اهتمام الصحف الأجنبية بمقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني مثير للتساؤلات، فلا يمر يوم إلا وهناك تقريرا عن تعذيب الطالب الايطالي الذى كان يقضي يقضي فترة دراسية بالقاهرة، والتصريحات القادمة من روما لا تبشر باستمرار دفء العلاقات مع مصر، بل هناك تهديد صريح من ماتيو رينزي رئيس وزراء إيطاليا بأن العلاقة بين البلدين على المحك ما لم يتم الكشف عن لغز مقتل ريجيني!
وزير الداخلية الايطالي أكد تعرض ريجني “لعنف حيواني غير انساني”، وفتح الادعاء الإيطالي تحقيقا في جريمة قتل ريجيني الذي أظهرت جثته تعرضه للضرب الشديد.
الصحف الأجنبية تربط بين تقارير حقوقية مصرية ترصد تنامى حالات الاختفاء القسري للمواطنين، واستمرار التعذيب من أفراد الشرطة ضد مدنيين، واعتقال العشرات من المصريين والأجانب على ذمة التحقيقات في بعض القضايا دون معرفة النتائج.
الغموض يحيط بهذه القضية في الداخل، فاهتمام الاعلام الغربي بهذه القضية يفوق الاهتمام المحلى كثيرا، والرأي العام لا يعرف شيئا عن مجري سيري التحقيقات في هذه القضية، وبالرغم من العلاقات الاقتصادية والسياسية القوية مع ايطاليا، وخاصة بعد 30 يونيو 2013، إلا أن هذه القضية جاءت لتضع مزيد من التحديات على الحكومة المصرية، وتهدد بسحب شركة ايني أكبر مستثمر أوروبي تعمل على الاكتشافات الحديثة من الغاز الطبيعي في البحر المتوسط إذا ثبت تورط أجهزة الأمن المصرية في تعذيب ريجيني.
الغريب في الأمر هو تباطؤ سير مجري التحقيقات في القضية، وعدم التعامل معها بالقدر المطلوب، كذلك يغيب دور الهيئة العامة للاستعلامات في الرد على الاتهامات التي تتناقلها الصحف الأجنبية، ويبدو الصمت هنا وكأنه قبولا بما يتردد من ادلة ومعلومات وأرقام!
لا أحد ينكر أن هناك انتهاكات من الشرطة تجاه المواطنين لعقود، وبالرغم من الدعوات التى خرجت بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو بوقف هذه الممارسات القمعية إلا أن النتيجة ليست مرجوة، وفى نفس الوقت انسياق الصحف الأجنبية حول تقارير حقوقية لتربط بين عنف الشرطة ومقتل ريجيني موقف غير مهني وانحياز غير مبرر، في ضوء عدم انتظار التحقيقات التي تجريها السلطات المصرية والايطالية، خاصة مع تمسك الجانب الايطالي بالإعلان عن نتائج التحقيقات مهما كانت صادمة.
وبعيدا عن اتهام الداخلية بالتورط في مقتل ريجيني ودفاع جهاز الشرطة عن نفسه، استوقفنى اعتراف الرئيس عبد الفتاح السيسي لأول مرة بأن سقوط الطائرة الروسية في شرم الشيخ أسقطت عمدا بهدف التأثير على العلاقات القوية بين القاهرة وموسكو، وليس استهداف قطاع السياحة فقط، وبالربط بين سقوط الطائرة الروسية، ومن قبل استهداف القنصلية الايطالية بوسط القاهرة، ثم مقتل ريجيني، يبدو وكأن هناك محاولة للإضرار بين العلاقات القوية التي تجمع مصر بأهم حلفاءها بعد 30 يونيو، فالبداية مع روسيا ثم ايطاليا، وربما يشهد المجتمع قريبا أحداث ارهابية ضد أهداف فرنسية، لتخسر مصر أهم الحلفاء والمدافعين بشدة عن النظام المصري الجديد، فهل تعى القاهرة خطورة ما يحدث أم لا؟، وهل يتم الاسراع بالإعلان عن نتائج التحقيقات في مقتل ريجيني أم يطول الأمر دون الكشف عن الجناة الحقيقيين مثلما فشلت أجهزة التحقيق في الكشف عن الجناة في حادث اغتيال النائب العام هشام بركات؟!
التحديات تتزايد على السلطات المصرية، وطالما لم تعلن النتائج في هذه القضايا ستظل روايات الصحف الأجنبية تتصدر المشهد والاتهامات تتوالى لجهات كثيرة بالدولة، فالمرحلة تتطلب التعامل بحنكة وسرعة أكثر مما يحدث على الساحة، وما لم تعى السلطات المصرية الخسائر التي يمكن أن تتعرض لها إذا لم تنجح في فك الغاز هذه القضايا فعليها أن تعلن ذلك صراحة وبوضوح، وأن تكف عن نفى الاتهامات دون ادلة، فأخطاء الأنظمة السابقة ستظل في الصورة ما لم تثبت الحكومة الحالية أن الزمن تغير والاليات المتبعة سوف تتغير أيضا!