بعد سبي بابل فى غضون الأعوام ( 486 – 465 ) ق . م على يد الملك نبوخذ نصر الملك كان مولد الطفلة ( هُدسه ) في ( مدينة شوش القصر ، العاصمة الكبرى لبلاد مادى وفارس ، والتى ملك عليها الملك أحشويروش .
توفيا والديها وهى ما تزال بعد صغيرة السن ، فتولى تربيتها أبن عمها ( مردخاى ) ، وأما أحشويروش الملك كان يوصف بأنه مالك قاس القلب ومتسلط ، ودولته المترامية الأطراف من الهند شرقاً إلى الحبشة غرباً ولكنه أنهزم أمام اليونان وتدمر أسطوله بالكامل .
قام الملك بعمل وليمة عظيمة لرؤساء جيشه وعظماء البلاد التي امتدت إلى 180 يوماً وكان هدفها هو إظهار غنى وعظمة الملك . هذا بخلاف الحفل الآخر للشعب والذي امتد لمدة أسبوع ، وبالتبعية أقامت الملكة ( وشتى ) حفلاً للنساء استمر لمدة خمسة أيام .
وأثناء إقامة حفل الشعب ، فشرب الملك كثيراً من الخمر حتى طاب قلبه وتحركت فيه شهوته نحو النساء ، فأراد إظهار جمال زوجته فأرسل لها لتحضر هذا الحفل ، ولكن الملكة شعرت بالحرج من أن تكون محط أنظار الشهوانيين المدعوين للوليمة ، ولكن عندما علم الملك برفض الملكة طلبه ، أغتاظ جداً ، وأبدى أحد الرؤساء رغبته في أن يصدر الملك أمراً بنفي الملكة لتكون عبرة للزوجات الفارسيات في احترامهن لأزواجهن وقد كان …
وبدأ الملك في البحث عن ( ملكة جديدة ) – وبتدبير إلهي عجيب ، حيث أنه كان من المتبع أن يختار الملك ( ملكته الجديدة ) من بنات ملوك الدول التابعة لمملكته ، وهنا تنازل الملوك عن حقهم – ووقع الاختيار على الملكة ( أستير ) والتى لم تفصح عن جنسيتها ، حيث أنها فارسية المولد يهودية الأصل .
وقد حدث في يوم أن كشف ( مردخاى ) عن مؤامرة قام بها خصيان الملك وحراسة ، مؤداها قتل الملك ، وغالباً هذه المؤامرة مدبرة بمعرفة ( هامان ) الوزير الأول في المملكة ، وكان ( هامان ) بدأ يعلن أفكاره ضد ( مردخاى ) والذى يعمل حارس على حجرة الملك ، لأنه من نسل العماليق المعادين لليهود .
أصدر ( هامان ) أمراً بكل لغات دول المملكة البالغ عددهم 127 دولة ، ذلك بإبادة كل شعب اليهود ونساءهم وأطفالهم وأغنامهم . وقد علم ( مردخاى ) بهذا الأمر حزن جداً وعبر عن حزنه بأن مزق ثيابه ولبس المسوح ( ثياب خشنة ) ووضع الرماد على رأسه وخرج إلى وسط المدينة ليعلن حزنه ويعلن لشعبه بالتذلل .
كلم ( مردخاى ) أحد الأشخاص المقربين من الملكة ( أستير ) ويدعى ( هتاخ ) لكي يعطي صورة كاملة لها ، وأنه من الضروري جداً أن تتدخل لدى الملك وتطلب منه العفو عن اليهود – فتعاطفت الملكة جداً مع كلام ( مردخاى ) وحزنت حزناً شديداً – ولكن المشكلة كيف تدخل إلى الملك ؟!!
طلبت الملكة من ( مردخاى ) أن يدعو كل الشعب لصوم لكل يهود العاصمة ( شوشن القصر ) لمدة ثلاثة أيام ، كما اشتركت الملكة مع جواريها في هذا الصيام .
بعد مرور الأيام الثلاثة من الصوم ولبس المسوح – خلعت الملكة وجواريها لبس المسوح ولبست لبس الملك . وتقدمت ( أستير ) الملكة في خوف عظيم مستندة على جواريها في دلال للدخول إلى الملك زوجها .
وقد كان دخول الملكة بالنسبة للملك مفاجأة له ، ولها أيضاً – وكادت أن تسقط على الأرض من شدة الخوف لأن الملك لم يطلبها بعد ، وحسب التعليمات من يفعل ذلك الفعل مهما كان مركزه سوف يعرض نفسه للقتل – مما حدا بالملك أن يقوم من على العرش مسرعاً ويحتضنها ويقبلها ، وقال لها في حنان ” أنا أخوك ” – ووصفها في حنو بالغ قائلاً ” أنني رأيت وجهك كوجه ملاك ” وتشجع الملك وقال لها ماذا تطلبين ؟ أنني مستعد لكل طلباتك وأعطيك حتى إلى نصف مملكتي ” – يا لعظمة محبة الله !! وعجيبة هي عطاياه ، الذي حول قلب الملك المحب لسفك الدماء إلى هذا الحنان العجيب .. حقاً ” أن قلب الملك في يد الرب كجداول مياه حيثما شاء يميله . ( أم 21 : 1 ) .
دعت الملكة – الملك والوزير الأول في المملكة ( هامان ) لحفلتين ، وذلك لمواجهة (هامان) بخطئه وجريمته وأن لا تعطى له الفرصة للخداع .
بعد الوليمة الأولي – وعندما خرج ( هامان ) وجد ( مردخاى ) في الخارج جالساً ولم يقم للسجود له كباقي العاملين وكتعليمات الملك ، فأغتاظ جداً وعندما رجع لمنزله قدمت زوجته له حلاً ( صلب مردخاى ) على خشبة عقاباً على عدم احترام زوجها ، وكانت هذه الخشبة ترمز للصليب الذى مات عليه المسيح .
وقد حدث أنه في ليلة إقامة الحفلة الثانية التى وعدت بها الملكة – قد حدث أن يصاب الملك بقلق ويعجز عن النوم وأمر من معه أن يقرأ له في ( أخبار الأيام ) الخاصة بالملك ، ولم يطلب في تلك الليلة اللهو والرقص والشهوات المعتاد عليها .
إنه بترتيب إلهي – كانت القراءة في سفــر أخبــار الأيـــام – وفـــي الجـــزء الخــاص بكشف ( مردخاى ) لمؤامرة حراس الملك والمدبرة لقتله ، فقد حرك الله قلب الملك إعجاباً بإخلاص (مردخاى) وعرفاناً بجميله ، إذ أنقذ حياته من الموت – وسأل الملك معاونيه ، وماذا قدمنا لهذا الرجل الذي أنقذ حياتي ؟!!
أجاب معاوني الملك وقالوا له : لم نقدم شيء سوى بعض الهدايا !! وفي صباح اليوم التالي بكر ( هامان ) للمجيء إلى القصر لاستصدار قرار بإعدام ( مردخاى ) .
عندما وصل إلى علم الملك أن ( هامان ) بالخارج – أمر بدخوله فوراً وفاجأه الملك بسؤال واحد فقط قال فيه : وماذا يفعل للإنسان الذي يحب الملك أن يكرمه !! أجاب ( هامان) المتكبر الذي اعتقد في نفسه أنه هو المقصود بهذا الإنسان الذي يتكلم عنه الملك . فأجاب (هامان) الملك قائلاً : أن يعطيه الملك ملابس مثل ملابس جلالته ، ويركب الفرس المميز ، ويوضع تاج الملك على رأسه ، أمر الملك في الحال – بأن يأخذ ( هامان ) كل هذه الأوسمة ويعطيها إلى ( مردخاى ) المسئول عن حراسة باب الملك ، وأن يسير ( هامان ) أمامه في ساحة المدينة العاصمة وينادى بأن هذا الرجل هو الرجل الذي يريد الملك إكرامه لأنه قد سر به . بعدها عاد كل من ( مردخاى ) إلى مكان عمله أمام باب الملك ، أما ( هامان ) فعاد إلى الحفلة والوليمة فإن هذه الوليمة ترمز للصليب لأنها انتهت بخلاص شعب الله .
في بداية الحفل – تكلمت ( أستير ) مع الملك بأتضاع شديد وطلبت منه إنقاذ نفسها من الهلاك ، وأيضاً إنقاذ شعبها من الموت .
في غضب شديـد ســأل الملك ( أستير ) عن من هو هذا الإنسان الذي يضمر موت الملكة ؟ أجابت الملكة واصفة ذاك الرجل بأنه عدو وخصم ، وردي – وبعدها نطقت باسمه صراحة قائلة ” أنه هامان ” .
اغتاظ الملك جداً من ( هامان ) الذي وثق فيه أكثر من جميع العاملين في القصر وفي تعجب تساءل الملك : كيف يتجاسر على ذلك ؟!!
ولكن ما حدث بعد الوليمة أن دخلت الملكة ( أستير ) إلى حجرتها الخاصة لتصلي في قلبها إلى الله لكي يتمم عمله وينقذها هي وشعبها . فدخل ( هامان ) إلى حجرة الملكة (وهذا ممنوع تماماً ) – فوجد الملكة نائمة على سريرها – سقط ( هامان ) على قدميها ليقبلها طالباً منها الغفران .
وعند عودة الملك من حديقة القصر – توجه رأساً إلى حجرة الملكة فشاهد المنظر ، فغضب جداً وصاح : هل وصلت وقاحة ( هامان ) إلى هذه الدرجة ؟!! كيف يكون ذلك ليضطجع ( هامان ) مع الملكة في سريرها – فصاح أيضاً الملك قائلاً : أن هذا الرجل لا يمكن أن يعيش فأسرع الحراس لتنفيذ الحكم – ولكن أسر أحد الحراس للملك بأن ( هامان ) قد أعد خشب ليصلب عليها ( مردخاى ) – فأمر أن يؤتي بها ليصلب عليها هو ، وأولاده العشرة على عشرة صلبان خشب ، واستصدار قرار بإلغاء قرار إعدام الملكة وشعبها في جميع أنحاء المملكة ..!!
الشماس / نشأت نظمى مهنى
الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم
المراجع : اعداد وتفسير مجموعة منكهنة وخدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة