الحب، هو أسمى قيم الوجود يغفل الكثير منا عن فهمه، على الرغم من أننا جميعًا نظل نسعى إليه ونبحث عنه، حتى من يتظاهرون أنهم يهربون منه.
فليس المقصود بحديثنا حب العاشقين وحده، بل الحب في مجمله وبخاصة في المجتمعات العربية، التي لا طالما عبثت عاداتها وتقاليدها بمشاعرنا الإنسانية.
فمنذ النشأة نجد أنفسنا محاصرين بعادات الترهيب لا الترغيب، وتقاليد العيب والمرفوض والمشوه والمنبوذ، والتي من الممكن ألا تتناسب مع الطبيعة التي خلقنا الله عليها.
نبدأ بتكوين الطفل النفسي والسلوكي والروحي قبل الجسماني، فعلى الرغم من أن الأبوين يكنون عشقا لأبنائهم، إلا أنهم يقتلون أجمل ما فيهم من مشاعر بكلمات السخط وقت الخطأ وتشويه ذواتهم في أعينهم، وربما يعايرونهم بعض الأوقات بعيوبهم الخلقية، وبنبذهم من المجتمع، بدلا من أن يسعون إلى رفع روحهم المعنوية بشكل مقنن، حتى لا يتعدى بالطفل إلى مرحلة الغرور والأنانية.
فمعظم الأسر في المجتمع العربي تسعى دائمًا لتشكيل أطفالهم كما يرغبون هم أو كما ينطبق مع دساتيرهم – استايل بوك العائلة – وكان من الأولى أن يزرعون ولا يقرون، يوجهون ولا يفرضون، يشجعون لا يحبطون، فالطفل إن حب ذاته أحب كل شيء حوله.
فالفرد إن شكل علاقة قويمة مع الله منذ نشأته لاختلف الأمر معه كثيرًا، فالحب ثقة والثقة نجاة وأمل، وما الحب سوى ثقة وأمل يجلبون النجاة.
ومن هنا يستطيع أن يبني علاقة قويمة مع أسرته ومجتمعه التي بات الكثير منا يرفضه بكل أشكاله، دون السعي لإصلاحه، بالرغم من أن ذلك دورنا في الحياة وغاية خلق الله لنا، عمارة الأرض، ومحاربة الفساد، حيث خلق الخير والشر، وعلى الإنسان أن يحب نفسه كي يحب الآخر، ليستطيع العطاء.
ولو كان غير ذلك، فليكن هناك سؤالًا، لماذ انتشرت ظاهرة الإلحاد في المجتمعات العربية مع انتشار جرائم القتل والفساد؟! ولا داع لمقارنتها بأخرى.
فالبناء النفسي والتكويني للشخصية، غير مهيأ لتحمل مثل تلك التغيرات الحياتية والجرائم، برغم انفتاح وثقافة بعضهم، غلا أنهم افتقدوا الحب، ففقدوا إيمانهم بكل شيء.
أما عن حب العاشقين فحار ذهني مع من يصرخون من غدر الحب وجراح وفراقه !! دائما ما كنت أتساءل “كلهم مجاريح طب يبقى مين الجارح”، والواقع أني كي أجيب على مثل ذلك التساؤل ألقيت نظرة إلى أعماق نفسي، ولما كنت بين هؤلاء برغم صدق مشاعر الطرفين.
وقد تبين لي أننا من نجرح أنفسنا بأيدينا قبل أن يجرحنا الآخر، حيث عدم التصالح شخصية المرأة مع الرجل منذ التنشئة، فما تطمح المرأة إليه يختلف تماما عما تم تربيتها عليه، وكذلك الرجل فاحتياجاته تختلف تمامًا زرع فيه من فكر ذكوري، ومن هنا يبدأ الصراع بين ما أرغب وما أفعل بشكل لا إرادي.
ومن ثم ينقسم المحبين إلى ثلاثة أقسام، قسم استطاع التصالح مع نفسه وأكمل حياته مع من أحب واختار، والثاني تهاوى وتلاشي ووقفت حياته عند نقطة معينة كما أن معظمنا لا يستطيع أن يخرج منها ويرفض العالم بأسره ويشعر بأنه المجني عليه المُدمر الذي يكرهه العالم بأسره ومن ثم يبادل العالم نفس الشعور.
أما عن القسم الثالث، فهو من يستطيع التصالح مع ذاته ومواجهتها بعوارها، ثم يعمل على علاجها وعلاج مشاكلها مع نفسها ومن بعدها مع من أحب، حتى وإن مضى كل منهما طريقًا آخر، فيُصبح قادرًا على إدارة ذاته ومشاعره مع الآخر، وعند تلك النقطة لا نستطيع القول إلا “علموا أولادكم الحب .. فهو أبقى”.