نستكمل معاً كيف تطور مفهوم الإيمان منذ عصور ماقبل التاريخ وحتى الآن فيما يعرف بالنظريات الاعتقادية.
i. أديان الفردية الروحية
فى هذه المرحلة يتحقق التحرر الروحى بالكامل من المفهوم الحسي الطبيعي ويصبح فيها الإله كليًا وشخصًا روحيًا يتعدى حدود الطبيعة، لذا تعد هذه المرحلة هى مرحلة ارتقاء الروح ضد الطبيعة وأصبح للخالق والوجود الأول صورة روحية خالصة وتجلت أديان الفردية الروحية فى ثلاث صور
- الديانة الاغريقية
- الديانة الرومانية
- اليهودية
– الديانة الاغريقية :
توصف الديانة الإغريقية إنها دين الجمال حيث تفوقت الروح على الطبيعة ولم تصبح القوى الحقيقية للطبيعة بل للسياسة، فزيوس كبير الآلهة هو رب الأرباب والسلطة والقانون الذي انتصر على قوى السماء والأرض والبحار. وتصالحت الطبيعة مع الروح في الفن من خلال التماثيل والمعابد والموسيقى.
برغم إن الآلهة تتخذ صورة روحية إلا أنها لديها طابع إنساني وصورت الإنسان على أنه له جوهر إلهي، فهى لم تصل بمفهومها الى إلاله المطلق، فالآلهة محدودة الأفق وضيقة المجال فى سلطتها وليس لديها قدرة مطلقة بالرغم من طابعها الروحي.
– الديانة الرومانية :
وهو يوصف على أنه دين الغائيةـ فالبرغم من الصورة الروحية للآلهة إلا أنه دين نفعي فالآلهة هي وسائل تحقيق الرغبات الشخصية والفردية، واعتبر إن الدولة هي الغاية القصوى للحياة بنظامها السياسي، وإن حكم الإمبراطور هو حكم إلهي بوصفه السلطة العليا التي تحكم البلاد .
نظرا تفسير من الحكام بطريقة خاطئة افتقد قيمته الشخصية واعتبرته السلطات التنفيذية او جموع الشعب انه شخص بلا قيمة ويقدم صورة مشوهه للالهة ، فواجهت الامبراطورية الرومانية الكثير من حركات التمرد والصراعات السياسية التى اودت بحياة العديد من الاباطرة ، فتحولت طقوس العبادة الى طقوس شكلية حرفية لا مغزى روحى من ورائها .
– الديانة اليهودية :
كان ينظر لهذه الديانة بنظرتين مختلفتين النظرة الأولى إن اليهودية هي دين الجلال، حيث إن التصور اليهودي للإله “يهوه” إنه الكائن المطلق الروحي الموجود بذاته والمتحرر من الطبيعة ذو كينونة خالق “كن فيكون” وإن هذه الذات الإلهية غير محدودة، غير مرئية لا يمكن إدراكها وإن الطبيعة هي إحدى صور خلقه ويسيطر عليها سيطرة كاملة، فلا يوجد هنا مجال للخلط ما بين الكينونة الإلهية والطبيعة الحسية بل تحررت تحررًا كاملا من الروح للطبيعة، فضلا عن هذا الإله غير المتناهى أعطى امتيازا للإنسان عن بقية الكائنات والطبيعة وأصبح للإنسان سلطان أعلى من مظاهر الكون الذي يعيش فيه فاشبع بذلك الاحتياجات الأولية لدى الانسان للايمان بوجود هذا الإله المطلق وصار للإنسان مفهوماَ جديداَ أنه صورة الإله ومثاله.
ارتبطت اليهودية بفكرة خلاص البشرية من الخطية والشر بفكرة المسيا الذي هو الإله متخذ جسدًا لكى يخلص البشر ويفديهم، وهذا رأي يناقض بعض الفلاسفة الذين اعتبروا إن اليهودية لا تحوي فى مضمونها عقيدة خلود النفس والآخرة. والشريعة الإلهية فى هذه الديانة هي إحدى صور التعامل مع هذا الإله المطلق.
النظرة الأخرى لليهودية كانت نظرة هجومية وساخرة للحالة الشبه انعزالية التي كان يعيش فيها اليهود عن المجتمعات الأخرى وطقوسهم الغريبة نوعًا ما عن الآخرين وحرفيتهم الشديدة فى ممارسة طقوسهم .
وسوف نستكمل حديثنا عن أصول الديانات في المقالة القادمة.