كيف بدأ الأوروبيون (الوحدة)
ولماذا استبعدوا أية لغة عاطفية أو أيديولوجية؟
أعتقد أنّ استجابة الحكومة البريطانية لرغبة شعبها لإجراء استفتاء حول البقاء فى الاتحاد الأوروبى أو الخروج منه فيه أكثرمن درس:
1- لاشىء مُـقـدّس فى السياسة
2- احترام رغبة الشعب فى إجراء الاستفتاء
3- ماحدث بعد ظهورنتيجة الاستفتاء :
1- المؤيدون للخروج من الاتحاد الأوربى52% والمعارضون48% من نسبة من أدلوا برأيهم وهذا معناه أنّ الفرق بين المُـؤيدين والمُـعارضين ضئيل للغاية وهذا مغزاه عميق جدًا وهو أنّ الشعب البريطانى ليس مُـنقسمًـا كما كتب أغلب المُـحللين وإنما هو شعب مؤمن بالدياليكيك التاريخى أى أنه ضد الثبات وأنه يختلف عن الشعوب المُـصنــّـفة (أنثروبولوجيـًـا وتاريخيـًـا) على أنها توقــّــفتْ عند مرحلة ال Dogmaticأى الإيمان بالمعتقد رغم عدم توفـّـر الدليل.
2- أنّ نسبة الحضور بلغتْ 72% وهذا معناه اهتمام غالبية الشعب بهذا الاستفتاء.
ج- أنّ عددًا كبيرًا من المسئولين فى الحكومة (المُـؤيدين للبقاء فى الاتحاد الأوروبى) قـدّموا استقالاتهم ليتركوا مناصبهم للوزراء الجـُـدد المؤيدون للخروج وهذا السلوك هو درس غاية فى الأهمية عن التطبيق العملى لمعنى الديمقراطية السياسية.
أما أهم سؤال فهو : لماذا قرّر نصف الشعب البريطانى الخروج من الاتحاد الأوروبى؟ فهل كانت عضوية بريطانيا فى هذا الاتحاد لها بعض الجوانب السلبية؟ وهل كانت لها علاقة بالمكوّن الثقافى للشعب البريطانى؟ بمعنى هل غيـّـرتْ من أنماط سلوكه فى حياته اليومية؟ وفقــًـا لعلماء علم الأنثروبولوجيا أم أنّ الرغبة فى الخروج لها جوانب اقتصادية؟
عند السؤال الأخير يقف العقل الحر ليتساءل : كيف يكون للاتحاد الأوروبى جوانب سلبية على أعضائه ، وهو الذى حقــّـق انجازات غاية فى الأهمية لا يستطيع أى مُـنصف انكارها مثل :
1- التعاون المُـشترك فى مجالات التكنولوجيا والتصنيع والزراعة
2- التعاون فى مجالات التصدير والاستيراد
3- إلغاء التعريفة الجمركية بين الدول الأعضاء
4- عملة أوروبية واحدة (اليورو) فى حركة تنافسية للدولار الأمريكى
أما على الصعيد الديمقراطى، فقد تـمّ تكوين (البرلمان الأوروبى) وعلى صعيد الحياة الشخصية للمواطن ، فيكفى إلغاء (تأشيرة) الدخول فى إطار دول الاتحاد ، وهو انجاز غاية فى الأهمية ، ويدل على أنّ العقلية الإنسانية قادرة على ابتكار شتى أساليب مقاومة (عزل) الشعوب عن بعضها البعض، فتأتى آلية إلغاء تأشيرة الدخول وحرية التنقل من بلد لآخر، لتكون هى وسيلة تحقيق هذا الانجاز الذى حلم به البشر عبـْـر آلاف السنين.
كما أنّ دراسة تجربة الاتحاد الأوروبى غاية فى الأهمية ، حيث أنها تمّـتْ بخطوات تدريجية وبدون (طنطنة غوغائية وشعارات جوفاء) تدور حول (الوحدة) وأهميتها..إلخ. حيث كان الأوروبيون يؤمنون ب (العمل) وليس بالشعارات، فبدأتْ الخطوات ب (السوق الأوروبية المشتركة) وهو مشروع اقتصادى ظهر فى أعقاب اجتماع تمهيدى عقده وزراء ست دول أوروبية فى إيطاليا فى يونيو1951 لإنشاء وحدة اقتصادية لدولهم وهى : أيطاليا، فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، هولندا ولكسمبورج. استغرقتْ المباحثات والمناقشات (بشكل طبيعى وهادىء) لعدة سنوات ، حتى ظهر المولود الجديد فى مارس1975، واطلقوا عليه اسم السوق الأوروبية المُـشتركة وإذا كانت البداية ضمـّـتْ 6دول فقط ، فإنّ الاتحاد الأوروبى يضم حاليـًـا 28 دولة. وهذا معناه أنّ الولادة كانت طبيعية وليستْ مُـشوّهة.
أعتقد أنّ أهم درس فى أسلوب النخبة الأوروبية من مثقفين ومسئولين هو كيفية نجاحهم وما هى الخطوات التى حرصوا عليها ؟ وماهو (الأداء) فى تحقيق أهدافهم؟ إلى آخر الأسئلة التى توجز مؤشر النجاح والمُـراقب والمُـتابع لتلك الخطوات سوف يكتشف أنه ليس من بينها خطوة واحدة اعتمدتْ على أى بـُـعد عاطفى أو وجدانى أو أيديولوجى. كما غاب تمامًـا (الخطاب السياسى الفج) حول (أهمية الوحدة ومن بين الأمور المُـلفتة للنظر أنه طوال سنوات الاعداد لهذا الانجاز المُـهم ، لم يخرج من بين الأوروبيين شاعر واحد واحد فقط لا غير فيكتب بفجاجة الأرض بتتكلم أوروبى ولعلّ ذلك أحد الأسباب التى توضـّـح تلك الحقيقة بالغة الأهمية وهى : رغم السوق الأوروبية المشتركة.. إلى آخر الخطوات التى انتهتْ بإلغاء تأشيرة الدخول والعملة الأوروبية المشتركة..إلخ فإنّ كل شعب ظلّ شديد الدفاع عن خصوصيته الثقافية/ القومية وتبعـًـا لذلك لا تجد من يجرؤ على القول للبريطانى أنت ألمانى، أو القول للإسبانى أنت إيطالى..إلخ فهل هذا الإصرار على الخصوصية الثقافية أحد الأسباب التى دفعتْ ما يقرب من نصف الشعب البريطانى ليـُـعبـّـر عن رغبته فى الخروج من الاتحاد الأوروبى؟ وإذا كان هذا الرأى يكتسب درجة من المصداقية ، فلماذا أيـّـد ما يقرب من النصف الاستمرار فى الاتحاد الأوروبى؟ سؤالان يجب التفكير فيهما بجدية قبل الحكم على نتيجة الاستفتاء. وهذان السؤالان ذكــّـرانى بالورقة الموضوعة فى مكتب الصديق إبراهيم عيسى: يا بخت من وفــّـق سؤالين فى الحلال.