وانتقال العذراء مريم بالنفس والجسد إلى السماء ( ١ )
في أول نوفمبر سنة ١٩٥٠، أعلن قداسة البابا بيوس الثاني عشر، عقيدة انتقال العذراء مريم بالنفس والجسد إلى السماء، بعد أن ظلّ بطاركة وأساقفة العالم يبحثون في هذه العقيدة زمناً طويلاً، نزولاً ورغبةً على إرادة الشعوب المسيحية قاطبة، التي كانت تريد أن تتعمق إيمانياً ولاهوتياً في هذه العقيدة.
عاشت العذراء مريم حسب التقاليد حوالي اثنين وسبعين سنة، وعندما اقتربت ساعة فراقها، على حد قول يوحنا الدمشقي وبعض آباء الكنيسة، أشرقت في المكان أنوار سماوية وأخذت الملائكة تنشد أناشيد الفرح والتهليل، ثم نزل إبنها يسوع من السماء وفي معيته أهل بلاطه السماوي ليحضروا ساعتها الأخيرة. ويضيف القديس يوحنا الدمشقي موضحاً بأن نياح العذراء لم يكن مصحوباً بألم، كما ولادتها أي لم يلازمها أي وجع .
أخذ الرسل يبكون ويقبّلون أمهم الطاهرة، وسمحوا للحاضرين بالتبرك منها وللحال وجدوا العميان يبصرون، والصم يسمعون والخرس يتكلمون والعرج يمشون، وأخيراً حمل الرسل جثمانها الطاهر وشيعها المؤمنون حاملين المشاعل والطيوب الثمينة لغاية حقل الجسمانية، حيث المقبرة التي أُعدت لها. ولقد كان لهذا المشهد العظيم أثره العميق في قلوب الحاضرين من اليهود إذ اعترتهم الرهبة والخشوع فانضموا للمؤمنين مشيعين تابوت العهد الجديد، حتى مقر راحته الأخير.
وما ان سمع القديس توما الرسول، رسول الهند، بما حدث حضر على الفور باكياً وأعرب عن رغبته في مشاهدة وجه سيدته وأُمه الطاهرة، فلم يمانع الرسل في إعطائه هذه التعزية، ولذلك إجتمعوا حول المقبرة، وبعد أن جثوا وتلوا بعض الصلوات رفعوا الحجر عن باب القبر. وبدلاً من أن يجدوا جسد مريم القديسة الذي يطلبونه، وجدوا الكفن واللفائف التي كانت عليه، وللحال إنبعثت من أعماق القبر رائحة زكية .
ولمّا كان الرسل على يقين من أنه لا يستطيع أي إنسان حمل هذا الكنز الثمين، لأنهم كانوا في حراسته مع الملائكة، ولأنه ليس هناك ما يدل على فتح القبر، كما أن اللفائف لم تكن مبعثرة هنا وهناك، والأمر الذي ينفي وجود سرقة، لزم القول بأن السيد المسيح الذي رغب في أن يولد من مريم العذراء بغير مساس بكارتها، أراد ايضاً أن يحافظ على جسدها من كل فساد، ويشرفه قبل القيامة العامة بحياة مجيدة خالدة .
والكنيسة منذ نشأتها إلى الآن تؤمن بأن العذراء مريم قامت من الموت، وانتقلت بنفسها وجسدها إلى السماء، وأنها موجودة
مع الله الآب خالقها، ويسوع المسيح إبنها، والروح القدس عريسها .
ولهذا تُعيد الكنيسة عيد نياحها وانتقالها بالنفس والجسد إلى السماء .