· من أرشيف الكتب القديمة… هذه الترانيم النادرة
· داود النبى هو المرنم الأول
· الكنيسة القبطية هى الملهمة لكنائس العالم فى تنظيم الترانيم
· الإرساليات التبشيرية دعت حبيب جرجس لإصدار كتاب للترانيم
“حينما يفعم القلب بحركة الروح تنفك عقدة اللسان فينطق الانسان بنغمات تعبر عن أعماق نفسه أشد مما تعبر عنها الكلمات“… هكذا قال الاب متى المسكين عن الترانيم فى كتابه “بعنوان حياة الصلاة الأرثوذكسية”، كما كتب فى الكتاب المقدس ” أرنمّ لإلهي مادمتً موجوداً”… ومع قدوم عيد الميلاد المجيد تشدو أرواحنا بالترانيم المصاحبة بالفرح لميلاد الطفل العجيب وتكثر الحفلات المرنمة ليكون كل مسيحي العالم على قلب واحد إبتهاجاً بهذا الحدث الفريد الذى قسم التاريخ ليعطى للحياة أملا ويعطى للموت شجاعة… فتعالوا معنا نتأمل فى الترانيم القديمة واصولها وتطورها وشكلها المحبب القديم.
فى البداية لأبد من معرفة أن الصفة الغالبة للصلاة فى الترتيب الكنسي هى تسميتها بالتسبحة، فكل الصلوات تقريبا تقدم داخل الكنيسة بالترتيل واللحن حتى وإن كانت فى مناسبات حزينة كأسبوع الآلآم، فالمزامير التى هى منبع الصلوات والتضرعات اول من قدمها كان النبي داود بنغم موزون على آلات الموسيقى، كما أن الكتاب المقدس يقول أن بولس وسيلا أنطلقا فى ظلام السجن وتمزيقات الجسد يصليان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهما .
وعن تاريخ الترانيم والتسبيح يوضح الاب متى المسكين أن الكنيسة فى الشرق والغرب على وجه العموم حتى زمان قسطنطيوس الملك كانت تتمتع بوحدة الايمان والعقيدة فكانت الكنائس كما يقول المؤرخ الأرشمندريت جيتى- تؤلف وحدة متناسقة يسبحون الله بنفس التسابيح الواحدة ولكن بلغات مختلفة ، ولكن بظهور الحياة النسكية فى مصر منذ بداية القرن الثالث، دخلت الصلوات والتسابيح والألحان فى الكنيسة مرحلة جديدة، تتسم بثلاثة مظاهر أولهما النظام والتدقيق فى المواعيد وثانياً أستطالة التسابيح والسهر طول الليل يوم السبت، والروح الجماعية وما يتبعها من تنظيم للصفوف، وعرفنا هذا النظام من الاب الراهب كاسيان والذى سجل كل ما رآه وسمعه، وهذا النظام النسكى فى الالحان والترانيم استقر فى مصر منذ القرن الأول ومن ثم أنتشر بعد ذلك فى الكثيرمن الدول منها فلسطين على يد الراهب هيلاريون وفى فرنسا وأيطاليا على يد أثناسيوس الرسولى أثنا منفاه هناك، هذا بالإضافة إلى مئات وألوف الرهبان الذين جاءوا من كافة أنحاء الأرض وعاشوا فى مصر ونقلوا إلى بلادهم نظام التلحين والتسبيح، وبهذا عرفت الكنيسة المسيحية بشقيها الشرقي والغربي تسابيح وترانيم عيد الميلاد وطورتها عبر تاريخها الطويل.
الكنيسة الغربي والشرقية فى تناولها للترانيم:
فى التقليد البيزنطى هناك عدداً من الترانيم المشهورة التى يرجع تاريخها من القرن الخامس إلى القرن السابع الميلادى، ونظم هذه الترانيم الخاصة بميلاد السيد المسيح – وهى من أولى الموضوعات التى خصصت لها ترانيم لما لها من بشرى مفرحة- قزما يوحنا المتوحد وأندراوس الذى صار أسقفاً على مدينة كريت وصفرونيوس الذى صار رئيس أساقفة أورشليم ومن الترانيم البيزنطية المشهورة ترنيمة ” العذراء تلد الفائق الجوهر” وترنيمة” المسيح ولد فمجدوه”، أما عن الترانيم الإنجليزية فتعد الفترة من 1350 إلى 1550 هى الفترة الذهبية للترانيم الخاصة بالميلاد وما وصل الينا حوالى 500 نص مكتوب ومن ترانيم هذه الفترة “o come, o come Emmanuel” التى تمت إعادة كتابتها فى القرن ال 18 ، ويعد القرن ال 15 نموذجاً أدبياً لترانيم الميلاد وفى نهاية هذا القرن ظهرت مخطوطات الترانيم كمخطوطات fayrfax . ، وفي عام 1833 نشر بالإنجليزية كتاب خاص عن ترانيم عيد الميلاد القديمة والحديثة ويعد أول كتاب حديث مطبوع يحوي ترانيم وأغاني الميلاد الكلاسيكية باللغة الإنكليزية.
وفى منتصف القرن ال 19 لم تعد الأغانى تكتب فحسب بل أنتشرت أيضا الترجمة ولهذا أنتقلت الترانيم لمرحلة جديدة أتسمت بالتأليف من قبل الشعراء دون التقيد بوجود نص من المزامير ، ولم تتقيد الكنيسة الغربية بنصوص ترانيم الكنيسة القبطية الارثوذكسية المصرية.
ومع دخول القرن العشرين ساهم أنتشار وسائل الاعلام من الاذاعة وأجهزة التسجيل فى بث أغانى الميلاد ومن أوائل الأغانى التى تم بثها على الراديو أغنية Santa Claus is coming town ومن أشهر مؤلفى هذه الفترة bob hope , Judy Garland . وتزامن معه هذه الفترة إنتشار الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانية إلى كل بقاع الأرض ومنهم مصر وقام وقتها مارتن لوثر بكتابة الترانيم الخاصة بالميلاد وشجع استخدامها في الاحتفالات الدينية والاجتماعية، وقد حفظت هذه الترانيم وانتشرت في المجتمعات العامة سيّما الريفيّة، ومكثت حتى القرن 19 حيه في الذاكرة الأوروبية، وفى خضم هذا التطور فى نشر الترانيم التى ضمت مراداف جديدة أصدر المعلم الراحل ” حبيب جرجس” كتابًا للترانيم ليعود بنا إلى التقاليد القبطية الأولية ويأخذ معظم مفرادات ترانيمه من المزامير فله مثلا قصيدة على المزمور 150 “سبحوا الله” واخرى على المزمور 121 “رفعت عينى إلى الجبال” وأخرى على المزمور 90 “الساكن فى ستر العلي” وغيرها من الترانيم التى شملت موضوعات مختلفة منهم عيد الميلاد المجيد وكان يقول دوما “حبيب جرجس” ان المزامير مادة مناسبة للشعر فداود النبى هو الشاعر الأول .
ومن ترانيم الآباء الأولين عن ميلاد المسيح المكتوبة بأسلوب شعرى ما كتبه القديس غريغورس الناطق بالالهيات: “وُلد المسيح فمجدوه، أتى المسيح من السموات فاستقبلوه، أتى المسيح إلى الأرض فعظموه” سبحى الرب يا كل الأرض” (مز1:96) لتفرح السموات وتبتهج الأرض بالسماوى الذي صار على الأرض. المسيح تجسد ابتهجوا بفرح وخوف. الخوف بسبب الخطية، والفرح بسبب الرجاء.
وعن الترانيم والألحان وترتيل المزامير قال القديس أثناسيوس: لا يفوتنا أن نوضح السبب الذى يوجب ترتيل المزامير بالنغم واللحن لا بالتلاوة المجردة… لأنه من المناسب تسبيح الله بالأسفار الشعرية ، فهى تعبر عن محبة الناس لله بكل قواهم، كما أن الترتيل بالمزامير يضفى أثراً على المرنم نفسه.
أرشيفات كتب الترانيم القديمة:
ومن أرشيفات كتب الترانيم فى ثمانينات القرن الماضى مكتبة الأستاذ ثابت باسيلي المكتظة بكتب الترانيم النادرة والتى تحوى فى أعماقها معانى ومفرادات المزامير مصاغة فى قالب شعرى مثل أبيات هذه الترنيمة التى جاءت فى كتاب بعنوان “الترانيم الروحية”:
“بعدما ساد الظلام- فجاءة ضاء المقام- ودوى صوت يقول- مجد لله العلي- كان فى الحقل رعاة – يحرسون الغنما- فرأوا فوق الفلا- جوق جند رنما- والرعاة السعدا- اسرعوا للمزود- حيث خروا سجدوا- للمسيح الأمجد- فأرفعوا اليوم المديح- يا جميع المؤمنين- ظهر الحب الصحيح- يوم اتيان المسيح “
وبكتاب آخر هذه الأبيات “رن صوت فى الأعالى … ياترى ماذا الخبر، ولِمَ الأملاك… تشدو بترانيم الظفر، كلهم فى المجد… غنوا بأناشيد السرور، قد بدأ أمر عجيب… رحمة الله الغفور، أيها الرعاة هبوا… وأنظروا الرب المجيد، إنه قد صار طفلا … بإتضاع كالعبيد، مجدوه هللويا… مجدوه فى العلا، مجدوه هللويا… إنه فادى الملأ، فعلي الأرض سلام…وسرور للبشر، إذ انى الفادى المنجى… والمسيح المنتظر، فليرن الصوت دوما… مع قياثير الذهب، هللويا قد فدانا …ولنا البر وهب.
ومن أقدم الترانيم المشهورة الترنيمة اللاتينية “تعال إلى جميع المؤمنين”: Adeste Fideli، وترجع كلماتها للقرن 13 ، وموسيقاها الحالية وضعت في منتصف القرن ال 18 ، إلى جانب آديستي فيديليس التي تعتبر من أشهر وأقدم ترانيم الميلاد.