ما أحلى الحب في معناه وفي تأثيره على النفس، يعطي فرحاً للمحب قبلالمحبوب. كل انسان يحتاج ان يُحَب و ان يُحِب فمن ذا الذي يستطيع ان يعيش بدون الحب؟
و لا يمكن لإنسان ان يستطيع وصف او تعريف معنى المحبة تعريفا شافيا كاملا.
حين اراد القديس بولس ان يعرف المحبة لم تسعفه الكلمات فنفى عنها كل ما ليس فيها وكل ما يمكن ان يشوه جمالها فقال: “المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر و لا تنتفخ و لا تقبح و لا تطلب ما لنفسها.”
و كبحر واسع لا نهاية له قال عنها سليمان الحكيم “المحبة قوية كالموت مياه كثيرة لا تستطيع ان تطفىء المحبة و السيول لا تغمرها” (نش 8 : 6-7)
هذه هي المحبة البشرية بصفة عامة التي لا يمكن أن نصل إلى وصف كامل لها واقصد بالبشرية أي التي من البشر سواء نحو الله او نحو بعضهم البعض. ان كان هذا هو الحال فيها فكم يكون الحال حين نتأمل محبة الله للبشر. القديس غريغوريوس عبر عنها و قال: ليس شىء من النطق يستطيع ان يحد لجة محبتك للبشر. بمعنى انه لا توجد كلمات تستطيع ان تعبر يا رب عن حبك للبشر الذى يشبه البحر الكبير. من يستطيع ان يكون له إلمام كامل بهذه المحبة لأن الله لا يحب فقط بل هو اصل وجوهر المحبة، هو المحبة الكاملة المطلقة “الله محبة” (1يو 4 : 16)
هذه المحبة تدخل بالانسان الى السلام الكامل اذ يشعر فعلا بفرح سماوي يدخل إلى القلب و يكون كطفل يطفر مترنماً “تجعل مطالع الصبح و المساء تبتهج تعهدت الارض و جعلتها تفيض تغنيها جداً. سواقى الله ملآنة” (مز 65 : 9). محبة ربنا ترفعنا الى افراح السماء او كما يسميها القديسون مذاقة الملكوت و هذه يكفيك ان تذوقها مرة بعدها ستجد ان كل افراح العالم مهما اعطتنى من صخب لا تساوى شيئاً. يقول الشيخ الروحانى عن تأثير هذه المحبة على القديسين: ساعة ما ادركوا شهوة حب الوحيد ما صبروا ان يبقوا فى افراح العالم لحظة واحدة.
على من يحب ان يدخل الى عمق آخر من اعماق محبة الله عجب من عجب و هو محبة الله للخطاة والتى اعتبرها رؤساء اليهود تهمة انه “محب للعشارين و الخطاة” (مت 11 : 19), ربما من السهل ان نصدق حب الله لشخص بار مثل دانيال الذى قال له الملاك “لأنك انت محبوب” (دا 9 :23) و لكن البعض لا يستطيعون ان يصدقوا محبة الله للنفس الخاطئة و يظل الانسان يتساءل هل الله ممكن ان يحبنى انا؟؟ يحب الكل لكن انا؟!! مثل القديسة بائيسة عندما سألت القديس يوحنا القصير عندما دعاها للرجوع: هل لمثلى توبة؟
هل انا الخاطى مقبول بل و الاكثر محبوب عنده؟؟
شىء صعب على الانسان البعيد عن الله ان يصدق هذا لأن مشاعره الضعيفة لم تجرب كيف تحب من أخطأ اليه فيستبعد ان الله يمكن ان يحب من أخطأوا اليه وايضاً لم يجرب من البشر محبة بهذا المقدار الغامر. لكن مجرد ان يتلامس مع رأفة الله ينبهر بهذا الحنان الفائض.
إن الرب يسوع لم يأت لأجل القديسين بل جاء لكى يخلق قديسين “لم آت لأدعوا ابراراً بل خطاة الى التوبة” (مت 9 :13), جاء ليخلق من ابن الرعد يوحنا الحبيب ومن لاوى العشار متى الانجيلى و من شاول القاسى بولس القديس و من سمعان بن يونا القديس بطرس ويحول الهارب مرقس الى الشهيد مرقس البشير. حقا انها معجزة الحب التى لم تكتف بأن تجتذب هؤلاء الى التوبة بل صاروا هم كُتَّاب العهد الجديد.