واجهت البشرية منذ بدايتها مشكلة كبري مابين واقع مؤلم يحمل في طياته الشر و الفساد و الخطية و الموت
و وجود اله مطلق الخير و القدرة في مواجهة هذا الواقع المؤلم و يمكن تحديد هذه المشكلة في النقاط التالية:
إن الله يمثل الخير المطلق الغير محدود، ووجود هذا الخير المطلق يعنى ببساطة أنه لن يصبح للشر وجود، لكن الواقع يقول أن هناك شر موجود بالفعل، فكيف إذاً يكون الشر موجوداً فى حين أن الله الذي يمثل الخير المطلق موجوداً أيضاً.
المشكلة الثانية أن الله يمثل القدرة المطلقة فإذا كان الله كلى القدرة فلماذا لم يقدر أن يمنع الشر؟! وهل هو غير قادر فعلاً على منعه؟!!
(3) المشكلة الثالثة: أنه ربما يكون الله كلى القدرة وكلى الخير كما نؤمن لكنه بالرغم من ذلك يسمح بوجود الشر فى العالم، فهل يعنى هذا أن الله غير عادل ويتلذذ بالآم ومعاناة البشر كما يقول الملحدون؟!!
فما هي الحلول التي قدمتها البشرية لحل هذه المعضلة .
الحلول العالمية للمشكلة:
نظراً لصعوبة هذه المشكلة فإن الكثير من الناس قد لجأ إلى عدة حلول لها:
1- الحل الأسهل: وجود الشر يتعارض مع وجود الله- من وجهة نظرهم- إذن ليس هناك ووجود لله .
2- البعض يقول أن الله موجود لكنه لا يمثل الخير الكلى وذو قدرة ضعيفة وليست كاملة.
3- البعض الآخر يعتبر أن الخير والشر قوتان متوازيتان تحكمان العالم ومن هنا نجد أنه فى الحضارات والديانات القديمة هناك آلهة ترمز للشر وأخرى ترمز للخير.
4- يري البعض الآخر أن مصير الإنسان يتعلق بالأعمال الخيرة أو الشريرة التي يمارسها.
و سنتناول بعض هذه الحلول بشئ من التفصيل
1- وجود الشر ليس دليلاً على عدم وجود الله :
· إذا كان الشر هو الدليل الوحيد ضد وجود الله فلماذا لا يكون الخير والحب والسلام والفرح وكل الأمور الحسنة الأخرى هى أدلة على وجود الله؟!!!
لقد اخترنا شيئاً واحداً لكى نقول أن الله غير موجود فى حين أنه هناك العديد من الأشياء الحسنة موجودة تُعد كلها أدلة على وجود الله.
·الاعتراف بوجود الشر فى الحياة هو اعتراف ضمني بوجود الله…
فلو قلنا أن تلميذاً فاشلاً قد أخفق فى الامتحان لأنه حصل على مجموع 40% فقط من المجموع الكلى، لقد حكمنا عليه بالفشل والإخفاق بسبب هذا المجموع الضعيف، والسؤال هنا ما هو المقياس الذى حكمنا به على هذا التلميذ بالفشل والإجابة هى مجموع 40% من المجموع الكلى؟
إذاً لدينا هنا مقياس كامل للنجاح هو المجموع الكلى الذى يُعادل نسبة 100% الذى على أساسه حكمنا أن مجموع 40% يعتبر فشلاً، من هنا يتضح أن اعترافنا بفشل وإخفاق هذا التلميذ لحصوله على مجموع 40% فقط هو بمثابة اعتراف ضمنى أنه هناك مجموع كلى يُعد مقياساً للنجاح يُعادل نسبة 100%. إن هذا المقياس الكامل للنجاح (100%) هو ما نعنيه بكلمة الله.
·كيف لنا أن نحكم على الله بأنه غير موجود بسبب وجود الشر و نحن لازلنا فى منتصف الطريق؟!!! كيف لنا أن نحكم عليه بأنه ظالم وغير عادل دون أن نصل إلى النهاية؟!!!
إن الأمر أشبه بشخص يقرأ إحدى الروايات وعند وصوله لمنتصفها حكم على المؤلف أنه غير موجود أو أن هذا المؤلف ظالم وغير عادل، فكيف حكم القارئ على الرواية وعلى مؤلفها قبل أن يصل لنهايتها؟!!!
2- اله غير كلي الصفات:
للرد علي هذا يجب أن ندرك أن قدرة الإله الكاملة لا تمنع القدرات الضعيفة:
إن الله كلى القدرة – كما نؤمن- لكن هذا لا يعنى أن يمنع القدرات الضعيفة و ممارستنا للخطية بكامل إرادتنا لا يقلل من قدرة الله الكاملة لذا فهو لا يمنع وجود الشر.
هل قدرة “ألبرت آينشتاين” الفذة فى مجال الفيزياء قادرة على منع طالب فاشل من الرسوب في مادة الفيزياء؟!
و رسوب هذا الطالب هل قلل من قدرة اينشتاين الفذة!!!!بالطبع لا فليس هناك علاقة بينهما.
ونفس الأمر – مع فارق التشبيه- ينطبق على الله فهو كلى القدرة وكلى الخير لكن هل هذا يعنى منع الإنسان عن عمل الشر بإرادة هذا الإنسان وحريته ؟! سنجد نفس الإجابات السابقة ألا وهى” لا ” وهذا أيضاً لا يعنى أن الله غير كامل القدرة وغير كامل فى خيره.
3- آلهة الخير و آلهة الشر:
للرد علي مبدأ التعددية(Polytheism):
· التعددية تجعل هذه الآلهة محددوة و غير مطلقة في عدم محدوديتها و هو ما يتنفي مع صفات الألوهية.
· التنافس بين هذه الآلهة و الأولوية فيما بينها لمن؟
· فضلاً أن بعضها يضاد الآخر مما يوقعها في حروب و تقاتل؟ فهل يتفق هذا مع كمال الألوهية ؟!!!
· التعددية تنفي صفة الكمال
· التعددية تنفي وجود العلة الأولي
4- الأعمال الخيرة و الأعمال الشريرة::
هناك بعض المعتقدات تؤمن بوجود اله واحد كامل و كلي الصفات لكنها لم تقدم جواباً علي المعضلة لكنها تعاملت بمبدأ الثواب و العقاب و بفعل الخير يكسب الإنسان درجات أعلي للدخول إلي مكان أفضل بعد الموت و العكس صحيح.
· إن مبدأ أن الأعمال الصالحة التي يمارسها الإنسان في حياته هي السبب لدخولنا إلي مكانأ أفضل بعد الموت مقارنة بالأعمال السيئة لهو مبدأ خاطئ:
· الأعمال الصالحة ليست الحل لأنها عبارة عن جهاد ذاتي من إنسان طبيعته فاسدة و يمارس الخطية و الشر فمهما قدم من هذه الأعمال ليس له الحق في حياة أفضل طالما طبيعته لاتزال فاسدة.
· كيف يداين الإنسان الخاطئ المحدود الهاً كاملاً غير محدود و هل تكفي أعماله الصالحة مهما كان عددها أن يكون الإله مديوناً بها للإنسان لكي يدخله الحياة الأفضل بعد الموت؟!!!!
· إذا كان المقياس بعدد الأعمال الصالحة السؤال هنا ماهو العدد المطلوب من هذه الأعمال لكي يضمن الإنسان الثواب في الآخرة؟ و هل إذا مارس الإنسان العديد من هذه الأعمال الصالحة في حياته هل يأتي عليه وقت ما ينبغي عليه حينها أن يتوقف عنها بعد ضمان النجاح؟!!!!
من الملاحظ أن جميع المعتقدات السابقة لم تقدم حلاً جوهرياً لمعضلة الخطية و الشر لدي الإنسان، كما أنها لم تغير الطبيعة الفاسدة لديه بل ظلت باقية لديه و بالتالي مهما كانت أعمال الإنسان أو محاولاته للخلاص بالطريقة البشرية غير مجدية لأنها صادرة من هذه الطبيعة الفاسدة. كما أن كل هذه المعتقدات وقفت عاجزة أمام حقيقة الموت و ماهي سبل التغلب عليه، و لماذا لم تجدي كل الطرق السابقة في إثبات سلطان الإنسان عليه و إلا كانت الأعمال الصالحة مثلاً كافية لإلغائه!!!!!
بعد فشل كل هذه المعتقدات في المعضلة و استنفاذ الإنسان لكل الطرق لحلها لم يترك الخالق الإنسان في حيرته كثيراً كان لابد و أن يقدم الحل له بصورة متدرجة حتي يستطيع الإنسان إستيعابها.
الجميع اخطأوا و لم يقدموا حلولاً لهذه المشكلة فمن يحلها ؟
إن الشروط الواجب توافرها فيمن يقدم الحل هي:
1- أن يكون من طبيعة ناسوتية لأن الذي أخطأ هو الإنسان
2- بلا خطية لأنه اذا كان مخطئاً فهو واقع تحت نفس المشكلة.
3- أن يكون من طبيعة غير فاسدة غير وارث للخطية الجدية مثل باقي البشر.
4- ازلي و غير محدود لأنه يقدم الحل للمشكلة نيابة عن البشرية كلها أمام إله غير محدود.
5- من طبيعة فائقة تفوق الطبيعة البشرية حيث يكون من نفس جوهر الله لكي يعيد البشرية اليه و يقضي علي حالة الإنفصال و يستطيع أن ينزل للإنسان لكي يرفعه مرة أخري، أي يكون لاهوتاً متحداً بناسوت.
6- له سلطان ان يدحض الموت بالقيامة من الأموات ( و ليس بإلغاء الموت لأن هذا يتنافي مع عدله).
و حيث أنه لايوجد أي إنسان أو أي كائن آخر تتوافر فيه كل هذه الشروط مجتمعة من هنا كانت هناك حتمية التجسد الالهى لشخص المسيح الذى قدم ما يبرهن على الوهيته و كان الحل الذى قُدم لخلاص البشرية كلها في كلمة التبرير بدم المسيح.
إن السيد المسيح (الاله المتجسد) يحمل في جوهره الطبيعة اللاهوتية الغير محدودة و الطبيعة الناسوتية بغير اختلاط و لا امتزاج و لا تغيير بالولادة الزمنية حين اخلى ذاته و تجسد من السيدة العذراء ، على الجانب الآخر فان الانسان يملك الطبيعة الناسوتية المحدودة فصار الجانب المشترك هو الطبيعة الناسوتية و صار اللوغوس يحملنا في ذاته بطبيعته اللاهوتية الغير محدودة (وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ فينا ) يو 1 : 14
فبهذا حل المسيح فينا بمجرد تجسده و نحن صرنا في المسيح في تجسده فادركنا معرفته بالحق و كاننا فينا في كيان واحد جديد و صرنا فيه كيان واحد طبيعى ونقل الى كل الجنس البشرى بالنعمة و المشاركة عدم فساد جسده وثبات لاهوته لوحدة لا تنحل فالمسيح اخذ الذى لنا (الموت و الفساد) كى نأخذ الذى له (القيامة و الخلاص و عدم الفساد) و بهذا تموت الخطية فينا و يصبح لنا كيان جديد و مفهوم جديد في علاقة الكينونة الإلهية بالطبيعة البشرية..
هذه الخلقة الجديدة تتحقق بالولادة من الماء و الروح لا مجال للانفصال فيها مرة أخرى كما حدث في السقوط الأول فاصبحنا في القداسة بلا لوم ففساد الطبيعة البشرية لا يبطل الا بالموت و المسيح الكلمة غير مائت لكنه اخذ جسد قابل للموت و هو فوق الجميع كى ينوب عن كل البشرية فقدم جسده محرقة و ذبيحة عن الخطية لكى يتحرر الجميع من الفساد بنعمة القيامة من الأموات و بهذا البسنا عدم الفساد
لقد اصبح المسيح هو حلقة الوصل بين الله و الانسان لكى يوحد بالكينونة الإلهية (بواسطة نفسه) ما كان بحسب الطبيعة منفصلا جدا عنه (الطبيعة البشرية المنفصلة).
باتحادنا بالمسيح نلنا عدم الفساد لان المسيح بتجسده لم يكن ممكنا ان يمُسَك من الموت لانه قام من الأموات
و كسر شوكة الموت فنلنا شركة قوة الله المحيية و غرس نفسه فينا بوحدة لاتنحل و بهذا نلنا عدم الفساد (الخلود + النقاوة + البقاء) لان الخطية قد صارت مائتة في جسدنا و استمرارية بقائنا متحدين بالمسيح
و ضمان نقاوتنا و حالة الخلود تتحقق بالحياة التي ننالها بالمسيح و ثباتنا فيه.