تواجه المستشارة الألمانية ميركل تهديدًا بفقد منصبها كمستشارة لألمانيا وبيدها تحديد مصير قرابة مليون لاجئ يحتمون بأوروبا التي لم تترك أي من دولها بابًا مفتوحًا لهم سوى ألمانيا، لتتلقى منهم أعدادًا تفوق 12 ضعف ما قررت بريطانيا قبوله في الخمس سنوات المقبلة بل ومنحهم حق اللجوء الكامل وجمع أسرهم في قرارات تبدو إنسانية لكنها تنطوي على تهديد بالانقلاب على ميركل إن لم تتراجع سريعًا لحماية قومية ألمانيا المهددة، وفقًا للمعارضين. فهل يؤثر ذلك على منصبها ومستقبلها السياسي
لا حدود لاعداد المهاجرين
بين 1 يناير و30 سبتمبر 2015 دخل أكثر من 710 ألف مهاجر إلى الاتحاد الأوروبي بحسب الأرقام التي نشرتها الوكالة الأوروبية المكلفة بمراقبة الحدود (فرونتكس)، وبموجب القواعد الحالية بألمانيا يمنح لكل لاجئ وضع اللاجئ الكامل تلقائياً ويحق له جلب أفراد أسرته للعيش معًا في ألمانيا، في تنازل من ألمانيا عن قواعد الاتحاد الأوروبي ودون أن تضع ألمانيا حداً أقصى لعدد اللاجئين المقبولين في المستقبل والذين تتوقع ميركل أن يصلوا بنهاية 2015 إلى مليون لاجئ.
وكانت وزارة الداخلية الألمانية قد أصدرت بيانًا بداية نوفمبر 2015 قالت فيه إنها تلقت 43071 طلبًا للجوء خلال شهر سبتمبر بزيادة 126% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وأشارت الوزارة إلى أن نحو 164 ألف شخص وصلوا إلى ألمانيا قد سجلوا بياناتهم في نظام التوزيع الأوليّ لطالبي اللجوء خلال هذا الشهر وهو ما يرفع إجمالي عدد اللاجئين الوافدين إلى البلاد هذا العام إلى 577 ألفًا.
ألزمت ميركل نفسها بسياسة لجوء ألمانية متساهلة وسط تزايد ضخم في عدد اللاجئين إليها من الحروب في أماكن مثل سوريا وأفغانستان، وعلى الرغم من تأييد الكثير من الألمان لموقف ميركل إلا أن ثقتهم في رجاحة القرار اهتزت في الأسابيع الأخيرة أمام الزيادة المطردة في الأعداد مع توقعات تفيد بأن مليون لاجئ أو أكثر قد يدخلون البلاد هذا العام إذا فتحت الأبواب على مصراعيها.
ميركل تسعى لتعديل القوانيين الاوربية الخاصة بطالبى اللجوء
تسعى ميركل لتغيير القوانين الأوروبية الحالية التي تنظم التعامل مع طالبي اللجوء وتعتبرها “بالية ويجب إبدالها بإجراءات جديدة” فهي ترفض نداء حكومتها ببناء سياج على الحدود لمنع وصول اللاجئين إليها وتنادي الدول الأوروبية بالتمسك بالقيم وإلا احتقار أنفسهم في المستقبل.
تسمى السياسة التي تتبعها ميركل اليوم “سياسة الأذرع المفتوحة” والوحيدة أمام اللاجئين بعد رفض باقي دول الاتحاد قبول اللاجئين، وتبدو ميركل متمسكة بموقفها رغم ارتفاع حدة الانتقادات لها في معسكر اليمين المحافظ الذي تقوده ورغم أن هذه السياسة قد تكلفها منصبها أمام موافقة الجميع في حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي مع وزير الداخلية بأنه “يجب وقف قرار لم شمل الأسرة”.
لم تعلن ميركل حتى اليوم عن خطتها “السرية” لاستقبال اللاجئين وهو ما شكك منتقديها في امتلاكها خطة من الأساس، فهي تردد “ألمانيا بلد يستقبل اللاجئين بود وأنا فخورة بذلك“، و”لا يمكن إغلاق الحدود ولم نوقف عملية استقبال اللاجئين“. وعن سؤال: كيف يمكن الحيلولة دون تدفق أعداد هائلة من اللاجئين إلى ألمانيا وأوروبا؟ أجابت: “ليس هناك معنى لتقديم وعود لا أستطيع الوفاء بها“، في لقاء أجرته القناة الأولى الألمانية مع المستشارة بعد تراجع شعبيتها بسبب الأزمة.
وفقًا لتقرير سري مسرب من الاستخبارات الألمانية تتوقع ألمانيا “إشاعة الذعر والفوضى واقتحام الحدود” إذا تم إغلاق جميع الأبواب إلى أوروبا في وجه اللاجئين، وجاء هذا التقرير بعد تحذير ميركل المؤخر من أن إغلاق الحدود في البلقان يمكن أن يؤدي إلى “صراع عسكري” بعد أن أغلقت المجر وصربيا وسلوفينيا ومقدونيا وكرواتيا الحدود في وقت واحد، مما يؤدى لتراكم اللاجئين وتدهور الوضع الإنساني لهم، وكحلٍّ للوضع تسعى ميركل للتشاور مع اليونان وتركيا لتوزيع عادل لأعداد اللاجئين لتفادي السيناريوهات الأبشع.
تهديدات سياسية تواجة ميركل
يتكون الائتلاف الحاكم في ألمانيا من الاتحاد المسيحي بزعامة المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” والحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة “زيغمار غابرييل” الذي يشغل منصب نائب المستشارة. ويتألف الاتحاد المسيحي من حزب ميركل المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي بولاية بافاريا برئاسة هورست زيهوفر وهم جميعًا من يقفون على ناصية مقابلة لميركل في سياساتها
هدد هورست زيهوفر” المستشارة الألمانية باللجوء الى القضاء الألماني وانسحاب حزبه من الائتلاف في حال لم تتخذ الحكومة إجراءات واضحة للحد من عدد اللاجئين الجدد في أول نوفمبر، مما دفع ميركل لعقد اجتماع طارئ لمعالجة الانقسام في أوساط التحالف الحاكم لكن فشل قادة الأحزاب في التوصل إلى اتفاق بشأن سياسة اللجوء.
تستمر تهديدات حكومة بافاريا لميركل بتحريك دعوى ضد الحكومة الاتحادية واتهامها بأنها تسببت في “استسلام دولة القانون” وتستند حكومة ولاية بافاريا برئاسة زيهوفر في دعواها إلى حجة تعدي الحكومة الاتحادية على حقوق الولايات الألمانية في التصرف عبر التراخي في التعامل مع أزمة اللاجئين.
وما أثار ضيق التكتل المحافظ الذي تتزعمه ميركل أيضًا هو عروضها لدعم مسعى تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي بعد تراجعها في موقفها الرافض منح أنقرة عضوية الاتحاد لكسب دعم تركيا في وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا حتى وصفت
صحف ألمانية ميركل بأنها متسولة أمام السلطان أردوغان في زيارتها لتركيا منتصف أكتوبر 2015.
كان رد الفعل الشعبي متوقعًا، فقد ارتفعت نسبة التأييد لترشيح زيغمار غابرييل زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك في الائتلاف الحاكم لمنصب المستشار من 17% مايو الماضي إلى 21% في نوفمبر. في المقابل، انخفضت نسبة التأييد لميركل لتولي فترة جديدة بصورة ملحوظة من 53 % إلى 45، وأظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة “بيلد أم زونتاج” الألمانية انخفاضًا في نسبة التأييد الشعبي الذي يحظى به حزب ميركل الديموقراطي المسيحي في حده الأدنى منذ عام 2013.
تلقت النيابة العامة بمدينة كارلسروه جنوب ألمانيا 400 دعوى قانونية ضد أنجيلا ميركل، بسبب فتحها حدود ألمانيا أمام اللاجئين، وبشكل يومي يتلقى المدعي العام هذه الدعاوى وتتضمن اتهامات تراوحت بين “تهديد النظام العام والمواطنين” و”مخالفة الدستور”، و”الخيانة العظمى”، جاءت أبرز هذه الدعاوى من محام عضو بحزب “بديل لألمانيا” اليميني والموصوف بالتطرف.
حزب “بديل لألمانيا AFD“: تأسس الحزب اليميني في الأصل لمعارضة حزم الإنقاذ الأوروبية والآن يركز على معارضة الهجرة ورفض الأجانب ويسعى لمتابعة أنجيلا ميركل قضائيًّا بتهمة تهريب البشر لأنها فتحت حدود البلد أمام اللاجئين
وكشفت نتائج أحدث استطلاعات الرأي في ألمانيا ارتفاعًا في شعبية حزب “بديل لألمانيا” المناوئ للاتحاد الأوروبي على خلفية النقاش الدائر في البلاد حول أزمة اللاجئين.
ويحشد الحزب كل أربعاء أنصاره في شوارع مدينة إيرفورت للتنديد بسياسة اللجوء التي تنتهجها حكومة المستشارة الألمانية في أعداد تتخطى 10 آلاف محتج.
والخيار أمام الأحزاب في النهاية ينحصر بين فعل ما هو ضروري لإنقاذ الأرواح أو التحول في الاتجاه الآخر والإطاحة بميركل وسياسة القلب العطوف.