شارك الدكتور عبد الرحيم ريحان بركات مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بوجه بحرى وسينا بقطاع الآثار الإسلامية والقبطية التابع لوزارة الاثار بورقة بحثية فى المؤتمر الاول لباحثى القبطيات العرب والذى يعقد ببيت السنارى بالقاهرة تحت عنوان” دراسة أثرية حضارية للآثار المسيحية بسيناء”
فى البداية اشار الدكتور ريحان إلى أن الطبيعة الجغرافية لمصر والتى ساعدت على نمو الحركة الرهبانية بها من صحراء واسعة شرقاً وغرباً ونهر النيل وقيامه بدور فى حركة الاتصال بين المناطق الرهبانية على جانبيه فاختار الرهبان السهول المنبسطة لأن معظمهم كبار السن لا يستطيعون تسلق الجبال كما انتشر الرهبان فى الأماكن القريبة من مصادر المياه والصالحة للزراعة كما لجأ الرهبان للصحراء رغبة فى الهدوء والعزلة التى توفرت خصوصاً فى جنوب سيناء كما ساعد على انتشار الرهبنة فى سيناء التبرك بالأماكن المقدسة حيث جبل الشريعة والأماكن التى مر بها نبى الله موسى عليه السلام والأماكن التى مرت بها العائلة المقدسة ، كما ساعد توفر مواد البناء من أحجار مختلفة وطمى ناتج عمليات السيول فى سيناء على انتشار المنشآت الرهبانية وتعددها لأنه يوفر على الرهبان مشقة إحضار هذه المواد من أماكن بعيدة
ويوضح الدكتور ريحان أن الرهبانية المصرية مرت بثلاث مراحل فى تاريخها
المرحلة الأولى هى مرحلة الفرد المنقطع”المتوحد” للعبادة وهو الراهب الذى يتخذ صومعة خاصة به يغلق عليه باب إما بمفتاح أو بواسطة حجر ، وكانت الصوامع قريبة من بعضها ومن يدخل على المنقطع”المتوحد” يعلن قدومه بالنقر على الباب عدة مرات
ووجدت عديد من هذه الصوامع المنفردة بجنوب سيناء فى أماكن عديدة حول منطقة الجبل المقدس وبين طور سيناء ومنطقة الجبل المقدس وبمنطقة رايثو (الطورحالياً) وظهرت هذه الصوامع منذ القرن الثالث الميلادى وأصبح للراهب مدلول واضح إذ أنه يعرف بأنه المنسحب من الدنيا والمنقطع عن العالم
وقد كشفت منطقة جنوب سيناء للآثار الإسلامية والقبطية فى حفائر موسم أبريل – يونيو 1998 وموسم يناير – فبراير 2002 عن صومعتين للمتوحدين الأوائل بسيناء قريبة من بعضها بمنطقة وادى الأعوج بطور سيناء 9كم جنوب شرق مدينة طور سيناء ، الصومعة الأولى محفورة فى الصخر بشكل حنية نصف دائرية وصومعة مبنية بالطوب اللبن ومغطاة بالملاط من الحيب ناتج السيول مكونة من صالة لها حنية مستطيلة وحجرتين من جانب واحد
وعن المرحلة الثانية
ويتابع الدكتور ريحان بانها مرحلة الكينوبيون وهى مرحلة التوحد الجماعى والتى تعتبر تطوراً طبيعياً لمرحلة التوحد ومقدمة حتمية للمرحلة الثالثة وهى الديرية وهى الصورة البسيطة للتجمع الرهبانى حيث أقام عدد من المريدين والنساك فى منشآت فردية ثم يجتمعوا أيام الأعياد ويومى السبت والأحد فى مكان عام للخدمات والطعام
وقد كشفت منطقة جنوب سيناء نموذجاً لهذه المرحلة بوادى الأعوج وهى منطقة بها قلايا كثيرة أصحابها متحدون فى نظام الحياة ، وتمثل هذه المرحلة منتصف الطريق بين الناسك المتوحد والراهب الذى يعيش حياة مشتركة.
وتم الكشف فى الحفائر السابق ذكرها موسم 1998 ، 2002 عن أحد هذه الأماكن العامة بوادى الأعوج وهو عبارة عن مبنى مستطيل بالطوب اللبن مغطى بالملاط من الداخل والخارج بقاياه واضحة ، مساحته 14.5م طولاً 11.5م عرضاً يشمل كنيسة من صالة غير مقسّمة مساحتها 11.5م طولاً 4.3م عرضاً مقسمة إلى جزئين شرقى وغربى ولها مدخلين ، الرئيسى بالجهة الغربية والمدخل الثانى بالجهة الجنوبية وبها مصاطب للجلوس عليها والشرقية نصف مستديرة على جانبيها حجرتان (لوحة 4) ، و على جانبى الكتيسة قاعتان مستطيلتان مساحة القاعة 6.30م طولاً2.30م عرضاً بها مصاطب للجلوس يبدو أنها قاعات طعام ، وبالمبنى حجرات مختلفة بالجهة الشمالية للخدمات .
وفى المرحلة الثالثة
يشير الدكتور ريحان إلى النظام الديرانى الذى وضع أسسه القديس باخوميوس فى القرن الرابع الميلادى حيث وضع لهذه الحياة الرهبانية نظمها وطرائقها فى صورتها وفى بداية القرن الخامس الميلادى وجدت الأديرة فى كل الأجزاء الشرقية من الإمبراطورية البيزنطية وكانت فى البداية عبارة عن مجموعة من القلايا تخدم مجموعة من الرهبان ، تختلف عن السكن الأسقفى الذى يحوى مكاتب ومبانى سكنية للقساوسة وهذة المبانى التقليدية تختلف فى التخطيط طبقاً للتقاليد الرهبانية وتعاليم البناء المحلية وتشتمل حجرات ضيوف للمقدّسين – غرفة تناول الطعام – على قلايا
وكنيسة
وعن كنائس دير الوادى بطور سيناء
اوضح الدكتور ريحان أن الدير يقع بقرية الوادى التى تبعد 6كم شمال الطور ، وعلى بعد 200م شرق بئر يحيى ذو المياه العذبة ، 3كم شرق حمام موسى ذو المياه الكبريتية الدافئة وهو الدير المسجل كأثر بالقرار رقم 987لسنة 2009.
وتم بناء الدير بعناصره المعمارية والسور وكنيسة البازيليكا فى عهد جستنبيان فى القرن السادس الميلادى لنفس أسباب بناء دير كاترين وهى توحيد الإمبراطورية و إرساء وتوطيد المبادئ الأرثوذكسية و تأمين الحدود ، كما عثر فى حفائر منطقة جنوب سيناء موسم 1989على مجموعة أطباق كاملة من الخزف ذو البريق المعدنى الفاطمى فى إحدى الحجرات بالجزء الجنوبى الشرقى من الدير وصنج زجاجية بأسماء الخلفاء الفاطميين منهم المستنصر بالله مما يدل على أن الدير ظل عامراً حتى العصر الفاطمى، ثم تحول الدير مقبرة للمسيحيين من طائفة الروم الأرثوذكس القاطنين بالمنطقة.
عمارة الدير
وعن عمارة الدير يوضح د. ريحان أنه بنى من الحجر الجيرى والرملى المشذّب ، تخطيطه مستطيل مساحته 92م طولاً 53م عرضاً وله سور دفاعى عرضه 1.50م ويخترقه ثمانية أبراج مربعة أربعة فى الأركان وإثنين فى كل من الضلعين الشمالى والجنوبى وتوجد القلايا وحجرات الضيوف خلف السور مباشرة فى مجموعات يتقدمها ظلة وتقابلها مجموعات أخرى فى الجزء الشمالى الشرقى والجنوبى الشرقى من الدير
الكنيسة الرئيسية (البازيليكا)
يتابع د. ريحان بأن الكنيسة الرئيسية تقع بوسط الجزء الغربى من الدير طولها من الشرق للغرب 28م وعرضها 12م لها أربع مداخل جانبية تفتح على الأروقة الجانبية اثنان فى كل جانب وعرض فتحة المدخل 1.15م وهى بازيليكا من صحن وجناحين واتساع الصحن 4م والجناحان الجانبيان متساويان اتساع الجناح 2.15م ، مقسمة بواسطة بائكتان كل بائكة من خمسة دعامات مربعة طول ضلعها 1.30م بالإضافة إلى دعامتين مدمجتين بالجدار الغربى وكانت هذه الدعامات تحمل عقوداً نصف دائرية تسير من الشرق للغرب عددها ستة عقود فى كل بائكة بقى منها العقد السادس فى البائكة الجنوبية من ناحية الغرب.
هيكل الكنيسة والحجرات الجانبية
يقع الهيكل بالنهاية الشرقية ويرتفع عن أرضية الصالة 25سم وهو مربع التخطيط طول ضلعه 1.80م ويتوسط جداره الشرقى فتحة مستطيلة اتساعها 1.10م تؤدى لممر طوله 4.80م وعلى جانب الممر شمالاً مصطبة حجرية من أصل البناء بارتفاع هذا الممر ، وعلى جانبى الهيكل حجرتان الشمالية مساحتها 2.15م طولاً 1.80م عرضاً وتختص بالإعداد للموائد المقدسة ولها مدخل معقود بعقد نصف دائرى يتضح من طرفا رباطه الباقية يفتح على الرواق الشمالى اتساعه 70سم والحجرة الجنوبية نفس الحجم لحفظ الملابس والأدوات المستخدمة فى الطقوس داخل الكنيسة ولها مدخل كالسابق يفتح على الرواق الجنوبى اتساعه 70سم.
الكنائس الفرعية
يقول الدكتور ريحان يوجد بالدير ثلاث كنائس متجاورة تقع بالجزء الشرقى منه يتقدم هذه الكنائس ظلة ترتكز على دعامات باقى منها أربعة واختفت باقى الدعامات نتيجة الإضافات بالجهة الجنوبية
كنائس وادى فيران – إيبارشية (أبرشية) فيران
يؤكد الدكتور ريحان ان تل محرض ودير البنات الأثرى بوادى فيران مسجل ملك بالقرار رقم 1616 لسنة 1995وأصبحت فيران فى القرن الرابع الميلادى مدينة أسقفية حولها العديد من القلايا وفى عام 535م كان ثيوناس يحمل لقب أسقف ومندوب الجبل المقدس ودير رايثو وكنيسة فيران المقدسة وفى المجمع الذى عقد بالقسطنطينية فى هذا التاريخ وقّع على أعمال المجمع وأضاف تحت اسمه ( أنا ثيوناس الكاهن بنعمة الله النائب عن رهبان طور سيناء ورايثو وأبرشية فيران المقدسة ) وآخر مطارنة فيران هو ثيودورس عام 649م ثم انتقل مركز الأبرشية إلى طور سيناء (منطقة سانت كاترين الحالية ) بعد بناء دير طور سيناء الذى أطلق عليه بعد ذلك دير القديسة كاترين أى بعد بناء دير طور سيناء بحوالى 90 عاما حيث أن الدير بنى ما بين 548 إلى 565 م وأصبح دير كاترين مركزاً لأبرشية سيناء وأصبح رئيس الدير مطراناً للأبرشية وأصبح لقبه مطران دير طور سيناء وفيران وراية
كنائس شمال سيناء- كنائس أوستراسينى (الفلوسيات)
يقول عنها الدكتور ريحان هى المحطة الرابعة فى الطريق الرحلة المقدسة للمقدسين المسيحيين من القدس وعبر شمال سيناء إلى جبل موسى ودير سانت كاترين بعد رفح والشيخ زويد والعريش وكذلك محطة هامة فى طريق العائلة المقدسة بسيناء ، وتقع فى الطرف الشرقى من بحيرة البردويل 3كم من شاطئ البحر المتوسط 30كم غرب العريش وتحتل أوستراسينى موقعاً استراتيجياً هاماً حيث يلتقى عندها طريق البحر الذى يمر بكاسيوم وبلوزيوم (الفرما) والطريق الحربى الكبير الذى كان يمر بقاطية والقنطرة ، كما كان يخرج منها أيضاً طريق آخر يخترق صحراء سيناء من شمالها الشرقى لجنوبها الغربى ، وكانت أوستراسينى منطقة عامرة فى العصر المسيحى وكان لها أسقف وعندما أراد الإمبراطور جستنيان تحصين مناطق سيناء ضد غزو الفرس كانت أوستراسينى من بين المناطق التى أقيمت فيها الحصون ووصلت المبانى فى عهده إلى البحر وأصبحت المدينة مركزاً لكرسى دينى هام
اما كنيسة جزيرة فرعون بطابا
فتقع جزيرة فرعون عند رأس خليج العقبة 250م عن شاطئ سيناء10كم عن ميناء العقبة ، وفى القرن السادس الميلادى أنشأ جستنيان فنار بجزيرة فرعون لإرشاد السفن التجارية فى خليج العقبة ، وكشف بها عن كنيسة فى حفائر منطقة جنوب سيناء للآثار الإسلامية والقبطية موسم حفائر 1988- 1989 بنيت من الحجر الجيرى المشذّب ومادة ربط من الجير وهى بازيليكا صغيرة ذات حجرات عديدة من الناحية الغربية من نسيج البناء الأصلى مما يضفى شكل غير منتظم على الكنيسة
و كنيسة التجلى بدير سانت كاترين
أعاد الإمبراطور جستنيان بناء كنيسة العليقة الملتهبة التى بنتها الإمبراطورة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين فى القرن الرابع الميلادى وأدخلها ضمن كنيسته الكبرى التى أنشأها فى القرن السادس الميلادى وأطلق عليها اسم كنيسة القيامة ، وبعد العثور على رفات القديسة كاترين فى القرن التاسع الميلادى ، أطلق على هذه الكنيسة اسم كنيسة التجلى وعلى الدير دير سانت كاترين
وقد بنيت كنيسة التجلى بحجارة ضخمة من الجرانيت المنحوت ، طولها40م وتشمل كنيسة العليقة المقدسة وعرضها 19.20م وتشمل الكنائس الفرعية وأضيفت لها عدة توسيعات بعد ذلك ونصل للكنيسة عن طريق ممر فى مواجهة بهو المدخل ، يدخل إلى الكنيسة من خلال نارزكس أضيف فى العصر الفاطمى القرن 11م وبالجدار الشرقى للنارزكس يوجد باب خشبى يعود للقرن السادس الميلادى من خشب الأرز اللبنانى يؤدى لصالة البازيليكا وكان مخصصاً لدخول الرهبان أما المقدسين المسيحين والزوار للدير فكانوا يدخلون من الباب الشمالى للكنيسة المؤدى للجناح الشمالى ثم يسيروا فى الجناح الشمالى تجاه الشرق إلى كنيسة العليقة الملتهبة ثم يعودوا للجناح الجنوبى
وعن التخطيط الأصلى للكنيسة فهى على الطراز البازيلكى تتكون من ثلاثة أجنحة أوسعها الأوسط وأضيفت الحجرات الجانبية والنارزكس ويفصل الأجنحة صفين من الأعمدة بكل صف ستة أعمدة والعمود مصنوع من حجر واحد من الجرانيت ، وتحمل الأعمدة عقود نصف دائرية يعلوها صف من النوافذ ، وتضاء الأروقة الجانبية بنوافذ مزدوجة ويسقف الصالة جمالون خشب والحزام الخشبى الذى يحمل هذا الجمالون من القرن السادس الميلادى وبه النقش التأسيسى لبناء الدير ، وتم تغطية هذا الحزام الخشبى بسقف مسطح فى القرن الثامن عشر الميلادى ويغطى الجناحان الجانبيان نصف جمالون ويسقف الصالة جمالون خشب والحزام الخشبى الذى يحمل هذا الجمالون من القرن السادس الميلادى وبه النقش التأسيسى لبناء الدير ، وتم تغطية هذا الحزام الخشبى بسقف مسطح فى القرن الثامن عشر الميلادى ويغطى الجناحان الجانبيان نصف جمالون ويفصل الهيكل عن الصالة حجاب جوانبه من الرخام والجزء العلوى منه إيكونستاسس من الخشب المغطى بصفائح الذهب مكتوب على بابه نص باليونانية ترجمته (تم صنع هذا الحاجز”الحجاب” المقدس بجزيرة كريت فى أغسطس 1612م فى عهد الورنتيوس البطريق ، وقد صنعه مكسيموس الراهب)