منذ بداية عملها منذ حوالي عقدين من الزمان، وتحديدًا منذ أول إرسال لها في مايو ١٩٩٦، قدمت المحطة الفضائية سات-٧ نفسها كنافذة لمسيحي المشرق الأوسط وشمال إفريقيا. عندما بدأنا في العمل، أدركنا أن واحدة من مشاكل مسيحي الشرق، وربما المشكلة الرئيسية التي تواجه الشرق، هي انعزال كل مجموعة دينية أو عرقية وتقوقعها على نفسها. وبدلاً من أن يصبح تعددنا الديني والأثني في الشرق سببًا للغنى والتميز، أصبح مصدرًا للتوتر الذي وصل في بعض مراحله إلى العنف المسلح. ولأن الإنسان عدو ما يجهله، فإننا رأينا أن فتح قنوات للتواصل بين المختلفين في الدين أو العقيدة سيبني مع مرور الوقت ثقة تتخطى أي مشاعر سلبية خلقتها عقودٌ من الجهل بالآخر.
والنافذة طاقة تفتح لتسمح بالتواصل بين طرفين، وليس من المفروض أن تكون منبرًا يتكلم فيه شخص عن نفسه طوال الوقت دون أن يستمع للآخر، وهي بالتأكيد ليست مكانًا ليطل الواحد منه ليتعرض لمعتقد الآخر بالنقد والهجوم. فإن كان الغرض هو مد جسور التواصل والتفاهم، فإنه لا يكفي أن يتحلى الحوار فقط بالتهذيب والمجاملات الشكلية، لكنه يجب أن يكون مهدّفًا في سعيه لتطوير لغة تأخذ احتياجات الآخر، ومفاهيمه المسبَّقة في الحسبان؛ إنها حالة حوار واعية لا يتم فيها ترديد نفس الكلمات والتعبيرات التي قد تكون مُبهمة لدى الآخر، لكنها تُطور من مضمون الحوار بناء علي تقييم صدى المفاهيم والكلمات التي يتم مشاركتها بين أطراف الحوار. إننا عندما نقدم أنفسنا كنافذة لمسيحي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ندرك في الحقيقة أننا نعمل لخدمة كل سكان المنطقة، لخدمة الإنسان بشكل أساسي، وليس لخدمة دين أو عقيدة بعينها.
وبهذا الفهم، انطلقت سات-٧، والتي تعمل تحت رعاية مجلس كنائس الشرق الأوسط ويمثله في مجلس إدارتها قادة من مختلف الطوائف المسيحية في العديد من الدول العربية، للعمل تحت سياسة واضحة التزمت بها منذ اليوم الأول وتتضمن:
1. أنها ليست قناة طائفية: لا تعمل لحساب طائفة أو مجموعة بعينها، لكنها تخدم الإنسان قبل كل اعتبار
2. ليست قناة سياسية: لا تدعم توجهًا أو حزبًا أو سياسة بعينها، لكنها تشجع الإنسان على أن يكون فاعلاً في مجتمعه، حرًا في اختياراته إلا من قيود احترام الآخر وحقه في الاختيار حتى تبنى المجتمعات على قيم المساواة والتراحم بين أبنائها
3. لا تتعرض لمعتقد أو دين بالنقد والهجوم: فالهدف ليس السجال الذي لا يقود إلا للفتنة والكراهية، ولكن بالأحرى إلى الاستماع الحر كلٌ للآخر حتى ُيزيل نور التفاهم ما يحمله بعضنا لبعض من تصورات غير صحيحة
4. منبرًا للكنيسة: أردنا من خلاله أن نفتح طاقة في الأسوار العالية التي أحاط بها مسيحيو الشرق أنفسهم، أو اضطروا أحيانًا إلى الاستتار خلفها. أردنا أن ترى مجتماعاتنا الكنيسة وهي تقدم رسالة الحب والسلام، ويصلي أفرادها من أجل خير ورفعة أوطانهم ويعملون لخيرها
5. خدمة الإنسان ككل: روحًا وجسدًا، من خلال رسالة إعلامية مستنيرة تسعى لمناقشة مشاكل الإنسان ومساعدته على التعامل معها. فقامت سات-٧ بتبني حملات ضد العنف، الأمية والتمييز بكافة صوره. وناقشت من خلال برامجها المتنوعة، والي استضفنا فيها قادة دينيين مسلمين ومسيحيين، ومفكرين وفنانيين من كافة الدول العربية، المشاكل التي تواجه منطقتنا وسبل الخروج من الأزمات التي نمر بها، ليعود الإنسان العربي لما كان عليه من تحضر ورقي.
ومنذ بداية عملها، ألزمت سات-٧ نفسها بالتدقيق في مصادر دخلها، والتي تقوم أساسًا على تبرعات المؤمنين برسالتها من مختلف دول العالم. وهذا يشمل:
1. عدم بيع أي مساحة للعرض في جول برامجنا: برغم التكلفة العالية التي تحتاجها أية محطة فضائية، فإن سات-٧ التزمت منذ البداية بأن تكون مسؤولة عن جدول برامجها. وحتى في أحلك الأيام التي مرت علينا، لم نسمح يومًا لمن يريد أن يوصل رسالة معينة أن يستعمل القناة كمنبرًا له بأي مقابل، والتزمنا أن يدير القنوات وينتج لها برامجها أبناء المنطقة.
2. الشفافية أمام من يدعموننا: إن المؤسسات التي لا تسعى للربح قد تقع في فخ الاتهام باستغلال داعميها. لذا التزمنا من اليوم الأول بالشفافية في إدارة مدخولاتنا، حيث يقوم مجلس الإدارة الدولي باعتماد الميزانية السنوية وحين اعتمادها تقوم شركات عالمية للمراجعات الحسابية بمراجعة كافة الحسابات وتقديم تقرير سنوي لمجلس الإدارة ولشركائنا حول العالم. إن هذه الشفافية والجدية في مراجعة حساباتنا المالية لم تكسبنا فقط ثقة من من يدعموننا، ولكن أيَضا الكثير من الهيئات العالمية والتي تُعرف بشدة تدقيقها فيمن تتعامل معهم أو تساعدهم في مشاريعهم التنموية، حيث عملت سات-٧ مع العديد من هذه الهيئات لتقديم برامج تلفزيونية حول مشاكل الإعاقة، المرأة، التعليم وغيرها.
3. السعي لاستغلال مواردنا المحدودة بكفاءة: حيث أننا نعلم أن من ائتمنونا على تبرعاتهم، والتي تكون أحيانًا بسيطة في قيمتها عظيمة في معناها، وثقوا أننا سنستغلها بأفضل شكل ممكن لتوصيل رسالة المحبة والأمل لكل من يشاهدوننا.
إن الحديث عن هذا العمل الذي قارب على عامه العشرين يطول، والمحطة التي بدأن في عام ١٩٩٦ بساعات بث قليلة وإمكانيات متواضعة كبرت لتصبح شبكة من خمس قنوات تعمل على خدمة الشرق الأوسط كله. وفي رحلتنا، وُفِقنا إلى التعاون مع شركاء في كافة الدول العربية وحول العالم ساندونا لتصل رسالتنا إلى ملايين من المشاهدين في كل العالم العربي كسبنا ثقتهم ونسعى إلى المزيد في خدمتهم. والعمل الذي بدأ بأفراد معدودين نمى ليصبح قائمًا على خبرة كثيرين ممن يعملون معنا، سواء في استوديوهاتنا ببيروت، أو من خلال خدمات المركز الإعلامي الإنجيلي التابع لرئاسة الطائفة الإنجيلية في القاهرة.
إن ما يشغل تفكيرنا ونحن نعمل في كل يوم هو كيف نقدم رسالة إعلامية تقرب الإنسان من أخيه الإنسان وتبني جسورًا من التواصل بين أفراد المجتمع، جسور عمادها الحب والاحترام المتبادل والسعي المخلص إلى رفعة الإنسان وكرامته بعيدًا عن شيطنة الآخر واختزاله في صور نمطية حان الوقت لمواجهتها بدلاً من السكوت عنها؛ فليس الحل في الصمت والمُداراة، إنما في فتح النوافذ لنتواصل ويزيل نور المعرفة ظلمة الخوف أحدنا من الآخر.
*مدير البرامج في قناة سات-7