· نطالب بوجود صوت مصرى لمشاكل الأقباط
· مفهوم النخبة وكيف زاد من المشاكل عوضاً عن حلها
· لأبد من وجود سجل توثيقي حقيقي فى الكنيسة للباحثين وللتاريخ
مع طرح العديد من التساؤلات حول دور الاقباط في الحياة السياسية الامر الذى يعد غامضاً وشائكاً للكثيرين ومع حدة وتيرة الإنفعالات الطائفية التى تقع على الأقباط بين آن وأخر كان لأبد للكثير من الباحثين مناقشة هذا الموضوع المهم ومن بينهم الدكتور رياض فارس جرس الذى حصل على درجة الدكتوراة من بطريركية الأقباط الارثوذكس – معهد الرعاية والتربية عن رسالته التى تحمل عنوان: “المشاركة السياسية للأقباط فى مصر من محمد على حتى ثورة 30 يونيه 2013 ” وشملت الرسالة على الكثير من الموضوعات الجريئة والتوثيقية والتى أشاد بها مجموع الأساتذة المشرفين، الأمر الذى أستلزم معرفة ما تحويه الرسالة والتوصيات التى يريدها والأشخاص الذين أثروا معه بالإيجابي والسلبي حتى خرجت الرسالة للنور لتكون فهرساً مهما فى مكتبة الأقباط.
أمى…. نعم هى أمى ملهمتى الأولي فى هذا الرسالة… بهذه الكلمات بدأ د. رياض حديثه، وكيف أندهش عندما رأى أمه تتجه لمتابعة الشأن السياسي بعد 25 يناير بشوق وشغف ، وكيف أثرت السنوات الأخيرة فى إحداث نقلة لـ ربات البيوت وجموع المصريين لمتابعة الشأن السياسي الأمر الذى أوجد فى داخله فكرة ضرورة وجود توثيق لتلك المشاركة بل وزاد على هذا الأمر أن درس تاريخ الأقباط ومشاركتهم فى الحياة السياسية منذ عهد محمد على لتكون الرسالة فى مجملها رحلة للقارئ فى تاريخ مصر الحافل بالإيجابيات والسلبيات .
هل الأقباط أقلية؟
تحت هذا السؤال بدأ د. رياض حديثه :” يعتبر مفهوم الجماعات الإثنية أو العرقية من المفاهيم الرئيسية فى العلوم الإجتماعية بمعنى شعب أو أمة أو جنس وتم أستخدام الكلمة لأول مرة فى اللغة الأنجليزية فى القرن الرابع عشر وظلت تستخدم للإشارة إلى الأفراد المهمشين أو المكروهين، وبالنسبة إلى أقباط مصر لم تشر الدراسات التى عالجت العلاقة التاريخية بين المسلمين والأقباط إلى وجود النزعة الإنفصالية فى أى من مقوماتها ومن هنا لأبد من التفرقة بين ما هو صراع إثنى محض وبين ما هو صراع اجتماعى أو سياسي … فالأقباط لا يشكلون ” جماعة مستقلة” أو “كتلة مغلقة متجانسة” فهم منتشرون فى جسم المجتمع رأسيا، ولا يربط بينهم سوى الإنتماء إلى مصر من جانب والإنتماء الدينى من جانب أخر، وجدير بالذكر أن التركيز على الأقباط الارثوذكس دون البروتستانت أو الكاثوليك يتضمن نوعا من إفتراض أن المواقف الكاثوليكية والبروتستانتية على الجانب السياسي والاجتماعى مختلفة، وهذا غير صحيح، فالإختلاف العقيدى بين الطوائف الثلاث لم يؤثر فى المواقف السياسية والإجتماعية مما يجعلنا عندما نتكلم عن الأقباط فإننا نتكلم عن جماعة قبطية واحدة بكل طوائفها.
هل هناك أغتراب للمسيحيين؟
سؤال جرئ أجاب عنه د. رياض فى رسالته حيث كتب” نتيجة لإنحصار المسيحيين داخل الكنيسة وانسحاب معظمهم من مجالات العمل السياسي والعمل الإجتماعي خارج الكنيسة، تبلور إغتراب اجتماعي فى قلب المسيحيين ، أثر أكثر على تفاعلهم مع المحيط الإجتماعي والسياسي ليمتنع المسيحى فى المعتاد عن المشاركة فى مجالات غير مسيحية أو التشارك مع غيره فى تبنى القضايا العامة. وإن كان هذا العزوف عن المشاركة فى الحياة العامة هو سمة عامة لقطاع واسع من المصريين بسبب ثقل الأعباء الإقتصادية والإجتماعية وتضييق الخناق السياسي، فإن هذا العزوف يوجد بشكل أكبر وأوسع بين المسيحيين المصريين ولعبت المؤسسة الكنسية ذاتها دوراً محورياً فى تعزيز هذه النزعة بنسج عالمها الروحى حول تابعيها، وتعليمهم الإيمان الدينى كمحدد وحيد لكل حياتهم فيه الرجاء بالخلاص من عالم الأرضييات وما فيه من شرور وإضطهادات.
الأقباط فى عهد أسرة محمد على :
ابتداء من عام 1516 أصبح المسيحيون جزءاً لا يتجزأ من رعايا الدولة العثمانية وأصبح المجتمع المصرى يتضمن فئتين : الفئة الأولى (المسلمون) والفئة الثانية غير المسلمين أو الذميين سواء المسيحيين أو اليهود وبالتالي هم الذين يتعهدهم السلطان العثمانى بالحماية والمحافظة على حياتهم وحريتهم وأموالهم والسماح لهم بممارسة حقوقهم الدينية وإعفائهم من الخدمة العسكرية وفى المقابل يتعهد الذميون بدفع الجزية والإلتزام ببعض القيود التى تجعل منهم طبقة من المواطنين ولكنهم أقل من درجة المسلمين… حتى جاء محمد على ليشكل إنعطافاً جديداً فى تعامل الدولة والمجتمع مع نظرية التجديد وإنشاء دولة حديثة مدنية وذلك بمشاركة كل المصريين بأقباطها ومسلميها وارساء مبدأ المسأواة فى الحقوق والواجبات بين المصريين ورأى أيضاً أنه لا داعي لتحقير الأقباط بدون سبب لأن الشخص اذا اراد أن يؤدى واجبه على أحسن وجه وجب عليه أن يكون محترماً من الناس، وعلى هذا فإتخذ عدة اجراءات وقرارات نحو ترسيخ المواطنة لكافة المصريين مثل إزالة غالبية المظاهر التى كانت تؤكد على التمييز ومن أبرزها قيد الزى الذى كان مفروضاً على الأقباط، كما ضمن لهم ممارسة طقوسهم الدينية بحرية ويعتبر محمد على أول حاكم مسلم منح الموظفين الأقباط رتبة “البكوية” وأتخذ مستشارين منهم وفى تقرير جون بورنج المبعوث الانجليزى الذى رفعه الى بلمرستون وزير خارجية بريطانيا عام 1837 قال : “إن التسامح فى مصر قد خطأ خطوات فسيحة فى السنوات الأخيرة وإن الفوارق بين المسلمين والمسيحيين آخذه فى الإختفاء”.
ورغم هذا لم يسر على نهج محمد على خلفاؤه بل كثرت الحوادث الطائفية ضد الأقباط فى الكثيرمن السنوات.
منذ عام 1907 اتسعت مشاركة الأقباط فى الحياة السياسية بلا دوافع طائفية أو دينية وإنما كانت مشاركة فعالة بصفتهم مواطنين مصريين يعملون من أجل التصدى للإحتلال ، ومن الاحزاب التى أشترك الأقباط فى تأسيسها حزب الأمة، الأحرار الدستورىين، وجدير بالذكر أن الحزب المصرى القبطى لم يلق قبولا بين جموع الأقباط لإشتماله على أفكار طائفية بعيداً عن الروح الوطنية الجامعة المقاومة للإحتلال.
التغييرات السياسية منذ عام 1936 والتى ادت إلى تقليص مشاركة الأقباط
عانى الأقباط خلال منتصف الثلاثينيات نتيجة ما ساد فى المجتمع المصرى من توغل لجماعة الأخوان المسلمين وصدور تشريعات وقرارات تحد من حرية العبادة مثل القرار الذى صدر من وزارة الداخلية فى فبراير سنة 1934 فى ظل حكومة عبد الفتاح يحي باشا والذى وضع شروطاً عشرة لبناء الكنائس، وفى الاربعينيات أيضاً عانى الأقباط من التهميش وصدور قرار وزارى بمنع المدرسين الأقباط من تدريس اللغة العربية ولو كانوا متخرجين من قسم اللغة العربية بكلية الاداب مما أدى إلى تعطيل الكثير عن العمل… ورغم كل ذلك كانت النزعة القومية وارتباط الأقباط بوطنهم هما المحرك الرئيس لمشاعر الأقباط ورفض أى تدخل أجنبي فى الشئون الداخلية لمصر بحجة حماية الأقباط .
وفى الفصل الخامس تحت عنوان الأقباط بعد ثورة 1952 كتب: نتيجة صدور قوانين الإنفتاح الإقتصادى فى منتصف السبعينيات برزت النزعة السلفية التى أنتشرت نتيجة هجرة العمالة المصرية إلى بلدان الخليج الأمر الذى أدى إلى إكتساب العديد من الأستعارات الثقافية لتلك البلدان والتى تتصف بالطابع الوهابي مما أدى إلى بروز النزعة السلفية وظهور قاعدة اقتصادية لتلك التنظيمات وظهور أفكار مختلفة لم تكن فى الطابع المصرى حول بعض الأمور الحياتية مثل فوائد البنوك وشركات توظيف الأموال ومصافحة الأقباط وغيرها من الأفكار ، الأمر الذى أدت بدوره إلى عزوف الأقباط عن المشاركة فى الحياة السياسة وما زاد عليه من كثرة الحوادث الطائفية ضد الأقباط وعلى وجه الأخص منذ عهد الرئيس محمد أنور السادات التى أختلف الكثيرون حوله وأجتمع الباحثون أنه بسبب تصديه للأفكار الإشتراكية أوقع مصر فى منعطف خطير بتوتر العلاقة بين المسيحيين والمسلمين.
وبالرجوع للوراء فالكنيسة فى مرحلة عبد الناصر كان لها ايجابيات بتواجدها على الساحة السياسية بشكال فعال فى شتى المجالات ولكنها بالطبع تأثرت بالقرارات التى اصدرتها الحكومة مثل نزع ملكية الاقباط ومصادرة رؤؤس الأموال القبطية
والجدير بالذكر فى تلك المرحلة أن الأقباط لم يتولوا وزارات ذات سيادة وتم تعيينهم فى وزارات عديمة الأهمية وهذا عكس ما كان موجود قبل ثورة 1952 حيث كان الأقباط يتولون مناصب سيادية مهمة منها رئاسة البرلمان ورئاسة الوزارة ، كما استمرت القيود الخاصة ببناء الكنائس وقيود اخرى لـ ترميمها والألتزام بالشروط العشرة والخط الهمايونى ، كما اثرت الثورة على الكنيسة بأنه تم الغاء المحاكم الشرعية والأختصاص القضائى للمجالس الملية عام 1955 بهدف توحيد القضاء وسلب الإختصاص القضائى من المجلس الملي وبالتالى انحصر دور المجلس فى الأشراف المالى والإدارى فى الكنيسة .
وأستمر د. رياض فارس فى رسالته بإستعراض المشاركة القبطية خلال فترة التسعينيات إلى ثورة 25 يناير و 30 يونيه مع توثيق لعدد الأحزاب وأفكارها ومشاركة الأقباط لينهى رسالته – المزمع إطلاقها فى كتاب- بتوصيات ونتائج بعض ما جاء بها: إن فصل مشاكل الأقباط المصريين عن السياق المجتمعى الخاص بها هو العنصر الفاصل الذى من شأنه أن يفرز مفهوم “الأقلية” الأمر الذى يساهم فى رسم صورة للمجتمع بأنه منقسم إلى فئتين، بناء على الدين الذى ينتمى إليه كل فرد فى المجتمع، وذلك يتنافي تماما مع الدور الذى من المفترض أن تقوم به الدولة الرشيدة وهو دمج العناصر المجتمعية فى بوتقة واحدة تتسم بالمساوأة والحرية والعدالة.