منذ نحو ألفان وستمائة سنة قبل الميلاد – نشبت حرب بين كل من الملك يواقيم ملك يهوذا بإسرائيل ، والملك نبوخذ نصر ملك بلاد بابل ( بلاد ما بين النهرين ، العراق الآن ) . وسمح الله أن جيش ملك يهوذا ينهزم أمام جيش ملك بابل ، واستولي ملك بابل علي كل الأشياء التي كانت في بيت الله وأخذها ووضعها داخل معابدهم مع الأصنام .
أعطي نبوخذ نصر تعليماته إلى وزيره المختص أن يبحث له عن شباب من مملكة يهوذا متميزين ليعاونوه بعد أن يتعلموا لغة أهل بابل . وقع اختيار الوزير علي أربعة من الشباب هم حنانيا وميشائيل وعذاريا ودانيال ، والذى تغير أسمائهم بعد ذلك دانيال إلى بلطشسر ، وحنانيا إلى شدرخ ، وميشائيل إلى ميشخ ، وعذاريا إلي عبد ناغو .
عندما قدموا لهؤلاء الشباب من مأكل البلاط الملكي وخمره – رفضوا وأصروا على عدم أكل وشرب ملذات الملك وطلبوا أن يقدم لهم الفول والعدس ومياه فقط .ذات يوم – حلم الملك حلماً جعله مندهش من أحداث هذا الحلم وطلب من الوزير أن يجمع كل الحكماء والمنجمين ، ليفسروا هذا الحلم . وطلب هؤلاء من الملك أن يقص عليهم هذا الحلم فرفض ، مفترضاً أن هؤلاء المنجمين قادرون أن يعلموا بأحداث هذا الحلم ثم يقومون بتفسيره دون أن يقص عليهم ذلك .
طلب بلطشسر ( دانيال ) من حارس الملك الخاص أن يدخله ، وبرغم تحذيرات هذا الحارس من عاقبه عدم مقدرته على التفسير ، فأجاب بلطشسر الحارس قائلاً أن الله وحده القادر على كل شيء .
بدأ بلطشسر يقص للملك – نبوخذ نصر حلمه قائلاً : جلالتك رأيت في الحلم تمثال عظيم ، هذا التمثال رأسه من ذهب ، وصدره وذراعيه من الفضه ، وبطنه وفخذيه من نحاس ورجليه حديد ، وقدمه بها جزء حديد والجزء الآخر من الفخار ثم وإذ بحجر يجيء ويصدم التمثال على قدمه ويسقط ويتهشم كله ويتناثر على الأرض ويصير كورق الشجر الناشف ويتناثر مع الريح وأن الحجر الذى صدمه أصبح جبلاً ضخماً جداً ملأ الأرض كلها .
وبدأ بلطشسر في تفسير الحلم قائلاً : أنت يا جلاله الملك رأس الذهب ولكن ستأتي بعدك مملكة أضعف من مملكتك ، والمملكة التي تأتي بعدها أيضاً أضعف وهي النحاس ، ثم تأتي مملكة بعدها شديدة وقوية وهي التي تشير إليها بالحديد ، وأن هذه المملكة قادرة على أن تقضي على جميع الممالك المجاورة لها – ولكن المملكة التالية بعد ذلك هي خليط من حديد وفخار فهي صحيح قوية ولكن ستكون منقسمة على ذاتها حيث أن الحديد والفخار لا يمكن أن يكون متحدان معاً أبدا ، ودائماً ستكون منقسمة ، وأن سبب الانقسام والضعف يرجع إلي أنه يحدث اختلاط بالممالك الأخري ويتزاوجوا ويأخذوا منهم زوجات لهم .
مدح الملك بلطشسر وقال له : أنه منبهر بما سمعه وأنه سيقوم ويسجد له عند قدميه ، وعند قدمي إلهك العظيم ، وأنت يا بلطشسر رجل عظيم – فطلب من الملك أن يسجد لله وحده لأن له التفاسير – وعبر أيضاً الملك عن سعادته قائلاً : أني صدقت يا دانيال أن إلهك هو إله كل الآلهة ورب سيد كل الملوك وأيضاً كاشف كل الأسرار والدليل علي ذلك أنه عرفك الحلم وتفسيره .
قال الملك نبوخذ نصر لبلطشسر ( دانيال ) أننى لم أجد شيئاً أقدمه لك مكافأة ، أقل شيء سوف أعينك رئيساً على كل الولاه على مملكة بابل ورئيس كل الحكماء ، وسمع لطلب دانيال ( بلطشسر ) وعين زملاءه الثلاثة ( شدرخ ، ميشخ ، عبد ناغو ) – وزراء في المملكة ..
ذات يوم صدر قرار ملكي من نبوخذ نصر – بأنه سوف يقوم بعمل تمثال من ذهب ويطلب من جميع الناس في المملكة السجود له ، وعند اكتمال التمثال رفض الفتية ومعهم بلطشسر أن يسجدوا للتمثال الذهب ففرح الوزير جداً وأن الشيطان لا يترك أولاد الله في سلام – حيث أبلغوا الملك برفضهم السجود للتمثال .
أحضر الملك دانيال وأصدقائه الثلاثة وقال لهم : لماذا لم تسجدوا للتمثال كباقي الناس ؟ ! فرد دانيال وأصدقائه بصوت واحد قائلين : أننا لا يمكن أن نسجد إلا لملك واحد هو خالق الكون ، الله القادر على كل شيء ، وعندما كرر الملك عزف الموسيقي لإعطاء فرصة للفتية الأربعة ليراجعوا أنفسهم ويقوموا ويسجدوا للتمثال ، وقال لهم الملك : أن هذا إنذار أخير قبل إلقاءكم في أتون النار . فرد الفتية على الملك إن الله قادر أن ينقذنا من أتون النار ، وحتى وأن لم ننقذ من الآتون ، فأننا لا نستطيع أن نسجد أمام التمثال الذى صنعته . ” هكذا يكون الإيمان القوى ” . هاج الملك وطلب من الوزير أن يحميّ الآتون سبعة أضعاف .
بدأ جنود إبليس في تنفيذ مهمتهم بإلقاء الفتية الثلاثة في الأتون ، وإذ بالنار تحرق ثياب وأجساد أولئك الذين قاموا بعملية الإلقاء ، كما أن النار أحرقت الحبال التي ربط فيها الفتية الثلاثة .
ومضت اللحظات ويحدق الملك في داخل الآتون ويسأل الوزير : كم عدد الذين تم إلقائهم في الآتون ؟! فيرد الوزير أنهم ثلاثة فقط – فيرد الملك قائلاً : أن الذين يتمشون في الآتون هم أربعة وليست ثلاثة ، وأن الرابع شبيه بابن الآلهة حيث أنه جميل المنظر ، وأن شعره من رأسهم لم تحترق .
نادى الملك على الفتية قائلاً : يا شدرخ وميشخ وعبد ناغو ، يا عبيد الله الحي أخرجوا ، وقال لهم نبوخذ نصر : منى أنا نبوخذ نصر ملك بابل ، فإن إي إنسان أو شعب يتكلم عن إله شدرخ وميشخ وعبد ناغو سوف يتم تقطيعه قطعاً ..
حلم نبوخذ نصر حلماً جديداً . ولم يقدر السحره والمجوس على التفسير وطلب دانيال ليقوم بالتفسير حكى الملك الحلم الذى رآه فقال لدانيال : رأيت شجرة كبيرة مزروعة في وسط الأرض ، وأنها لها ظل كبير حولها وأوراقها خضراء – والفاكهة التى بها تكفي لأناس كثيرين ، وكان يستظل بظلها حيوانات كثيرة .. وفجأة جاء ملاك من السماء وقال بصوت مرتفع : أقطعوا الشجرة ، وقلموا فروعها حتى الوحوش التى تحتمي بظلها تتفرق والطيور التى علي فروعها تطير بعيد – ولكن أتركوا ساق أصلها في الأرض وتقيد بقيد من حديد ونحاس في عشب الأرض ، وليبتل بندي السماء ، وليكن نصيبه مع الحيوان في عشب الحقل وليتغير قلبه عن الإنسان ويعط قلب حيوان ولتمضي عليه سبعة أزمنة .. هذا هو ملخص الحلم ..
قال بلطشسر للملك : أتمني أن ينقلب الحلم علي أعداءك – فأن الشجرة التى كانت الحيوانات تستظل بظلها وكذلك الطيور ومن ثمارها يأكل إناس كثيرين – هي جلالتك .. ويفسر الحلم أن جلالتك سوف تطرد من الحكم وتعيش وسط الحيوانات وتأكل أكلهم والندى يبلل جسدك ويمر على ذلك سبع سنوات حتى تعترف تماماً أن الله هو ملك الملوك ورب الأرباب والذي يعطي الملك لمن يختاره – وأن المحافظة على جذع الشجرة – هو تفسيره أن الملك هيفضل لك حتى تعلم أن الملك هو الله ..
وتحدث الملك إلى نفسه قائلاً : ها عام مضي على زوال الملك عني ، وينظر إلي قصر مملكة بابل ويقول لقد بنيتها بقوة اقتداري .. وبينما هو يتحدث وقع صوت من السماء قائلاً : لك يقولون لك يا نبوخذ نصر أن الملك قد زال عنك ويطردونك من بين الناس وتكون سكناك مع الحيوانات ويطعمونك العشب كالثيران ويبتل جسمك بندى السماء – ولكن عند انتهاء الأيام ( السنوات السبع ) – ورجع نبوخذ نصر إلى عقله وبارك العليّ وسبح الآله إلى الأبد الذى له السلطان الأبدي . وقال نبوخذ نصر : الآن قد رجع لي عقلي وعاد إلىّ جلال مملكتى ومجدي وبهائي ، فالآن أنا نبوخذ نصر أسبح وأعظم وأحمد ملك السماء الذى كل أعماله حق وطرقه عدل ومن يسلك بالكبرياء قادر أن يذله .
جاء بعد نبوخذ نصر إبنه ( بيلشاصر ) ملكاً لبابل – وإذ صنع وليمة عظيمة لعظماء ” شرب خمراً في الأواني الذهب والفضة التى أخرجها والده نبوخذ نصر من الهيكل .
في تلك الساعة ظهرت أصابع يد إنسان وكتبت على الحائط كلاماً غير مفهوم ، فطلب من الوزير أن يحضروا الكتبة والسحره التى في المملكة لكي يفسروا الحلم . ودعا الملك ( بيلشاصر) المنجم ( بيلطشسر) لكي يفسر له هذه الكتابة فقال له : لقد استدعيت كل الكتبة والسحرة فلم يقدروا أن يفسروا هذه الكتابة . فإن قمت بتفسيرها فتلبس الأرجوان وقلاده من ذهب وتكون الرجل الثالث في المملكة . قال ( بيلطشسر ) للملك : لتكن عطاياك لنفسك وهب هباتك لغيرى لكنى أقرأ الكتابه للملك .
لقد كتبت اليد ” منا منا تقيل وفرسين ” وهذا معناه ( أن مملكتك سوف تنقسم نصفين ، النصف الأول سيأخذه مادي ، والنصف الآخر سيأخذه فارس ) . فقام الملك بتنفيذ وعوده مع بلطشسر .
ثار حقد من هم حول دانيال ( بيلطشسر ) سواء من الوزراء أو المرازبه عندما علموا أن الملك فكر في أن يوليه المملكة كلها .
اجتمع كل هؤلاء – وثالثهم الشيطان – لدى الملك وقالوا له : عش أيها المالك ( داريوس ) الذى تولي بعد مقتل ( بيلشاصر ) وتشاوروا على أن يضعوا أمراً ملكياً محتواه ” أن كل من يطلب طلبه حتى ثلاثون يوماً من إله أو إنسان إلا منك أيها الملك – يطرح في جب الأسود وأن هذا الأمر الملكي يعتبر بمثابة شريعة لمملكة مادى وفارس ” .
عندما علم دانيال بالأمر الملكي – ذهب إلى بيته وفتح كواه منزله نحو أورشليم وجثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم وصلي قدام إلهه كما كان يفعل من قبل .
تقدم أعوان الشيطان إلى الملك – أنه شوهد دانيال خلال الثلاثين يوما . يطلب ويتضرع إلي إلهه دون أن يجعل للملك اعتباراً .
فلما سمع الملك أغتاظ على نفسه جداً – أن هذا سيدين دانيال ، فجعل قلبه على دانيال لينجيه ، واجتهد حتي غروب الشمس . فأمر الملك فأحضروا دانيال وطرحوه في جب الأسود ، وقال الملك (داريوس) – لدانيال ( بلطشسر ) ” أن الهك الذى تعبده دائماً هو ينجيك ” . وأتي بحجر ووضعه على فم الجب وختمه بخاتم الملك لئلاً يتغير القصد في دانيال .
حينئذ مضي الملك إلى القصر وبات صائماً ، وطار عنه نومه وبكر في صباح اليوم التالي إلى جب الأسود ونادي بصوت أسيف ( منخفض ) وقال لدانيال : يا دانيال عبد الله الحي . هل إلهك الذى تعبده دائماً قدر أن ينجيك من الأسود . فتكلم دانيال قائلاً : أيها الملك عش إلى الأبد .. إلهي أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود فلم تضرني بشئ لأني وجدت بريئاً قدامه وقدامك .
حينئذ فرح الملك ، وأمر أن يصعدوه من الجب ولم يوجد فيه ضرر لأنه آمن بإلهه . إله الأمس واليوم وإلى الأبد .
أمر الملك ( داريوس ) بإحضار الرجال الذين اشتكوا على دانيال وطرحوهم في جب الأسود وأولادهم ونساءهم ولم يصلوا إلى أسفل الجب حتى أفترستهم وبطشت بهم الأسود وسحقت كل عظامهم .
أصدر الملك ( داريوس ) كتاب لجميع الأمم والشعوب والألسن والساكنين في الأرض كلها – إن مملكتى يخافون ويرتعدون أمام إله دانيال الحي إلى الأبد ملكوته .. أمين .
المرجع : الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم – إعداد وتفسير كهنة وخدام كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة .