تركيا المستفيد الأول من أزمة اللاجئين، هكذا تتضح الصورة عقب الاعلان عن مسودة الاتفاق الأولية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، ومن المنتظر أن يتم اقرار هذا الاتفاق بشكل نهائي في قمة الاتحاد الخميس المقبل، وبالرغم من قلق الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، إلا أن أوروبا ماضية في قبول الشروط التركية نتيجة تنامى أزمات المهاجرين في أوروبا.
ويعد البند السابع عشر من أكثر البنود التي لم تحظى بموافقة الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، حيث بموجب هذا البند سيتم إعادة المهاجرين الواصلين اليونان إلى تركيا، ما لم يتقدموا بطلب للحصول على حق اللجوء في اليونان، ومقابل كل مهاجر تقبله تركيا سيستقبل الاتحاد الأوروبي لاجئاً سورياً، في محاولة للحد من أعداد الساعين لدخول أوروبا عن طريق الرحلات البحرية المحفوفة بالمخاطر.
ويري معارضون للاتفاق أن هذه الخطوة غير آمنة للاجئين ولا توفر لهم الحماية المطلوبة، ولا تتفق مع المعايير الأوروبية لحقوق الإنسان، ومع ذلك تضغط تركيا كثيرا على الاتحاد الأوروبي لتنفيذ هذا الاتفاق، إلى جانب تمسك أنقرة بالحصول على مبلغ 6 مليارات يورو، لمساعدتها في رعاية اللاجئين على أراضيها، والغاء تأشيرة دخول الأتراك للقارة الأوربية، مع تسريع اجراءات انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي.
يبدو أن تركيا تسعى لاستغلال القلق المتزايد من تنامى أعداد اللاجئين في اوروبا، وعدم قدرة القارة العجوز في التوصل إلى توزيع عادل للاجئين، وهو ما يضع القارة أمام خيار قبول الشروط التركية، أو استمرار المعاناة بسبب تدفق المهاجرين.
وعلى الرغم من الجدل الذى أحاط ببنود الاتفاق الذى توصلت إليه انقرة مع اوروبا، إلا ان غياب الاستراتيجية البديلة تضع اوروبا رهن طلبات السلطان العثماني، فرئيس الحزب الشعبي الأوروبي مانفريد ويبر دعا إلى عدم إعطاء “شيك على بياض” لأنقرة، ورئيس الحزب الاشتراكي جياني بيتيلا أكد على ضرورة عدم خلط ملفات اللاجئين بمفاوضات بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن أنقرة مصرة على حزمة المطالب التى قدمتها، وإلا ترك أوروبا تواجه وحدها الأزمة.
وكانت اخطر الاتهامات التي طالت تركيا من زعيم حزب الخضر في البرلمان الأوروبي فيليب لامبرتس الذى وصف الاتفاق بأنه “الإفلاس الأخلاقي”، كذلك أكدت رئيسة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي إيلينا فالنسيانو إن هذا الاتفاق يشكل منعطفا صادما في استراتيجية إدارة أزمة اللاجئين، والإساءة إلى حق اللجوء، وهو ما يعني عمليا انتهاكه”.
حتى الآن انقرة تناور فى الأزمة السورية عسكريا وسياسيا وانسانيا، وبالرغم من وجود أكثر من 2 مليون لاجئ سوري فى لبنان وأقل بقليل فى الاردن، إلا أن تركيا الصوت الأكثر سماعا فى المحافل الدولية، ومحاولة المتاجرة بأزمة اللاجئين دوليا، والحصول على 3 مليارات يورو سنويا وليس لمرة واحدة فقط، ومحاولة ابتزاز اوروبا والحصول على مزيد من الدعم المالي مثلما تدخلت القارة العجوز لمساعدة اليونان فى ازمتها الاقتصادية.
وثمة تساؤلات مهمة بحاجة لإجابات، ومنها، أين الأموال المخصصة لنجدة اللاجئين السوريين؟، وأين الأموال التي تم الاتفاق على منحها للسوريين عقب مؤتمرات المانحين التي جرت فى الكويت وانجلترا؟، ولماذا تستغل تركيا أزمة المهاجرين فى حين لا ينصت أحد للنداءات الأردنية واللبنانية؟
أعتقد أن أوروبا عليها أن تتعامل بشكل أفضل انسانية مع ازمة اللاجئين، وعدم الوثوق فى الشريك التركي، فعودة اللاجئ غير الشرعي إلى اسطنبول أمرا محفوف بالمخاطر، فتركيا هي المسئول عن سماح جماعات التهريب باستغلال حاجة اللاجئين للفرار بحثا عن الأمان، مثلما رصدت تقارير عديدة مسئوليتها عن تقديم كل أشكال الدعم لتنظيم الدولة الاسلامية “داعش”، وانه من الأجدى أن تنتصر أوروبا لحقوق الانسان والاتفاقيات المعنية بشئون اللاجئين أكثر من انصياعها لانتهازية السلطان العثمانى، فإما الانتصار للإنسانية وإما الانهزام أمام الاستغلالية والشره التركي.