سادت حالة من الفزع داخل المجتمع المصري بعد إذعة فيديو انتهاك حقوق الأطفال وتعذيبهم داخل دار أيتام مكة المكرمة بمحافظة الجيزة ، لن أتحدث عن الوحشية والقسوة المبرحة التي عانى منها هؤلاء الصغار الأبرياء ، لأننا شاهدنا جميعا الألم الجسماني والنفسي الذي كان يعاني منه هؤلاء الأطفال الذين حرمتهم ظروف الحياة من تربيتهم داخل أسرة مستقره يلاقون فيها الرعاية ويشعرون فيها بالأمان .
ويراودني هنا تساؤلين : الأول : لماذا منحت وزارة التضامن الإجتماعي ترخيص إقامة دار أيتام لإنسان لم يحظى بقدر مناسب من التعليم يؤهله لتربية الأطفال والتعامل مع هذه المرحلة العمرية ؟
الثاني: لماذا كانت تنتظر وزارة التضامن الإجتماعي حتى يتم عرض هذا الفيديو على مواقع التواصل الإجتماعي؟ وأين دور الوزارة في الرقابة والتفتيش المفاجيء على أماكن الرعاية الإجتماعية للأطفال؟
ما هذا التقاعس والسلبية واللامبالاة في ترك حقوق هؤلاء الصغار؟ إن كان مدير الدار قد ارتكب جرما في حق الأطفال الأيتام ، فإن المسؤولين بوزارة التضامن الإجتماعي قد أرتكبوا الجرم الأكبر لأنهم بإهمالهم وتكاسلهم عن آدائهم لعملهم ومتابعتهم لدار الايتام قد ساهموا بشكل غير مباشر بإهدار حقوق هؤلاء الأيتام في الرعاية الإجتماعية ، وبذلك أعطوا المجال لهذا المدير المريض نفسيا ولغيره الحق في ممارسة السلوكيات العدوانية والإجرامية ضد هؤلاء القصر.
للأسف ما نشهده اليوم يحبط كل آمالنا في تغيير هذه البلد طالما أن كل مسؤول لا يتحرك من كرسيه ويأبى أن ينزل الشارع ليتابع مسؤولياته التي أوكلت إليه بحكم وظيفته، لذا لابد أن تتخذ الإجراءات اللازمة مع جميع المسؤولين التابعة لهم هذه الدار .
وماذا عن ديار الأيتام الأخرى في جميع محافظات الجمهورية والتي لم تجد من يصور ما يحدث فيها ؟ والتي لم تجد شخصا يتحرك ضميره ومشاعره لإنقاذ ما تبقى منها ، و إن كنا نتحدث عن دار أيتام في محافظة كبرى من محافظات مصر فماذا عن القرى والنجوع وضواحي الجمهورية ؟ ماذا يحدث للأطفال هناك ؟ وماذا عن المسؤولين بوزارة التضامن الإجتماعي هل ينتظرون مزيدا من الفيديوهات حتى يقفوا عن كراسيهم ويتحركوا بعد كل مأساة وأخرى ؟ وإن كانت السيدة التي قامت بتصوير فيديو ضرب وتعذيب الأيتام وأحتفظت به لمدة عام كامل حتى تم نشره على مواقع الإنترنت ، فهذا يعني أنهم في غيبة عن عملهم وأنهم لا يراعون الله فيما أوكل إليهم من مهام ، كيف يظلون لعام كامل دون متابعة لما يحدث بالمؤسسات الإجتماعية ؟
فليرحل كل مسؤول لا يرغب في آداء عمله بأمانة ونزاهة ، طالما أن نتاج عمله هو تعذيب وترويع الأطفال الأبرياء، ما ذنب هؤلاء الصغار الذين حرموا من حنان والديهم وجاءت بهم الظروف الإجتماعية ليتم إيوائهم في دار للأيتام ، ما ذنبهم فيما يلاقونه من قسوة الحياة وظلم المجتمع وآلام الوحدة وفقدان الإحساس بالأمان.
إن خطورة هذه المأساة لا تكمن في ضرب وإهانة وسب هؤلاء الصغار و الإحساس بالخوف الشديد وعدم الثقة بالآخرين ، والآلام المبرحة عضويا ونفسيا التي يتعرض لها هؤلاء الأيتام فقط ، إنها تكمن أيضا في كراهية هؤلاء لجميع من حولهم والرغبة في الإنتقام مستقبلا من المجتمع نتيجة ما تعرضوا له في الصغر ، إننا بهذه الأفعال الآثمة نحول الأطفال الأبرياء إلى مجرمين في المستقبل يحاولون بكل الطرق الممكنة إثبات قوتهم عن طريق تعذيب وترويع الآخرين في الكبركما كان يحدث معهم في الصغر.
هذا هو ناقوس الخطر الذي يدق بين حين وآخر لينبهنا إلى أن من يزرع نبته يجد ثمرا، ومن يزرع شوكا يحصد شوكا ، ما نزرعه في أبنائنا الصغار سوف يجنيه المجتمع بعد سنوات طويلة …. كفانا ما نحصده اليوم من شوك قد دمر كل شيء جميل بحياتنا وافقدنا أماننا واستقرارنا .