عرفنا أمس أن رسالة هذا الأسبوع من الصوم المقدس هى “الأصغر والأكبر” بمعنى ان الرب يختار الصغار الضعفاء الخطاة التائبين ليرفعهم إلى الملكوت متى طلبوه بكل القلب، بينما الكبار المصابين بالبر الذاتى قد لا يبلغون الملكوت. وهذه الرسالة هى لب الصوم وهدفه الأول: الملكوت المشتهى الذى نسعى إليه يستدعى التواضع والتوبة.
النبؤة الأولى اليوم تأتى من (تكوين ٢٧: ١-٤٠)، وتحكى كيف حصل يعقوب، الأخ الأصغر، على بركة البكورية من أبيه اسحق. حقا حدث هذا بحيلة من أمه رفقة، لكن تشير القراءة بوضوع إلى أن يعقوب اشتهى نعمة البكورية منذ صباه حتى اقتنصها من أخيه عيسو الذى استهان بها، “أَخَذَ بَكُورِيَّتِي، وَهُوَذَا الآنَ قَدْ أَخَذَ بَرَكَتِي”. وقد قال السيد المسيح فى قراءة ليلة أمس “أولون يكونوا آخيرين وآخيرون يكونوا أولين”.
فى انجيل باكر من (لوقا ١٤: ٧-١٥) يوصى السيد المسيح بأنه إذا دعى أحد إلى وليمة فلا يأخذ الموضع الأول بل الأخير “بَلْ مَتَى دُعِيتَ فَاذْهَبْ وَاتَّكِئْ فِي الْمَوْضِعِ الأَخِيرِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ الَّذِي دَعَاكَ يَقُولُ لَكَ: يَا صَدِيقُ، ارْتَفِعْ إِلَى فَوْقُ. حِينَئِذٍ يَكُونُ لَكَ مَجْدٌ أَمَامَ الْمُتَّكِئِينَ مَعَكَ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ”. فالأكبر يصير أصغر، أما الأصغر فيرفعه الله إلى فوق.
يقول بولس فى رسالته إلى أهل (رومية ٨: ١٢-٢٦) “لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ. إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: يَا أَبَا الآبُ … فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ”.
إذا الله أعطانا نحن الصغار أن نرتفع إلى رتبة الأبناء، فلسنا عبيدا بعد—مثل الإبن الضال فى عبوديته فى أرض الخطية—بل قد صرنا أبناء بالرجوع إليه ندعوه يا أبا الآب ونكون ورثة أيضا كما الإبن الأصغر الذى لبس الحلة الأولى وحذاء فى رجليه وخاتم فى اصبعه.
الابركسيس من (أعمال الرسل ١١: ٢-١٨ ) يروى كيف خاصم أهل الختان بطرس لأنه دخل إلى رجال غلف وأكل معهم، ذلك بعدما كان بطرس قد بشر كورنيليوس وأهل بيته بالخلاص الذى بالمسيح. يشرح بطرس للأئمه كيف أن الرب قاده برؤية إلى أن يذهب إلى من دعوه غير مرتاب فى شئ، وحكى قائلا “فَلَمَّا ابْتَدَأْتُ أَتَكَلَّمُ، حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ كَمَا عَلَيْنَا أَيْضًا فِي الْبُدَاءَةِ … فَإِنْ كَانَ اللهُ قَدْ أَعْطَاهُمُ الْمَوْهِبَةَ كَمَا لَنَا أَيْضًا بِالسَّوِيَّةِ مُؤْمِنِينَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، فَمَنْ أَنَا؟ أَقَادِرٌ أَنْ أَمْنَعَ اللهَ؟” هكذا رفع الرب بنعمته الأمم غير المختونين—أي الصغار—إلى معرفة ملكوته. أما الكبار، أهل الختان، فقد تذمروا وخاصموا بطرس من أجل ذلك حتى شرح لهم الأمر.
انجيل القداس من (لوقا ١٦: ١-٩ ) يحدثنا عن وكيل الظلم، الرجل الذى وشى به أنه يبدد ثروة سيده فقرر سيده أن ينزع منه الوكالة. هذا الرجل قرر أن يعطى مديوني سيده “سماح” فى بعض ديونهم حتى متى عزل يقبلونه فى بيوتهم. “فَمَدَحَ السَّيِّدُ وَكِيلَ الظُّلْمِ إِذْ بِحِكْمَةٍ فَعَلَ … وَأَنَا أَقُولُ لَكُمُ: اصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ الظُّلْمِ، حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي الْمَظَالِّ الأَبَدِيَّةِ”. وهذا ما فعله الابن الضال، اذ بعمل توبته قُبِل أخيرًا فى المظال الأبدية التى لأبيه.