شهر رمضان يحمل فى داخلنا مشاهد كثيرة بدءًا من فوازير نيللي وشريهان لمنظر تجمع العائلة على مائدة الإفطار لعبارات التهانى بين كل المصريين باختلاف إنتمائتهم لتكتمل الصورة الحلوة بمائدة واحدة ودعوة مستجابة ولمة أصحاب وجيران يقدمون أطباق عامرة بكل مأكولات رمضان من القطايف والسمبوسك والخشاف
من منا لم ينتبه لصوت مدفع الأفطار ولم يتشوق لرؤيته ؟ فإلى قصته …
يشير التاريخ إلى أن المسلمين أيام الرسول كانوا يأكلون ويشربون من الغروب حتى وقت النوم، وعندما بدأ استخدام الاذان اشتهر بلال وابن ام مكتوم بأدائه. وحاول المسلمون على مدار التاريخ ومع زيادة السكان ابتكار وسائل لتذكير الناس بموعد الإفطار حتى ظهر مدفع الإفطار
القاهرة اول مدينة
كانت القاهرة اول مدينة ينطلق منها مدفع رمضان بعد ان قام السلطان المملوكى خشقدم بتجربة مدفع جديد وصل اليه فى رمضان وقد صادف إطلاق المدفع وقت المغرب بالضبط فظن الناس أن السلطان تعمد إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين إلى ميعاد الإفطار وكان ذلك عام 859هـجرية 1455ميلادية، وفي اليوم التالي توجه شيوخ الحارات والطوائف إلى بيت الوالي لشكره على هديته لسكان القاهرة، فلما عرف الوالي الحكاية أعجب بذلك، وأمر بإطلاق المدفع عند غروب الشمس في كل يوم من أيام رمضان، واستمر هذا الأمر إلى يومنا هذا -وذلك وفقاً لدراسة أجراها الدكتور علي أحمد الطايش- ثم أضاف الوالى بعد ذلك مدفعي السحور والامساك .
وهناك رواية اخرى تفيد بأن ظهور المدفع جاء عن طريق الصدفة فى عهد محمد علي الكبير والذى كان اشترى عددًا كبيرًا من المدافع الحربية الحديثة في إطار خطته لبناء جيش مصري قوي و كانت تجري الاستعدادات لإطلاق أحد هذه المدافع كنوع من التجربة فانطلق صوت المدفع مدويًا في نفس لحظة غروب الشمس وأذان المغرب من فوق القلعة فتصور الصائمون أن هذا تقليدًا جديدًا وطلبوا من الحاكم أن يستمر هذا التقليد خلال شهر رمضان في وقت الإفطار والسحور فوافق وتحول إطلاق المدفع بالذخيرة الحية مرتين يوميًا إلى ظاهرة رمضانية مرتبطة بالمصريين كل عام وذلك وفقا لما ذكره الدكتور عبدالرحيم ريحان، الخبير الأثري المصري .
واستمر المدفع يعمل بالذخيرة الحية حتى عام 1859 ميلادية ولكن امتداد العمران حول مكان المدفع قرب القلعة وظهور جيل جديد من المدافع التي تعمل بالذخيرة غير الحقيقية أدى إلى الاستغناء عن الذخيرة الحية، كما كانت هناك شكاوى من تأثير الذخيرة الحية على مباني القلعة فتم نقل المدفع من القلعة إلى نقطة الإطفاء في منطقة الدراسة القريبة من الأزهر الشريف، ثم نُقل إلى منطقة البعوث قرب جامعة الأزهر.
مدفع الحاجة فاطمة:
احدى المدافع يحمل اسم الحاجة فاطمة وقصته ترجع الى عام 859 هجرية عندما توقف المدفع الذي أطلقه خوشقدم فذهب العلماء والأعيان لمقابلة السلطان لطلب استمرار عمل المدفع لكنهم لم يجدوه فإلتقوا بزوجة السلطان التي كانت اسمها الحاجة فاطمة ونقلت طلبهم للسلطان فوافق عليه، فأطلق الأهالي اسم الحاجة فاطمة على المدفع واستمر الاسم إلى الان ويقال أنه اشترك فى ثلاثة حروب.
وبغض النظر عن تعدد الروايات فالمؤكد ان انطلاق المدفع كان صدفة حتى صار تقليدا أسعد الناس وزادهم بهجة إلى وقتنا الحالى .
وترجع احدى الروايات إلى ان مدفع الحاجة فاطمة يعود إلى الأميرة فاطمة ابنة الخديوى اسماعيل والتى اشتهرت باعمالها الخيرية المتعددة بالاضافة الى تأسيس جامعة القاهرة مستدلين فى هذه الرواية بوجود “مدفع الحاجة فاطمة” في قصر الأميرة فاطمة إسماعيل.
مصير المدافع:
فى منتصف القرن التاسع عشر فى عهد الوالى “عباس حلمى الأول” عام 1853، كان ينطلق مدفعان للإفطار فى القاهرة، الأول من القلعة، والثانى من سراى عباس باشا الأول بالعباسية وفى عهد الخديوى إسماعيل تم التفكير فى وضع المدفع فى مكان مرتفع حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة واستقر فى جبل المقطم، حيث كان يحتفل بخروجه من القلعة وهو محمولاً على عربة ذات عجلات ضخمة قبل شهر رمضان ويعود يوم العيد إلى مخازن القلعة مرة أخرى .
كان في القاهرة حتى وقت قريب 6 مدافع موزعة على أربعة مواقع، اثنان في القلعة، واثنان في العباسية، وواحد في مصر الجديدة، وآخر في حلوان، تطلق كلها مرة واحدة من أماكن مختلفة بالقاهرة، حتى يسمعها كل سكانها وكانت هذه المدافع تخرج في صباح أول يوم من رمضان في سيارات المطافئ لتأخذ أماكنها المعروفة، ولم تكن هذه المدافع تخرج من مكانها إلا في خمس مناسبات وهى رمضان والمولد النبوي وعيد الأضحى ورأس السنة الهجرية وعيد الثورة.
وهكذا كانت القاهرة هى المنارة التى اطلقت صوت أول مدفع ليصير تقليدا منتشرا في كل الدول بداية بالقدس ودمشق ومدن الشام الأخرى، ثم إلى بغداد في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وبعدها انتقل إلى مدينة الكويت حيث جاء أول مدفع للكويت في عهد الشيخ مبارك الصباح عام 1907م، ثم انتقل إلى كافة أقطار الخليج، وكذلك اليمن والسودان وحتى دول غرب إفريقيا، مثل تشاد والنيجر ومالي ودول وسط وشرق آسيا؛ حيث بدأ مدفع الإفطار عمله في إندونسيا سنة 1944.