التواضع صفة من صفات المسيحية وهي صفة تحتاج اليها الانسانية وهي في الحقيقة نعمة من نعم الله علي البشرية. التواضع عكس الكبرياء الذي سري تياره الفتاك فيّ وفيك وفي كل البشرية والذي سري تياره الفتاك في ابوينا الاولين ادم وحواء ، والتواضع هو العلاج والدواء الناجح الذي يعتبر الكافي لرفع الانسانية التي سقطت في الكبرياء .
التواضع هو أنكسار النفس بدون مذلة وهو خشوع القلب بدون مهانة ، كما هي مسحة ملائكيه ترتسم علي المؤمن يشعر معها الغير بأن هذا الانسان هو ابن الله حقاً لاغش فيه فهناك الكثيرون لا يميزون او لايفهمون الفرق بين التواضع والذل ، او بين الكبرياء وعزة النفس….
والسؤال هنا لماذا حتمية التواضع؟
وللاجابة علي هذا التساؤل ، تري أن حتمية التواضع للاسباب الاتية:-
ولكي نعطي فهم لمعني “فساد طبيعتنا” فأننا سوف نعرض لرأيين هامين لشخصين من شخصيات الكتاب المقدس هما:
أولاً: شخصية أيوب الصديق
أجاب أيوب الصديق ” من هو مولود المرأه حتي يزكو والانسان حتي ينجو وفي موضع اخر يقول: الانسان الدود وابن ادم الرمه…..
وياأحبائي واذا كان ايوب الصديق الذي قال عنه الله انه ليس مثله في كل الارض، رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر ، يشهد عن نفسه هذه الشهادة ويظهر امام العالم أنه لاشي.
ثانياً : شخصية داود النبي :
ما رايك ياداود في هذا؟
أجاب داود وقال عن نفسه أنا دوده حقيرة لا انسان، عار عند البشر ومحتقر من الشعب ، وعندما طارده شاول قال له: يا سيدي من انت لتطارد؟ وعلي من أنت تخرج؟ أعلي كلب ميت أم علي حشرة حقيرة!.
وأن كان داود النبي والملك ذو المهابة والجمال والرجل القديس الطاهر الذي يقول عنه المسيح اني فتشت قلب داود بن يسي فوجدته رجلاً حسب قلبي، يعبر عن نفسه هكذا ، انه دودة ، وانه كلب ميت وانه حشرة حقيرة.
ياأحبائي – أثبت العلم انه توجد ملايين من العوالم كعالمنا هذا وان هذا العالم الذي نسبح فيه ، ليس في الحقيقة بالنسبة الى العوالم الاخري ، سوي قطرة من بحر ضخم زاخر بالماء ، ثم تعالوا لنتأمل الانسان بالنسبة الي هذا العالم الصغير.
أحبائي – أن أستطعتم أن تميزا النملة وهي تسير علي سفح الجبل، فنسبة النملة للجبل هي أقل من نسبة الانسان لخليقة الله…. أذ علام تتكبر أيها الانسان؟ ولماذا تنتفخ؟ أولايحق لك ان لاتضع أنفك في التراب؟
أننا في الواقع في مسيس الحاجة الي ان نتواضع امام الله حتي يرحمنا ، لاننا خطاه ، ولان طبيعتنا فاسدة ، افكارنا أرضية وميولنا شهوانية ، نظرتنا فاسدة وكما عبر في ذلك بولس الرسول بقوله” صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول، ان المسيح يسوع جاء الي العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا “(1 تي 1:15)
فيا للعجب!! أن بولس الرسول هذا هو نفسه الذي قال عنه المسيح لحنانيا: أنه سيكون لي اناءاً مختاراً ويقول عن نفسه “……. ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا” فاذا كان بولس الرسول هو أول الخطاة .. فمن نكون نحن؟!!
لقد كان القديس يوحنا ذهبي الفم:” بمن أشبهك أيها القلب؟ أتغلب النمر ف شراسته ، أم بالثعلب في مكره ، ام بالجمل في حقده ؟
من انا ؟ انا الانسان الضعيف , انا المكتوف اليدين , من منكم يقدر ان يزيد علي قامته ذراعا واحدا بل وليس منكم من يستطيع ان يجعل من راسه شعرة بيضاء او سوداء … فالانسان عاجز , فلو كان من استطاعته ان يفعل شيئا حق له ان يتكبر ..
– سئل القديس اوغسطينوس يوما من الايام فقال :
لوعرف الانسان مقداره لم يفخر المولي علي عبده
امس اللي سر بقربه يعجز اهل الارض عن رده
وقال القديس يوحنا ذهبي الفم :”من انت ايها الانسان الذي تشم الهواء بمناخيرك تفتخر بالحرير الذي هو صنع دورة صغيرة حقيرة , ام بالصوف الذي هو كساء حيوان ضعيف . ؟
3-الاقتداء بمخلصنا
كما يكون القائد هكذا ينبغي ان يكون الجندي ، وكما يكون السيد كذلك ينبغي أن يكون العبد ، وكما يكون المعلم كذلك ينبغي أن يكون التلميذ …
كيف كان يسوع المسيح ، وكيف عاش علي الارض ، وعلي أي خلق سلك يسوع المسيح في الهيئة الاجتماعية ، أخبرنا عنه الكتاب بهذه الكلمات : ” فتاي الذي أحببته ، حبيبي الذي سرُت به نفسي ،لا يصيح ولا يسمع أحد في الطرقات صوته ، فتيلة مدخنة لا يطفئ ،وقصبة مرضوضة لا يقصف ، حتي .. يخرج الحق إلي النصرة وعلي اسمه يكون رجاء الأمم .”
وقد قال هو عن نفسه : ” تعلموا مني فأني وديع ومتواضع القلب .”..
+ أن أبسط مثل ليبرهن علي تواضع ووداعة السيد المسيح وهو سماحة بأن يولد في مذود البقر … فكيف أن ملك السماء والارض لا يجد له مكاناً في الأرض يسند رأسه .؟
+ومثال آخر بسيط – وهو أن يسوع يغذي الارواح والاجساد وهو الذي امتدت اليه الأيدي لكي يخطفوه فيجلوه ملكا .. ماذا حدث ؟ يقول الكتاب المقدس :” أما هو فأنصرف من بينهم “.
+لو كان المسيح ممن يحبون العظمة لانتهز هذه الفرصة .. وليس زعماء العالم من يترك مثل هذه الفرصة تمر دون أن يترأس علي العباد .. ولكن السيد المسيح الوديع والمتواضع رفض كل هذا وفضل أن يعيش فقيراً ذليلاً ، كي يفتح باب الرجاء أمام الفقراء والمعوزين .
+ يسوع المسيح تنازل بتواضع ليس له مثيل حتي يحاكم أمام عبيده وياريت أن وقف عند هذا الحد … ولكن الاكثر من ذلك ، أن عبد عبيده أي عبد رئيس الكهنة يلطم يسوع علي خده بكبرياء وقسوة ، أما هو الوديع ، أما يسوع المتواضع فيجيبه بكل وداعة قائلا :” إن كنت قد فعلت ردياً فأشهد علي الردي ، وان كنت قد فعلت حسنا فلماذا تلطمني ؟ ” أنه جواب تتجلي فيه الوداعة بأكمل معانيها ايها المسيحي !! اوألم يكن يسوع قادرا علي أن يرفع عينيه فقط فتقف تلك اليد وتيبس في الحال !! أو ألم يكن يسوع قادرا أن يسمح فقط للسماء بأن تسقط ، والارض تفتح فاها لتبلع هذا الاحمق !! أنها الوداعة التي اتي السيد المسيح لكي يكملها ويعلمنا اياها ..
نتيجة التواضع :-
أن التواضع هو السلم للارتفاع وطريق النصرة .. فهيا لكي تتأمل فيما حدث لنبوخذ نصر الملك ، ملك بابل الذي أرتفع قلبه متكبرا ، وصعد إلي سطح منزله وقال : هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت الملك بقوتي واقتداري ولجلال مجدي …
والكلمة ماتزال في فم الملك وقع صوت عظيم من السماء قائلا : ” لك يقولون يا نبوخذ نصر الملك ، أن المُلك قد زال عنك ويطردونك من بين الناس ، وتكون سكناك مع حيوان البر ، ويطعمونك العشب كالثيران ، فتمض سبعة أزمنة حتي تعلم أن العلي يتسلط في مملكة الناس وأنه يعطيها لمن يشاء .. وقد نفذ الأمر في الحال وفي تلك الساعة ..
+وعند انتهاء الايام ..أنا نبوخذ نصر رفعت عيني إلي السماء فرجع اليّ عقلي وباركت العلي ، وسبحت وحمدت الحي الي الابد الذي سلطانه أبدي وملكوته الي دور فددور – وحسبت جميع سكان الارض كلا شئ ….
+ في ذلك الوقت – رجع الىّ عقلي وعاد الىّ جلال مملكتي ومجدي وبهائي …. وطلبني مشيري وعظمائي وتثبت علي مملكتي ، وازدادت لي عظمة كثيرة .
+ فالان أنا نبوخذ نصر اسُبح واعُظم وأحمد ملك السماء الذي كل أعماله حق وطرقه عدل – ومن يسلك بالكبرياء فهو قادر أن يذله
يا أحبائي … هل علمتم أن إلهكم إله مقتدر وهل علمتم أن سيدكم هو المتسلط في مملكة الناس .. وهل علمتم أيضا أن الانسان اذا تكبر فقد سلب حقا من حقوق الله عز وجل – وكأنه بهذا قد أشهر حربا علي مالك السماء والارض … أفتستطيع أيها الانسان الاحمق ان تحارب الله ؟! أو أن تتكبر علي سيدك !؟ أفتستطيع ايها التراب أن تقف أمام الله الذي الملائكة تخشع وتسجد أمامه !؟
أيها الاخ الحبيب – أتحسب أن الاتضاع فضيلة ؟ أي فضل للخادم أن اطاع سيده ، وأي فضل له أن قام بواجبه خير قيام وأن سلك متواضعا أمامه !!!
وهيا بنا لنتأمل شهادة بطرس الرسول :” أيها الأحداث أخضعوا للشيوخ وكونوا خاضعين بعضكم لبعض وتسربلوا بالتواضع ، لأن الله يقاوم المتكبرين ، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة …
فليعطينا الله نعمته ونقدم له كل طاعة … امين ….