أعتمد مؤخرا مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة التقرير الخاص بالاستعراض الدوري الشامل لحالة حقوق الإنسان في ليبيا، والذي يأتي في مرحلة بالغة الأهمية تستوجب إمعان النظر في سجل حقوق الإنسان الخاص في ليبيا، لاسيما في ضوء الانتهاكات التي وقعت خلال الأربع سنوات ونصف الأخيرة. كانت 85 دولة عضواً بالأمم المتحدة قد قدمت توصياتها لليبيا خلال عملية الاستعراض، علاوة على ثمانِ دول أخرى أرسلت أسئلة مسبقة للوفد الممثل لليبيا، والذي تلقى إجمالا 202 توصية تتعلق بحالة حقوق الإنسان في البلاد.
وترحب المنظمات بالتوصيات المطروحة، والتي تعكس في كثير منها مخاوف رئيسية ذات صلة بحقوق الإنسان، نحث دولة ليبيا على قبول كافة التوصيات، ووضع خطة وطنية لتنفيذها في إطار جدول زمني واضح. ونخص في ذلك التوصيات المتعلقة بـالامتثال لمبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني أثناء النزاع الحالي، بما في ذلك مكافحة الإرهاب ، وإشراك منظمات المجتمع المدني بشكل فعال و مباشر في تنفيذ التوصيات؛
باﻷضافة الى صياغة جدول أعمال يتعلق بتحقيق العدالة الانتقالية ويضمن المساءلة، وفقا لتحقيقات فورية وشفافة في حالات انتهاك حقوق الإنسان بهدف مساءلة جميع الجناة؛ ووضع حد لثقافة الإفلات من العقاب، وتوفير إنصاف حقيقي للضحايا وجبر الضرر الواقع عليهم ، والتعاون مع بعثة التحقيق التابعة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والمكلّفة بالنظر في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت خلال عام 2014؛ مع توفير الحماية اللازمة للإعلاميين ونشطاء المجتمع المدني.
ياﻷضافة الى تعزيز مشاركة المرأة في المجتمع وحمايتها من جميع أشكال العنف؛ وضمان حقوق النازحين داخل البلاد في العودة إلى مواطنهم الأصلية؛ ووضع حد للتمييز على أساس الجنسية والعرق والدين؛ و انضمام ليبيا إلى الاتفاقيات الدولية التي لم تصدق عليها حتى الآن؛ مع إلغاء عقوبة الإعدام.
وتقدّر المنظمات لدولة ليبيا تقديمها التقرير الوطنى إلى آلية الاستعراض، ونُثني أيضاً على الملاحظات الختامية ، والتي تفيد بأن الدولة تأمل بلوغ مستوى أفضل في تعزيز حقوق الإنسان، والتعاون مع منظمات المجتمع المدني الليبي والمنظمات الدولية، إلا أن تقاعس ليبيا عن إجراء أية مشاورات مع منظمات المجتمع المدني الليبي بغية معرفة المخاوف التي تعتريها قبل تقديم تقرير الدولة مازال مخيباً للآمال.
فلقد أخفقت الدولية الليبية منذ أول دورة للاستعراض الدوري الشامل لملفها الحقوقي في نوفمبر 2010 في تنفيذ الغالبية العظمى من التوصيات التي أعلنت قبولها، مع الأخذ في الاعتبار التحديات الأمنية المشار إليها في تقرير الدولة، بما فيها استخدام الأسلحة على نطاق واسع، وخروج الجماعات المسلحة عن سيطرة الدولة والهجمات الإرهابية، إلا أن السلطات الليبية قد اعترفت بالانتهاكات الجسيمة التي ارتُكبت منذ عام 2011 والتي ساهمت إلى حد كبير في تدهور حالة حقوق الإنسان والأوضاع الأمنية. ومن ثم ينبغي اتخاذ خطوات جادة للتصدي لتلك الإخفاقات، فضلاً عن وضع حد للانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، وضمان مساءلة من يتحملون مسئولية ارتكاب تلك الجرائم.
ويسرد تقرير الدولة عدداً من التطورات التشريعية التي من شأنها تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها -على حد وصف التقرير- إلا أن بعض التطورات التشريعية المشار إليها ورد ذكرها بشكل انتقائي، وبقيت في كثير من الاحيان دون تنفيذ، أو كانت غير متوافقة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
في هذا السياق، تحث المنظمات ليبيا على قبول وتنفيذ التوصيات المقدمة لها في إطار الاستعراض وخاصة المتعلقة بوضع حد للتعذيب والاختفاء القسري والتمييز ، ويُعتبر سن القانون رقم 10 لسنة 2013 المتعلق بتجريم التعذيب والاختفاء القسري والتمييز من أبرز التطورات التشريعية التي شهدتها ليبيا، إلا أن ثمة إشكاليات مقلقة تتعلق بتعريف التعذيب الوارد في نص المادة 2 من هذا القانون، والذي لا يتماشى في بعض جوانبه مع التعريف الوارد في المادة 1 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (اتفاقية مناهضة التعذيب) التي انضمت إليها ليبيا كدولة طرف. إذ تقصر المادة نطاق تطبيق القانون على الأفعال التي تُرتكب ضد المحتجزين، وبالتالي يخفق القانون في توفير أساس سليم يمكن الاستناد إليه لبناء إطار شامل لمناهضة التعذيب بشكل عام. ناهيك عن أن ليبيا لم تصدّق على البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، رغم الحاجة الملحة لضمان إمكانية قيام مراقبي حقوق الإنسان الوطنيين والدوليين بزيارات منتظمة إلى أماكن الاحتجاز.
ومن ثم يصبح من الأهمية بمكان أن تعتمد دولة ليبيا إستراتيجية شاملة لمكافحة التعذيب، إذ تشير أحدث الأرقام إلى أن 53٪ من الأشخاص المحتجزين في ليبيا تعرضوا لتعذيب، كما نؤكد في هذا الصدد على التوصيات المقدمة إلى ليبيا بحظر عقوبة الإعدام بهدف إلغائها في نهاية المطاف .
وتدابير العدالة الانتقالية حيث كان تقرير الدولة قد أشار إلى اعتماد القانون رقم 29 لسنة 2013 بشأن العدالة الانتقالية باعتباره إنجازاً، إذ يتضمن نصاً يقضي بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ويسن تدابير لمعالجة مسألة الاحتجاز غير القانوني لبعض الأشخاص لأسباب تتعلق بالنزاع في مرافق احتجاز تديرها الميليشيات. ورغم أن القانون يُعتبر من القوانين الأساسية في العملية الانتقالية التي تمر بها ليبيا، إلا أن الموعد النهائي المحدد في 2 آذار/مارس 2014 لنقل جميع المعتقلين إلى عهدة الدولة وإطلاق سراح من لم تُوجّه إليهم أي تهم قد انقضى بالفعل دون اتخاذ أي إجراء ودون وضع أي خطة. ولم يُحرز أي تقدم ملموس في تنفيذ هذا القانون.
بالأضافة الى حرية التجمع السلمي حيث يشير تقرير الدولة إلى التقدم المحرز في مجال حرية التجمع، مؤكدا على أن تلك الحرية مكفولة القانون رقم 65 لسنة 2012 بشأن تنظيم حرية التجمع، علما بأن المواد 4 و5 و10 من هذا القانون تفرض قيوداً تعسفية على المتظاهرين، تتضمن عقوبات جنائية على التجمعات التي تخالف المتطلبات الإجرائية للقانون مثل شرط الحصول على تصريح مسبق من أجل تنظيم أي تجمع.
وتداركاً لأوجه القصور في هذا القانون يجب على دولة ليبيا أن تدخل تعديلات على بعض مواده وأن تنفذ كذلك التوصيات الصادرة عن “استونيا وفرنسا ولاتفيا” بتعديل أو إلغاء كافة الأحكام الواردة في قانون العقوبات الليبي التي تفرض قيوداً على حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، وخصوصا تلك التي تنص على عقوبة الإعدام.
وفيما يخص حقوق المرأة ،ركزت معظم التوصيات المقدمة في إطار حقوق المرأة حول اعتماد إستراتيجية وطنية لمكافحة العنف ضد المرأة، والنهوض بمشاركة المرأة في الحياة السياسية والحياة العامة، وإعادة النظر في جميع القوانين والممارسات التي تنطوي على تمييز على أساس الجنس، وصياغتها على نحو يتماشى مع المعايير الدولية.
أن القوانين الحالية لا تجرم أي عمل من أعمال العنف ضد المرأة على نحو كاف، كما يعتبر العنف الجنسي جريمة ضد شرف المرأة وليس ضد كينونتها الجسدية. وقد فشلت الدولة في ليبيا حتى الآن في القيام بدور فعال لقضاء على العنف ضد المرأة، الأمر الذي اتضح جليا في إحجام ممثليها عن التوقيع على البيان المشترك الداعي إلى إنهاء العنف القائم على نوع الجنس أثناء الدورة السابعة والخمسين للجنة المعنية بوضع المرأة. ويشكّل هذا الإحجام تقاعساً مخيباً للآمال من جانب دولة ليبيا وخطوة للوراء، جاءت بعد قرار ليبيا بالانضمام إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الأمر الذي حظي بتقدير وثناء واسع النطاق.
وفي هذا السياق تحث ليبيا على تنفيذ التوصية التي طرحتها دولة اليونان بسحب التحفظات التي أبدتها ليبيا على الاتفاقية، والموافقة على توصية البرتغال الخاصة بوضع القانون رقم 24 لسنة 2010 موضع التنفيذ، بحيث يُسمح للمرأة الليبية بمنح جنسيتها لأطفالها، أسوة بالرجل الليبي.
وتنعكس هذه المعاملة التمييزية أيضاً في التوصيات الدستورية، حيث تنص المادة 10 التي تحكم المسائل المتعلقة بالجنسية وتنظم عملية الحصول على الجنسية الليبية وإلغائها، على منح الجنسية الليبية عن طريق أب ليبي فقط، بما يخالف ما ينص عليه الدستور ذاته من تحقيق المساواة بين الجنسين ، ناهيك عن القيود الدينية والمجتمعية المفروضة على المرأة في ليبيا من وطأة التمييز الذي مورس ضدها على مدى السنوات الثلاث الماضية، فقد أصدرت دار الإفتاء أكثر من 35 فتوى في الفترة من 2013 وحتى 2015 كلها مقيدة لحقوق المرأة، تتضمن بعضها منع المرأة من السفر دون مرافق رجل. ورغم أن تلك الفتاوى غير ملزمة من الناحية الفعلية، إلا أنها مؤثرة في المجتمع الليبي، إلى حد أن نفذتها بالفعل مؤسسات ليبية على نحو تعسفي.
أما حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ، فيسلط تقرير الدولة الليبية الضوء على انضمام ليبيا إلى الاتفاقية الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، في حين أن ليبيا لم تودع فعلياً بعد صك التصديق على تلك الاتفاقية، ولم يشهد الأشخاص المعاقون في ليبيا أي تقدم يُذكر -إن لم يكن أي تقدم على الإطلاق- فيما يتعلق بحقوقهم والعلاج الذي تستدعيه حالتهم، منذ تقديم توصيات الاستعراض الدوري الشامل السابق إلى ليبيا.
وتناشد المنظمات دولة ليبيا بالاعتراف بحقوق المهاجرين، ومن بينها حقهم في عدم إعادتهم إلى أماكن قد تتعرض فيها حياتهم وحريتهم وكرامتهم الإنسانية للتهديدات وللخطر، وتعزيز الأمن على حدود البلاد.
كما طلبت دول مثل ألمانيا وكندا وجمهورية التشيك من ليبيا التوقيع على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، والتي تنص على أحكام أساسية ضرورية لتحديد حقوق الأشخاص غير القادرين ف للعودة إلى بلدانهم الأصلية والاعتراف بهذه الحقوق، على أن تلتزم دولة ليبيا بواجب إعمال حقوق الإنسان وإنفاذ قانون اللاجئين إن كانت تسعى إلى أن تصبح دولة تحترم سيادة القانون وتوفر ضمانات لوصول الفئات الأكثر عرضة للخطر والاستضعاف إلى النظام القضائي وإلى العدالة.
وتؤكد المنظمات أنها لا تحث ليبيا فقط على التصديق على الاتفاقية وإنما سن أحكام على الصعيد الوطني ترمي إلى وضع إطار شرعي للتعامل مع قضية الهجرة وحسن إدارتها.
وتناشد المنظمات دولة ليبيا في ضوء ما سبق استعراضه بتعديل أو إلغاء القوانين التي لا تزال ترضخ لتصرفات من يرغبون في تقويض حقوق الإنسان، وخاصة في مجالات حرية التعبير وحرية الصحافة وحقوق المرأة وحقوق الأشخاص النازحين داخليا وحقوق الأقليات وحقوق الأشخاص المعاقين، والحق في عدم التعرض للتعذيب وحقوق المهاجرين وطالبي اللجوء.
كما تدعو المنظمات الدولة الليبية إلى تعزيز المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وفقا لمبادئ باريس، من أجل إدراك المغزى من وراء هذه التوصيات. ونناشد دولة ليبيا على الصعيد الدولي بالتعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان من أجل تنفيذ القرار الخاص بالدعم التقني وبناء القدرات الذي اعتمدته الأمم المتحدة في مارس من العام الجاري
كما تحث دولة ليبيا على إبداء التعاون فيما يخص بعثة التحقيق التابعة للفوضية السامية لحقوق الإنسان المزمع إرسالها إلى البلاد في حزيران/يونيو للتحقيق في انتهاكات وتجاوزات القانون الدولي لحقوق الإنسان التي ارتُكبت في ليبيا منذ بداية عام 2014.
وتشير أيضاً إلى الحوارات السياسية الجارية التي يسرتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، على النحو الذي اعترف به أثناء الاستعراض، ونحث الأطراف المشاركة في الحوارات على إمعان النظر في الانتهاكات التي وقعت منذ عام 2011. و في هذا السياق تبرز الحاجة إلى سن إجراءات قوية وملزمة وشاملة لترسيخ المساءلة باعتبارها شرطاً أساسياً لأي تسوية سياسية، ومسألة حيوية وفارقة من أجل تحقيق الانتقال الفعال نحو الديمقراطية وتوطيد سيادة القانون.
وأخيراً، تدعو المنظمات دولة ليبيا إلى قبول كافة التوصيات واتخاذ خطوات حقيقية وملموسة لوضعها حيز التنفيذ بالتشاور مع منظمات المجتمع المدني الوطنية والدولية، كما نناشد دولة ليبيا ترجمة الالتزامات التي تعهدت بها علناً أثناء الاستعراض إلى أفعال، وإلى ضمانات بأن حقوق الإنسان ستشكل حجر الزاوية في جميع التدابير والممارسات القانونية.
المنظمات :مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ،محامون من أجل العدالة في ليبيا ،حركة النساء قادمات، جمعية الرحمة للأعمال الخيرية والإنسانية ، المنظمة الوطنية الليبية لتنمية ذوي الإعاقة ، الجمعية الليبية للثقافة التباوية ،المركز الليبي لحرية الصحافة .