ستظل سيرة الراهب القديس القمص فانوس الأنبا بولا نبراسا وسراجا منيرا ونموذجا كاشفا لما يجب أن يكون عليه الراهب الناسك المتواضع الذي لا يهمه اي شيء سوي خلاص نفسه وايضا كل من يتعامل ويتلامس مع محبته العميقة.
كان القديس العظيم قد ولد في 5 أبريل 1929 في قرية دفش بمركز سمالوط محافظة المنيا وتنيح يوم 19 أبريل الماضي بعد حياة عامرة عنوانها الجهاد الروحي والجسدي والعمل الشاق في نسك وتقشف متشبها باباء الرهبنة الاولي منفذا وصايا الكتاب المقدس .
فكان محبا للجميع دون تمييز لا يرد أحدا ممن كانوا يطلبون ارشاده وصلواته وكان في قمة التواضع كان ينادي أصغر طفل يا عم “فلان” بحنو ومعاملة ملائكية خاصة وأنه ترك العالم وذهب الي الدير في سن صغيرة – حوالي 15 عاما –
قصد باب الرهبنة عام 1944 قبل أن ينال بركتها عام 1947 حيث صار راهبا في سن الثامنة عشر من حياته المباركة وتاريخيا يعتبر يوم اختياره الإلهي للانضمام إلى صفوف الأبرار والابكار والقديسين هو اليوم السابق للاحتفال بعيد رهبنته التاسع والستون والذي كان مزمعا الاحتفال به في العشرين من أبريل الماضي.
كان القمص فانوس ناسكا لدرجة القسوة علي نفسه فالي جانب الأعمال الشاقة التي كان يقوم بها وأبرزها تقطيع الحجارة والتي هي سبب لفه ليده بقطع قماش ، كان احباؤه يأتون له ببعض الأطعمة بجانب ما يقدم له من الدير فكان يتركها أمامه الي ان تفسد كنوع من كسر الشهوات واذلال الجسد فكان ساميا في الروح ، ووصل الي درجات عالية جعلت الكثيرين من الاكليروس وعامة الشعب يرتبطون به وبصلواته التي يرفعها عنهم .
منذ أن نال درجة الكهنوت عام 1951 ثم رتبة القمصية عام 1960 لم يبتعد عن المذبح وصلوات القداس الإلهي حتي بعدما أصيب بخشونة شديدة في قدميه تسببت في أن يتنقل علي كرسي متحرك في آخر عشر سنوات – تقريبا – من حياته المباركة.
كان يصلي القداسات رغم ظروفه الصحية الصعبة خاصة في وجود أبنائه الروحيين ومنهم أساقفة مكرمين في الكنيسة ومنهم الأنبا دانيال رئيس الدير والأنبا يسطس اسقف ورئيس دير الانبا أنطونيوس بالبحر الأحمر والأنبا يوأنس اسقف أسيوط والأنبا بطرس الأسقف العام والأنبا كيرلس اسقف نجع حمادي والأنبا يوسف اسقف بوليفيا والأنبا اغاثون اسقف البرازيل بالإضافة إلى الأنبا أنطونيوس مطران القدس حينما كان راهبا.
ومع مرض قدميه تعرض في السنوات القليلة الماضية الي أزمات قلبية وصلت إلي حد إصابته بضيق في الشريان الرئيسي بنسبة 95% مما نتج عن ذلك إصابته بالتهابات ريوية متكررة وصلت إلي أقصاها في فترة علاجه الأخيرة بإحدى مستشفيات القاهرة والتي امتدت من شهر ديسمبر الماضي وحتي نياحته.
ذكر البعض أنه تعرض لأزمة قلبية شديدة في فبراير الماضي توقف بسببها قلبه الضعيف حوالي سبع دقائق قبل أن يعود للنبض مرة اخري.
قضي حياته بالدير في قلايته الموجودة داخل الدير الأثري والتي بها سلالم للصعود لداخلها قبل أن ينتقل إلى إحدي القلالي الجديدة بجبل الدير لظروفه الصحية بالتنقل علي كرسي متحرك.
عاصر عدة بطاركة وتقابل مع البابا كيرلس السادس في مقر الدير ببوش ، ومع البابا شنودة الثالث مرتين الاولي في بداية التسعينيات عندما زار البابا المتنيح الدير آنذاك والثانية بالكاتدرائية بالأنبار رويس ، واخيرا مع البابا تواضروس الثاني عند زيارته لدير الأنبا بولا مؤخرا.
ارتبط روحيا بكل قديسي الكنيسة وخاصة السيدة العذراء مريم ورئيس الملائكة الجليل ميخائيل وأخذ الأنبا بولا قدوة ونموذجا لحياته الروحية فاقترب كثيرا من سيرته ومن فضائله.
ينتمي القديس الي أسرة مباركة فكان له اخت بارة تكبره بسنة واحدة اسمها مريم تنيحت في بتوليتها أما اخته الثانية ” حنة” فانتقلت قبل دخوله إلى الدير أما شقيقه ” حنا” فقد انتقل في الثمانينيات من القرن الماضي تاركا أبناء وبنات مباركين.
الصديق يراعي نفس بقيمته
كانت هذه الآية سر اهتمامه بالحيوانات علي اختلاف أنواعها باطعامها والاهتمام بها وبسلامتها.
عندما دخل الي الدير كان يوجد عدد قليل من الرهبان كانوا يتركونه بمفرده في كل الدير فترات وايام متتالية لقضاء حاجات الدير فكان كوكبا منيرا – كما اسمه – لديره العامر وكانت ” القطط” التي اهتم بها أنيسة لوحدته كجزء من اهتمامه بالحيوانات.
بعد نياحته مباشرة حمله أبناؤه برئاسة الأنبا دانيال الي ديره العامر وبعدها تدافع الآلاف من محبيه لنوال بركة ملاك البرية وشيخ الرهبان ورجل المعجزات ذي المواهب المتعددة وتمت الصلاة علي جثمانه الطاهر في وجود لفيف من الآباء الأساقفة والرهبان خاصة من ديري الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس العاملين.
جاء في كلمة الوداع الروحية العميقة التي ألقاها نيافة الحبر الجليل الانبا يوأنس والتي كان عنوانها
من هذه الطالعة من البرية
أبانا الحبيب جدا …نهنئك بسلامة الوصول الي بيتك الأبدي 12 : 5 فكم كانت الأبدية في قلبك جا 3 : 11 وقد فهمت أكثر من كلنا فثبت عينك على المسيح وجاهدت كثيرا حتي …مات العالم في قلبك تماما غل 6 : 14 فوصلت لدرجة عالية جدا من القداسة والكشف الروحي وكنت بالحقيقة رائحة المسيح الذكية فجذبت الكل بتلك الرائحة الذكية، لم تعظنا بكلمات إنما بحياتك وسيرتك العطرة وما علمتنا اياه، إنما صار في قلبنا منهج حياة كل الايام فالذي علمتنا اياه سنعيش به باقي عمرنا.
كان مجمع رهبان دير الانبا بولا قد احتفل الجمعة قبل الماضي بذكري الأربعين لنياحة الراهب القديس القمص فانوس الأنبا بولا شيخ الرهبان وايقونة الدير والبرية الشرقية والذي تزامن مع التذكار السنوي لنياحة الأنبا اغاثون مطران الإسماعيلية ورئيس دير الانبا بولا السابق بدأ الاحتفال بالقداس الإلهي بالكاتدرائية الجديدة والذي شهد حضورا مكثفا للآباء والكهنة والرهبان والراهبات والمكرسات ورأس الصلوات كل من الآباء الأساقفة الأنبا دانيال أسقف ورئيس دير الانبا بولا والأنبا كيرلس اسقف نجع حمادي والأنبا يسطس اسقف ورئيس دير الانبا أنطونيوس والأنبا يوأنس اسقف أسيوط والأنبا مينا اسقف ورئيس دير الشهيد العظيم مارجرجس بالخطاطبة
وصلي الشعب وعدد كبير من الشمامسة في السرادق الخارجي المزود بشاشات عرض تلفزيونية والذي أعده مسئولي الدير لاستقبال المئات من محبي القديس المتنيح
ألقي الانبا دانيال رئيس الدير عظة القداس بعنوان “المحبة” ذاكرا انها اقوي من الموت وان الآباء القديسين اشتعلت قلوبهم بالمحبة للجميع بلا استثناء وامتزجت في حياة ابونا فانوس بالجهاد والأدب الجم فرغم انه شيخ واب لكل الرهبان لكنه لم يسبق أن يدين أو يعنف أو يؤذي أحد وكان ينظر الي المسيح فقط ولا يعنيه في العالم اي شيء اخر وبعدما انصهرت كل الفضائل في داخله صار ذو وجها ملائكيا منيرا وأصبحت الفضيلة تنبثق منه وتفيض علي كل من حوله فأصبح معجزة في هذا الجيل ومعجزات الله لا تنتهي كما صار مثلا حقيقيا وواقعا عشناه ولمسناه.
بعد انتهاء القداس الإلهي قام الآباء بتطييب مرقد- موضع الدفن – الأب القديس بالحنوط وسط التهليل بالمديح الذي أعد له ضمن التمجيد الكنسي وقام مسئولي الدير بالسماح للشعب المتواجد بالسرادق للدخول الي الكاتدرائية المتواجد بها المزار لأخذ البركة .