المخللات دائما على كل مائدة أغنياء أو فقراء ، فهي قاسم مشترك في جميع الطبقات لا يستغني عنها احد يومياً صغير أو كبير وزير أو غفير و يزداد الإقبال عليها في رمضان لأنه شهر مختلف ومميز جداً في كل عاداته و تقاليده و طقوسه
بداية قال الحاج « سعد يوسف » 58 عاماً و صاحب معمل و محل « طرشي » في عابدين بوسط البلد ، أنه توارث هذه المهنة أباً عن جداً ، و يحبها و هو ناجح فيها ، و من أجلها رفض التعيين في وزارة الزراعة ، و المحل يبيع جملة و قطاعي للمحلات و الكافتيريات ، فعمر المحل أكثر من 58 سنة ، و أحفاده يأتون و يقفون معه .
وعن أفضل المواد التي يضع فيها المخلل قال يوسف : البراميل الخشب لأنها هي الأفضل و مساحتها كبيرة فضلا عن انها تحافظ على المخلل و تجعله في حالة جيدة ، عكس الزجاج والبلاستيك مؤكداً أن المعمل و المحل يخضعان لتفتيش دوري من وزارتي الصحة و التموين ، مضيفا ان الإقبال في رمضان يزيد « 3 » أضعاف عن باقي شهور السنة ويتم الاستعداد لهذا الشهر الكريم منذ بداية السنة من خلال مضاعفة العمال حتي نكفي كمية الطلبات و نرضي كل الزبائن .
وقال الحاج سعد أنه أول من عمل طريقة « الطرشي بالمكسرات ، الصنوبر » وللأسف توقف بسبب ارتفاع الاسعر
وأوضح « يوسف » أن هناك الجديد دائما في عمل الطرشي البلدي فهذه المهنة بها أسراركثيرة في المواد التي تدخل في صناعته مثل « الشطة و الثوم و الخل و الملح » بالإضافة إلي 12 صنف عطارة منها « جوزة الطيب – حبهان – قرنفل – ورق لوري – كمون – كزبرة خضراء – قرفة – كبيبة صيني زعتر » ، و السر يكمن في النسب والكمية و ليس في المواد نفسها.
و عن أكثر الأصناف التي يقبل عليها الزبائن قال : ” الخيار و البصل و الزيتون” ، موضحاً أنه لا يوجد زيتون أسود اللون ولكن يكون لونه على الشجر أحمر و بعد التخليل يميل لونه إلي الأسمر أو الرصاصي الغامق و ليس الأسود الذي يباع على العربات لانه غير صحي .
يمر المخلل بمرحلتين كما قال « يوسف » ، المرحلة الأولي هي :-
وضع المخلل في مياه و ملح بدون مواد حافظة لأن الملح نفسه مادة حافظة و نضعه بكمية كبيرة حتي نحافظ عليه من التلف ، و هذه المرحلة تأخذ شهر و يتحول فيها المخلل من اللون أخضر إلي لون أخر و يتم إخلاء البذور من المخلل .
أما المرحلة الثانية فهي ، مرحلة « التخزين » و يتم تغيير المياه التي وضعت في المرحلة الأولي لأنها بتكون مره ، ثم نضع مياه و ملح من أول و جديد بنسبة تتراوح بين 10% : 15 % ، ثم ننقعه في ماء من الحنفية لتقليل نسبة الملح و تأخذ هذه المرحلة حوالي أسبوع ، ثم نبيعه .
و عن أسرع الأنواع في التخليل ، قال : الخيار و الباذنجان فيأخذون تخليل 3 أيام فقط و لكن بدون سلق ، أما اللارنج فهو سريع التخليل و لكن يتم سلقه .
مشيراً إلي أنه يخلل الترمس و الحمص و لكن بكميات قليلة
فالطرشي البلدي فاكهة المائدة و يتكون من « الجزر ، اللفت ، الفلفل ، الخيار ، البصل ، الزيتون ، اليمون ، القرنبيط ، الباذنجان ويجد من الطرشي نوعان عادي و حامي ” بدقة ” .
أما عن إمكانية إضافة ألوان إلي المخلل أوضح « يوسف » أنه يضع البنجر فقط على اللفت و نسبة ضئيلة على الطرشي المشكل .
واللفت 3 أنواع أهمها البلدي « سلطاني »والنوعين الآخرين العراقي و الياباني ، و الجزر أيضاً أنواع ، البلدي و الياباني و الفرنسي و هو أجودها .
الليمون يخلل بطريقتان ، ” العصفر و الشطة ” و يوجد طرشي بملح خفيف لمرضي الضغط و هو بكميات قليلة – حسب الطلب .
الفنانون فاروق الفيشاوي و سامي العدل و عماد رشاد وغيرهم من أشهر زبائنه الحاليين و يأخدون لهم و لمعارفهم كميات كبيرة كهدية لهم ، فاروق الفيشاوي يحب الخيار و البصل الحراق و بييجي أول رمضان بنفسه و يأخذ 5:6 برطمانات و البرطمان سعره يتراوح ما بين 40:60 جنيه ، ثم يرسل السواق باقي الشهر ليأخذ ما يريد .
و مديحة يسري و توفيق الدقن و كمال الشناوي كانوا يشترون من والده و كمال الشناوي كان يأخذ كميات كبيرة بحوالي 25 جنيه وكانت قيمتها كبيرة في السبعينيات ، و الدكتور مجدي يعقوب و الدكتور أسامة الباز فهم كانوا يأتون بأنفسهم و يشترون المخلل ، أما الآن مجدي يعقوب عندما يكون في مصر يرسل من يشتري له المخلل .
و من أطرف الذكريات مع الفنانين ، تذكر « يوسف » شيخ الفنانين « السيد راضي » فكان يأخد كميات كبيرة جداً له و لأخواته و أصدقاءه و البواب و السائق الخاص به ، ولكنه كان يحب الدقة بـ« المياه المعدنية » فهو لا يحب مياه الحنفية ‘ فعندما كان يأتي كنا نشتري زجاجات المياه المعدنية و نعد له خصيصاً الدقة بها .
و يضحك « يوسف » وهو يتذكر ما فعله الفنان « يوسف شعبان » منذ سنوات ، وطلب برطمان طرشي 3 ك وكان سعره 13 جنيه ، و طلب إزالة اللفت و الجزر منه و عند الحساب طلبت 15 جنيها فقال : « ليه علشان أنا فنان هتزود السعر ؟ » .
فقلت له طلب حضرتك ” مخصوص ” لذلك هو غالي الثمن ، فأقتنع بكلامي و دفع و هو مستمر حتى الان في الشراء من المحل .
و عن سبب تسمية المحل بـ «الحرية » قال: كان أسمه الملك ، لأن كل حفلات القصر الملكي منذ أيام الملك فؤاد كانوا يشترون المخلل من عند والدي و لكن بعد ثورة 1952 م و حباً من والدي لجمال عبدالناصر فغير أسمه للحرية .
اما عن نصائح الحاج يوسف فقال لربات البيوت يجب عدم سلق المخللات قبل التخليل بإستثناء الباذنجان و الللارنج و الليمون ومدة تخليل هذه الخضروات تأخذ فترة مابين شهر و نصف الشهر ، إما الباذنجان الغير مسلوق “فبيعيش” أكثر .
كما أنصحها أن تشتري من محلات مضمونة ولها تاريخها و سمعتها و خاضعة للرقابة و عدم الشراء من الباعة الجائلين مجهولي المصدر ، كي تأكل هي و أسرتها وهي مطمئنة ، فأهالينا قالوا : ” الغالي منه فيه و رخيص ” .