تتشابه بشكل كبير جملةً وموضوعاً مع الأحداث التي حدث في مصر القديمة في فترة سُميت وقتها بعصر الثورة الإجتماعية الأولي وهي تعتبر من أهم فتراتها التاريخية لما ساد فيها من روح جديدة لم يعرفها الإنسان المصري القديم من قبل والتي نتجت عن إنقلاب الأوضاع السياسية والإقتصادية والتي تناولتها بردية “ليدن” وغيرها من الوثائق، وتناولت الأعمال الأدبية التي خلفتها تلك الفترة كل مشاعر الدهشة والألم الذي أصاب مصر في تلك الفترة.
وعلي الرغم من إتفاق المؤرخين من غموض الأسباب التي أدت إلي إنهيار حكومة الدولة القديمة بإنتهاء حكم الأسرة السادسة، الا أن هذه هي النهاية المنطقية للتطور في التداعي الذي بدأ من منتصف الأسرة الخامسة حيث أصبحت الوظائف الهامة في الدولة مقصورة علي عائلات معينة ثم أصبحت بعد ذلك الوظائف وراثية.
وأشار “عامر” إلي أن الثورة الإجتماعية الأولي عندما كان لها أسباباً أدت إلي قيامها فنجد من الأسباب الإقتصادية تشيد مبان تهدد الأمن القومي وتشييد مبان وأهرام دينية عده لكل ملك أرهقت الإقتصاد القومي، كما أن العبء الناتج من تخصيص هبات دائمة للصرف منها علي مقابر الملوك والملكات والأمراء هذا بالإضافة إلي إنقطاع الموارد التي كانت تأتي من التجارة الخارجية حيث أنه في نهاية الدولة القديمة كان هناك إضطرابات مع تلك البلاد الإجنبية، ونجد أن الأسباب الإجتماعية كانت ربما نتيجة تسلط طبقة خاصة علي كل الوظائف الهامة في البلاد.
ومن ناحية الأسباب السياسية وُجد أنها كانت نتيجة ضعف الملكية وتخاذلها أمام حكام الأقاليم وقد إستمر الحكام في فرض الضرائب الفادحة وإمتنعوا عن توريدها إلي بيت المال مما جعل الحكومة في “منف” شبه عاجزة عن تنفيذ أوامرها وممارسة حقوقها، كما نجد أن هناك أسباب نفسية كان من بينها فقدان الشعب ثقته في حاكميه وكان ذلك في نهاية عصر الأسرة السادسة فقد أصبحت الملكية ضعيفة والكهان مستغلة والإقطاع ينافس الجميع في إستغلالة، كما أنه كان هناك أسباب خارجية منها أن الأنهيار الداخلي للبلاد قد أدي إلي التسلل الأجنبي للبلاد منها فترة من الزمن.
كل هذا أدي إلي قيام ثورة في البلاد ليخلع عن رقابه ظلم الملكية وفساد الكهنه وسوء إستغلال الحكام.
وتابع “عامر” إلي أن الملك في تلك الفترة كان عاجزاً في قصره فلم يستطع أن يفعل شيئاً كما أننا نجد أن الحكام المحليون أصبحوا سادة شبه مستقلين فقد خلعوا عبائة الطاعه للحاكم، بينما كان عيلة القوم يعيشون في بؤس ولا يجدون ما يسد بائسهم فكان الأثرياء الجدد يستعرضون بذخاً إستفزازياً وإضطرات نساء الحريم النبيلات أن يعملن في أشق الأعمال كما إنتشرت المجاعة والأوبئة ومعها إختفي الأمن والآمان وقطع اللصوص الطرق وأخذت البلاد تخلو من سكانها، فالرُضع يتركون بلا مأوي وقلت الولادات الجديدة شيئاً فشيئاً كما توقفت التجارة تماماً مع البلاد الأجنبية، والأخطر من ذلك إختلال الأسس ذاتها التي قام عليها النظام القديم فالإجراءات القضائية التي ظلت سرية قد أفشي سرها، كما تبعثرت القوانين والسجلات في الشوارع وداسها الناس بأقدامهم وضاعت حجج الملكية ونُهبت المقابر الملكية وتعطلت الشعائر الدينية، كما طُرد الموظفين من منصابهم وإنقض سواد الناس علي الثروات وقد حدثت أعمال عنف من كل نوع بل ووقعت إغتيالات دون أن تبدي الملكية أي إستجابة، ومن الطبيعي ألا يصلنا عن مثل هذا العصر الشديد القليل من الوثائق، وهكذا فإننا نظل غير قادرين علي التكهن بما جري خلال الأسرتين السابعة والثامنة.