نتعجب عندما نبحث عن أصل بعض الكلمات المتداولة فى حياتنا اليومية ونجد انها ترجع لأصول فرعونية وعن بعض الممارسات الحياتية أيضًا نجد أنها من اصول فرعونية .. فالحضارة الفرعونية تكاد تكون من الحضارات النادرة التى لم تنته وباقية مع استمرار العرق المصرى، ومهما حاول المتربصون والرجعيون إفساد هذا التوارث.. تظل الكتابات والرسومات الفرعونية شاهدة أن اعيادنا مصرية واحتفالتنا واحدة فى قلب الوطن وإن أختلف الشكل أو الدين…فهل تعلم أن شجرة الكريسماس التى تزين معظم البيوت المصرية تزامناً مع بدء عام جديد ترجع اصولها للفراعنة أيضا
يقول الكاتب “سامى حرك” فى كتابه “الأعياد” أن قوائم الأعياد في معبد الملك رمسيس الثالث بمدينة هابو تشير إلى أن الإحتفاليات بـ “اوزوريس الشجرة” كانت تتم في يوم الخامس عشر من منتصف الشهرالرابع (كياك) من فصل الفيضان “آخت” – وذلك حسب القوائم التي ترجمها وأعدها العالم الألماني شوت سيجفريد -واحيانا يطلق على اوزوريس اسم اوزير- وكان المصريون يحتفلون كل عام في العاصمة المقدسة “أبيدوس” بعيد شجرة أوزيريس أمام معبده، ومراسم الإحتفال كانت تبدأ بالإتيان بأكثر الأشجار إخضراراً لنصبها وزرعها في وسط الميدان المكتظ بالرجال والنساء والأطفال والشباب واليتامى والفقراء والضعفاء إنتظاراً للهدايا والعطايا، حيث كان الكتبة يتلقون طلباتهم وأمنياتهم ويسجلونها على الشقافات والبرديات ويضعونها تحت قدمي (أوزير) الشجرة، فيحقق لهم كهنة المعبد أمانيهم بقدر الإمكان.
في كتاب “فجر الضمير” طبعة مكتبة الأسرة 1999 يقول عالم المصريات الكبير “جيمس هنري بريستيد” معلقا على رواية شجرة اوزوريس : “عاد هذا الرب إلى الحياة مرة أخرى متقمصاً جسم شجرة خضراء ولذا صار رمزاً لرجوع الحياة التي تنبعث ثانية بعد الموت، ونشأ عن ذلك الحادث عيداً جميلاً يقام كل عام تذكرة لتلك المناسبة وذلك برفع شجرة مقتلعة وغرسها في الأرض في محفل عظيم، وكان يتم تجميلها فتغطى بالأوراق الخضراء، وتلك الشجرة هي التي إنحدرت إلينا في صورة العيد الذي لا نزال نقيمه .
يقول “ويليام نظير” فى كتابه “العادات المصرية بين الأمس واليوم”” : آمن المصريون أن اوزوريس هو القوة التى تمدهم بالحياة وتعطيهم القوت فى هذه الدنيا، وأنه هو الأرض السوداء التى تخرج الحياه المخضرة فرسموه و قد خرجت سنابل الحبوب من جسده كما رمزوا اليه بالحياه المتجددة من خلال شجرة خضراء، وكانوا يقيمون كل عاماَ حفلاً كبيراً وينصبون فيه شجرة يزرعونها ويزينونها بالحلى كما يفعل الناس اليوم بشجرة الميلاد، وقد سرت عادة الاحتفال بالشجرة فى العالم من الشرق إلى الغرب، وأخذوا يحتفلون بالشجرة فى عيد الميلاد، و يختارونها من بين الأشجار التى تحتفظ بخضرتها طوال السنه كشجرة السرو و الصنوبر.
أصل الأسطورة
تعددت الأساطير حول مقتل اوزوريس على يد اخيه ست، فجاء فى أحدى صور أسطورة ايزيس وأوزوريس من رواية “بلوتارك” وصف الاسطورة والتى تحكى أن “اوزوريس ” كان ربا للخير ورمزا للخصب وانه ورث حكم مصر من “رع” و تزوج من ايزيس التى كانت خصبة وزواجهما مثمراً، بينما أختها “نفتيس” تزوجت من “ست” رب الشراسه والعنف وكانت عقيما لا تلد، فدبت الغيرة فى نفس “ست” من أخيه “اوزوريس “، وأراد به شراً فدبر مكيدة لإغتياله حيث أقام حفلا مع بعض أعوانه، وأعد تابوتًا جميلاً بحجم الملك الشاب “اوزوريس ” وحده، وزعم “ست” فى الحفل أن التابوت هدية منه لمن يكون التابوت على مقاسه، و هكذا قام كل الحاضرين بتجربة الدخول فى التابوت الى أن جاء الدور على “اوزوريس ” فما أن رقد فى التابوت حتى أغلق عليه “ست” الغطاء وألقى به فى نهر النيل، وبدأت قصة الشجرة برحلة ايزيس فى البحث عن جثة وتابوت زوجها فتتبعت النهر الذى أوصلتها مياهه بمياه البحر المتوسط حتى شواطئ لبنان (بيبلوس) فوجدت جثة زوجها وقد احتوتها شجرة “الطرفاء” الكبيرة بأوراقها الضخمة، فاعجبت الملكة بالشجرة وأمرت بقطعها واحضارها لتزيين القصر وعادت بجثة زوجها الى مصر داخل الشجرة وعاد معها الخير ونبتت المزروعات التى كانت جافة و أزهرت الورود الذابلة .
أما الأسطورة الأكثر شهرة بخصوص أوزوريس فهى تكلمة للأسطورة السابقة وهى أنه عندما علم ست بالأمر ذهب وقتل اوزوريس وقطعه إلى 42 قطعة ومن هنا جاء عدد أقاليم مصر ووضع كل قطعة فى أقليم وقد سعت ايزيس مرة اخرى مع الالهة نفتيس إلى تجميع جسد اوزوريس واستطاعوا شفائه مرة اخرى لكنه رفض العيش على الأرض وأراد العيش فى العالم الآخر كإله للموتى، وقامت إيزيس ونفتيس باحتضان الطفل حورس وتولوا رعايته حتى صار شابا.
والغريب أن هذا الجزء من الأسطورة الشهيرة يوجد أمثلة متطابقة منه في الثقافتين البابلية والإغريقية فقد سمى البابليون هذه الشجرة بشجرة الحياة وكانوا يعتقدون بأنها تحمل أوراق العمر في رأس كل سنة فمن إخضرت ورقته كتبت له الحياة ومن ذبلت ورقته أو سقطت فهو ميت في يوم من أيامها.
ارتباط الشجرة بعيد الميلاد:
لا يرتبط تقليد شجرة الميلاد بنص من الكتاب المقدس ومع ذلك ارتبطت الشجرة بعيد الميلاد وبدء العام الجديد عند المسيحيين وترجع اصول هذا التقليد إلى القرون الوسطى بألمانيا حيث كانت العادة لدى بعض القبائل الوثنية التي تعبد الإله (ثور) إله الغابات والرعد أن تزين الأشجار، ثم تقوم احدى القبائل المشاركة بالاحتفال بتقديم ضحية بشرية من ابنائها. وفي عام 727 م أوفد إليهم البابا بونيفاسيوس مبشرا، فشاهدهم وهم يقيمون احتفالهم تحت إحدى الأشجار، وقد ربطوا أبن أحد الأمراء وهموا بذبحه كضحية لإلههم فهاجمهم وانقذ أبن الأمير من أيديهم ووقف فيهم خطيباً مبيناً لهم أن الإله الحي هو إله السلام والرفق والمحبة الذي جاء ليخلص لا ليهلك. ثم قام بقطع تلك الشجرة ونقلها إلى أحد المنازل ومن ثم قام بتزيينها، لتصبح فيما بعد عادة ورمزاً لاحتفالهم بالخلاص وعيد ميلاد المسيح، وانتقلت هذه العادة بعد ذلك من ألمانيا إلى فرنسا وإنجلترا ثم أمريكا، ثم أخيرا لبقية المناطق، حيث تفنن الناس في استخدام الزينة بأشكالها المتعددة والمعروفة…