أنا شاهدتُهم من بعيد ،
وقد حملوا معهم فى الطريق إلى موتهم أهلَهم ، ومنازلَهم ،
وقراَهم وشدُّوا الرحالْ والصليبُ يرفرف من فوقهم والهلالْ
أنا شاهدتُهم ..
فى ثيابِهمُ البرتقالية اللونِ ،
عشرونَ شاباً وشاباً يسيرون للموتِ ،
أرواحُهم فى السماءِ مُحلَّقةٌ
والأكُّف مقيدةٌ بالَحبالْ
ومِن خلفهم رُسُلُ الموتِ ،
عاصفةٌ من عصور الظلامِ ،
وجوهٌ مُفخَّخَةٌ ،
وأكفٌّ مُلَّطخَةٌ ،
ولِحىً أُفعوانيَّةٌ ،
ومُدىً ، ونِصالْ !
وأنا .. أنا والبشرُ الآخرونْ
نرى بشراً يُذبحون ،
نرى فى منازلنا بشراً يُذبحونْ !
وكانوا يسيرون صفاًّ على شاطىء البحر ،
عشرونَ شاباً وشاباً
كأنهم رجلٌ واحدٌ
أو كأنهمو مصرُ أمُّهمو
تتذكرّ سيرتَها فى مواجهة الموتِ
تلقى السؤالَ عليه ،
ويلقى عليها السؤالْ
وتغلبه فى نزالٍ ،
ويغلبها فى نزالْ !
ساعةٌ لا تُعدُّ من الوقت ،
لا هى ليلٌ ، ولا هى صبحٌ ..
نهارٌ ، ولكنّه مُقمرٌ ،
وفضاءٌ يُحيط بهم عن يمينٍ ،
فضاءٌ يُحيط بهم عن شمالْ
هل هو الموتُ ؟
أم هو ما قبله بقليلٍ ؟
صراطٌ ترامت على جانبيه النهاياتُ
بحرٌ بلا شاطىءٍ ،
ورمالٌ وراء رمالْ
وهمو فى الطريق إلى موتهم
يرفعون له جبهةً متهيِّبةً دونما وجلٍ
ويُصلّون فى سرِّهم
ناظرين لما لا يُرى
خطوُهم هادىءٌ
ليس بالمُتعجِّل ، فالوقت رحبٌ
ولا هَو بالمُتباطىء ، فالموت منتظرٌ ..
وهمو وطنوا النفسَ أنهمو سيلاقونَهُ
حيث ينعقد الصمت من فوقهم فجأةً
وتموت الظلالْ !
ربما اتجهوا نحونا
دون أن يعرفوا أننا سنراهم ونعرفهم
وهمو فى الطريق إلى موتهم
شاخصين كأنهمو يتلقوْن وحياً ،
وراضين ممتثلين لأقدارهم
مطمئنين مستشهدين كأنهمو عبروا البرزخَ الصعبَ
أو أصبحوا فى الكنيسة أيقونةً ،
أصبحوا فى الفضاء العريض الذى صعدوا فيهِ
سرباً من الطير
يعبر فى وَهَجٍ واشتعالْ
أو يرفرف فى حُلُمٍ أو خيالْ
وأنا لم أُشاهد جمالاً كهذا الجمال !