قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(558)
الآن مصر في طريقها لانتخاب برلمانها الأول بعد 30يونية,وهو البرلمان الذي يترقبه جميع المصريين بكل اهتمام نظرا للمسئوليات التاريخية الملقاة علي عاتقه لتفعيل الدستور الجديد وتحقيق الإصلاح التشريعي الذي طال انتظاره…ويأتي الأقباط في صدارة المصريين الذين لهم تطلعات أساسية في هذا السياق,فبالرغم من عودة الأمل لهم في غد أفضل بعد 30يونية وبالرغم من إقرار دستور يرسخ المساواة بناء علي المواطنة وبالرغم من تضمين الدستور تكليف لأول برلمان منتخب لإصدار التشريعات الميسرة لبناء وتوسيع وتدعيم الكنائس…إلا أن الأقباط مازالوا لم يحصلوا علي شئ في هذا الإطار انتظارا لمجي البرلمان…ويتساءل البعض:ألا يرسخ الدستور الجديد مبادئ جديدة وتوجهات جديدة وقناعات جديدة اتفق عليها المصريون؟…لماذا تظل الأجهزة الرسمية-إدارية أو أمنية-علي نفس عنادها وبيروقراطيتها وصلفها فيما يخص أمور الكنائس؟…هل تناست حقوق المواطنة والمساواة بين المصريين؟…ألن يحركها سوي التشريعات المناط بالبرلمان أن يصدرها؟…كل تلك الأسئلة وغيرها تبقي معلقة تبحث عن إجابات بينما الأقباط يكتمون إحباطهم وحيرتهم بل وعتابهم علي الرئيس السيسي الذي بادر بإصدار كم هائل من القرارات الجمهورية استغلالا لسلطاته في غيبة البرلمان,لكنه أبدا لم يصدر أيا من تلك القرارات لإصلاح الخلل التشريعي المسكوت عنه فيما يخص بناء وتوسعة وتدعيم وترميم الكنائس…ألا يدرك الرئيس-أو مستشاروه أو الإدارات التابعة له-أنه بذلك يستمر يقبض في يديه علي واحدة من أسوأ التشريعات البغيضة التي تفرز بين المصريين في شأن دور العبادة؟…ألم يكن جميلا منه أن يبادر بالتخلص من تلك السلطة البائسة التي تجعله متحكما في قرارات بناء الكنائس بينما المساجد تتمتع بالتيسيرات كلها؟!!
لكن يبدو أن قدر الأقباط يحتم عليهم تجرع المرارة وانتظار البرلمان لإدراك ذلك.
وبناء علي استمرار هذا الواقع المريض الذي يتنافي مع التشدق بمصر الدولة المدنية الحديثة التي تكفل المساواة والحقوق والحريات لجميع مواطنيها,أجدني مضطرا لأعود لأكتب عن المشاكل المرتبطة ببناء الكنائس وترميمها وتوسعتها والممارسات الإدارية والأمنية البائسة التي لم تتغير حتي يومنا هذا في تعاملها مع الأوراق ولجوئها إلي التسويق والمماطلة للحيلولة دون إتمام الأعمال المطلوبة…وفي هذا السياق تقدموطني في هذا العدد تحقيقا بعنوانجولة جديدة من المماطلة نحو ترميم كنيسة أثرية مهددة بالانهيار حول مأساة كنيسة مارجرجس-بني بخيت-محافظة بني سويف.
من يقرأ التحقيق يعتقد أنه كتب في عهد نظام مبارك قبل ثورة 25 يناير 2011,أو حتي في ظل اختطاف مصر في عهد مرسي والإخوان قبل 30يونية2013,لكنه أبدا لن يتصور استمرار هذا الواقع المريض بعد 30يونية وحتي الآن لمجرد حجة واهية تقول:انتظروا البرلمان لتحصلوا علي حقوقكم أيها الأقباط !!…ومن يعتقد أن كلامي هذا فيه تجاوز أدعوه لقراءة التحقيق ليتبين الحقائق بنفسه.
وأيضا لمن يعتقد أن مشكلة كنيسة بني بخيت مشكلة فردية,دعوني أعرض ملامح مشكلة أخري في هذا الإطار أوراقها أمامي وتتصل بمشروع مبني لرعاية المسنين والمرضي والمعاقين تابع لكنيسة السيدة العذراء مريم بتوريل بالمنصورة…والمشروع هدفه إنساني لخدمة المحتاجين من كبار السن والأرامل-مسلمين ومسيحيين-كما يقول القائمون عليه,بالإضافة إلي إيواء واستضافة المرضي القادمين للعلاج بمستشفيات جامعة المنصورة من خارج المحافظة والذين لا تسمح قدراتهم المادية بالإقامة في الفنادق,هذا بالإضافة إلي رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين…والواضح من أهداف المشروع أنه لا غبار عليه ويلزم تيسير إجراءات ترخيصه وبنائه,إلا أن القائمين عليه لا يدركون أن به نقيصة واحدة هي تبعيته لكنيسة,وهنا تتعقد الأمور وتتجمد الأوراق وتصاب الأعمال بالشلل(!!)…ولست أدري لو كانوا جردوا المشروع من علاقته بالكنيسة أو حتي اتفقوا مع أقرب مسجد أن يتقدم عنهم بالأوراق هل كان ما أصاب المشروع سيتبدل؟!!…تعالوا معي في جولة مع الأوراق:
00بعد استيفاء جميع الإجراءات اللازمة لإقرار المشروع من النواحي التخطيطية والاشتراطات البنائية صدر للمشروع ترخيص البناء رقم36لسنة2015/2014 ينص علي بناء مبني مكون من بدروم وأرضي وأربعة أدوار علوية بالإضافة إلي خدمات علي مساحة لاتتجاوز 25% من المساحة البنائية بالسطح,وبتاريخ2015/8/24 تم إخطار الجهة الإدارية بالبدء في البناء طبقا لما ينص عليه القانون وبدأت أعمال تنفيذ الأساسات بإدخال ماكينه حفر الخوازيق للموقع.
00أثناء تنفيذ الخوازيق وبتاريخ2015/9/10 وبسبب سقوط أحد ارتكازات آلة الخوازيق في بيارة لم تكن ظاهرة علي سطح الأرض مال ذراع الآلة مصطدما بجدار أحد المنازل المجاورة للموقع,مما استدعي قيام إحدي شاغليه بتحرير محضر في قسم الشرطة خوفا علي المنزل من الضرر.
00تم استدعاء القائمين علي المشروع من جانب نائب مأمور القسم في اليوم التالي مباشرة وإخطارهم بكتابة تعهد بإيقاف العمل بالموقع,وعند استفسارهم عن صدور قرار رسمي بإيقاف الأعمال تبين عدم صدوره بينما قال لهم نائب المأمور:أنا بانفذ تعليمات!!وبناء عليه رفضوا كتابة التعهد المطلوب وتوجهوا في2015/9/13 إلي الحي الذي أصدر الترخيص لاستطلاع الأمر حيث أخبرهم مدير الإدارة الهندسية أن أوراق الترخيص سليمة وأنه لا داعي لإيقاف الأعمال وأن الأمر لا يتطلب سوي التصالح مع محررة المحضر في قسم الشرطة.
00ذهب القائمون علي المشروع إلي قسم الشرطة بصبحة السيدة محررة المحضر لتحرير محضر التصالح فإذا بهم يفاجأون برفض قسم الشرطة تحرير المحضر المطلوب!!!…حيث أفاد نائب المأمور أنالصلح غير مجد والمشكلة يلزم حلها لدي الحي الذي أصدر الترخيص!!!
00هنا أدرك القائمون علي المشروع أنه يتم التلاعب بهم من جانب قسم الشرطة فتوجهوا بتاريخ 2015/9/16 لمقابلة محافظ الدقهلية وتم اللقاء بحضور سكرتير عام المحافظة ومدير الإدارة الهندسية بالحي,وبعد فحص جميع أوراق المشروع انتهي الجميع أن الأوراق مستوفاة وسليمة.
لكن قبل أن ينفض الاجتماع بالتصريح باستئناف الأعمال أثار مدير الإدارة الهندسية بالمحافظة مشكلة جديدة أخطأت فيها الإدارة ولا ذنب للمشروع فيها,وهي أن ترخيص المبني ينص علي أن المبنيإداري بينما بيان صلاحية المشروع الذي صدر قبل الترخيص ينص علي أن المبنيسكني وأن في ذلك مخالفة تستدعي إيقاف الأعمال!!!…وطبعا لكم أن تتخيلوا موقف الإدارة عندما تتعنت وتبدي صلفا ويعوزها الحياء إزاء علاج خطأ وقع فيه موظفوها ولا تسرع بعلاجه بل تصر علي أن يتحمل تبعاته من لا ذنب لهم فيه…وأظن أننا هنا نقف أمام مهزلة شهيرة من مهازل الإدارة المصرية!!!
00التفاصيل بعد ذلك مضحكة ومخجلة ومهينة وتفضح تربص الإدارة بالمشروع واستباحتها فعل أي شئ في سبيل عرقلته …وهنا أعود لأقول يبدو أن قدر الأقباط تحمل استمرار الممارسات السخيفة القديمة ذاتها حتي يأتي البرلمان لإصدار تشريعات إنصافهم…لكن إن كانت النفوس المريضة باقية في مواقعها لاتتغير, هل ستغيرها التشريعات؟!!!