هل يمكن كتابة تاريخ الحضارة المصرية ، وما اشتملت عليه من آثار وفنون وعلوم وفلسفة ، بأسلوب يناسب الشباب ؟ نعم ممكن إذا امتلك الكاتب عدة خصائص : خاصية تعمقه وإجادته للمادة التى يكتب عنها ، وخاصية الإلمام بالتراث الإنسانى ، وخاصية الإبداع
وهذه الخصائص الثلاث توافرتْ للدكتورة مرفت عبدالناصر وهى تكتب عدة موسوعات للشباب.الموسوعة الأولى بعنوان (الفن المصرى القديم – موسوعة مصورة للناشئين) نشرتها دار الكاتب المصرى ودار الكتاب اللبنانى . ونظرًا لأنّ السعر مرتفع ولايتناسب مع دخول غالبية المصريين ، فقد أحسنتْ اللجنة المشرفة على مكتبة الأسرة بإعادة طباعتها بسعر ملائم (جنيهان لكل جزء) وصدرت عام 2005 .
خصّصت الكاتبة الجزء الأول لقصة (الفلاح الفصيح) التى حازت شهرة كبيرة بين العلماء، وصنّفوها ضمن الأدب الرفيع ، كما أنها رمز لمقاومة الاستبداد بالكتابة وليس بالعنف . وشدّ انتباهى أنّ د. مرفت ربطتْ بين أسلوب الفلاح فى التعبير عن شكواه ، وهو يخاطب أعلى سلطة (الملك) وبين (ماعت) أو (ماعاط) وفق النطق الصحيح ، أى رمز العدل فى منظومة الأساطير المصرية. ولم تكن مصادفة أنْ تكون هذه الإلهة مؤنثة كتعبير عن مكانة المرأة فى الحضارة المصرية. وأنها ((تـُمثل الانسجام والاعتدال. وتكره التطرف والمغالاة)) لذلك ركــّزت المؤلفة على أهم ما جاء فى خطاب الفلاح للملك ، حيث قال له إنّ العدل فى يدك ((ولابد أنْ يكون اسمك العادل. فإنْ وقفتَ بجانب الخير ، فأنت حبيب لماعت)) إهتمت د. مرفت بإبراز الجانب الذى يتغافل عنه كثيرون ، وهو أنّ حاكم مصر كان يستطيع إنصاف الفلاح من أول خطاب ، ولكنه تعمد أنْ تستمر مرافعته لعدة أيام من شدة إعجابه بأسلوبه الرفيعوبشجاعته فى نقد سلطة الحكم ، لذلك ((طلب منه أنْ يُعيد شكواه أمام كل المسئولين كما لوكان معلمًا حكيمًا يعطيهم دروسًا فى الأخلاق)) وقال حكيم مصرى (( إذا ماتت ماعت ، ماتت مصر)) وكان تعقيب المؤلفة ((فهل نرضى لمصر أنْ تموت ؟)) .
الجزء الثانى يتناول إله الحكمة والكتابة (تحوت) وفى الصفحة الأولى تمثال الكاتب مع تحوت المحفوظ فى متحف اللوفر(بالألوان) تبتدع المؤلفة شخصية الطفل (مشتاق) المحب للقراءة فى البرديات. أثناء القراءة علم أنّ تحوت ألّف كتابًا يتناول ما فى باطن الأرض. وما فى أعلى الجبال. وما تـُخبئه البحارإلخ. فقال الطفل مشتاق لنفسه ((لابد أنْ أجد هذا الكتاب . سأزور كل المعابد والمكتبات)) وفى المعابد كان يقرأ كل ما هو مكتوب على الجداريات. يقابل مشتاق حكيمًا. يدور بينهما حوار عن كتاب تحوت . يُحذره الحكيم من مشقة البحث ولكن الطفل لايتراجع ويقول للحكيم ((لاتحزن ولاتقلق علىّ)) فيقول له الحكيم ((إنْ تهتَ فى الطريق قل بصوت عال : الكلمة لها عين. أنت الأمل يا مشتاق)) وهكذا بهذا الأسلوب البديع خاطبت د. مرفت الشباب ، فعرّفتهم من هو أبو الحكمة والكتابة فى الحضارة المصرية. وفى نفس الوقت تحفيز الشباب على حب القراءة.
فى الجزء الثالث شرح لكلمة (فرعون) ومعناها البيت الكبيرإلخ. وأنّ الملك يساعده وزراء. وأنّ مصر كانت تنقسم إلى 42 منطقة ( = محافظة) وأنّ الحكم لم يكن للرجال فقط ، وإنما عرفت مصر حكم النساء أيضًا. ولم يكن كل الحكام من أصل ملكى . وأنّ كل ملوك مصر كانوا يُقدّرون أوزير. والمعنى هو احترام الملك لتطبيق القانون بالعدل على كل المواطنين. وهو أيضًا مثل حورس الذى انتصر على الظلم وحقق العدل. وتميّز الملوك بحب العلم والأدب.وعرفنا (بالصور) أنواع التيجان. ودور الملك فى إدارة حروب الدفاع عن مصر. مثل أحمس وتحتمس الثالث ورمسيس الثانى والمعارك التى خاضوها والتى يعتبرها العلماء من أهم المعارك الحربية فى التاريخ. وفى إشارة دالة ذكرتْ المؤلفة أنّ بعض الوثائق تؤكد أنّ الملوك كانوا يؤدون الضرائب مثلهم مثل أى مواطن. وشرحتْ نظام القضاء والمحاكم فى مصر القديمة. وأنّ المصريين القدماء وضعوا القاعدة القانونية الشهيرة ((أنّ المتهم برىء حتى تثبت إدانته)) .
فى الجزء الرابع تناولتْ قصة بناء الأهرامات. وأنها معجزة هندسية. وأنّ عدد الأهرامات المعروف حتى الآن 96 هرمًا. وشرحتْ العلاقة بين شكل الهرم وبناء المسلات. وبالصور كتبتْعن هرم سقارة أول الأهرامات. وعلاقة الأهرامات بفن العمارة. وأنّ سقارة مثل المعهد العلمى ، حيث على جدران مقابرها أجمل ما رسمه الفنان المصرى عن أدق تفاصيل الحياة اليومية من عمل الفلاح فى الحقول والمحاسب الذى يُسجل عدد الطيور. وشرحٌ لمقبرة(ميروركا) ومقبرة الحكيم (بتاح حوتب) الذى كتب ((لو وصلتَ إلى مكانة كبيرة بعد أنْ كنتَصغيرًا وأصبحتَ معروفــًا بين الناس ، فلا تبخل عليهم بمعرفتك)) وشرحٌ لمعبد (السيرابيوم) ودورالعالم (مرييت) والعالم (شامبليون) وعن الملك (سنفرو) مؤسس الأسرة الرابعة وعصر الأهرامات ، فإنّ جدودنا المصريين أطلقوا عليه ألقابًا مثل (العادل الرحيم) و (الملك المحبوب)أما هرم (ميدوم) فهو مرحلة مهمة فى تطوير بناء الأهرامات. ونفتْ المؤلفة أكاذيب السُخرة التى يُرددها أعداء مصر. وتناولتْ قصة بناء (أبو الهول) وتحدّثت عن آخر حكام الأسرة الخامسة الملك أوناس وهرمه فى سقارة. مع الإشارة إلى متون الأهرامات . وذكرتْ أنّ ولع شعوب العالم بمصر جعلهم يبنون أهرامات فى بلادهم مثل الهرم الموجود فى اليابان . وأنّفندقــًا ضخمًا فى مدينة لاس فيجاس الأمريكية على شكل هرم. وأنّ متحف اللوفر الجديد يأخذ شكل الهرم .
الجزء الخامس عن فن الخزف. وفى الصفحة الأولى صورة بديعة لزهرية محفوظة فى متحف بروكلين بنيويورك على شكل امرأة ترقص. وأنّ هذا التمثال مصنوع من (التيراكوتا) أى الطين المخبوز. كما صنع المصرى الآنية للحياة اليومية. وكان الفنان يُعلّم أطفاله أسرار مهنته. كما اخترع الآلات الخاصة لصناعة الفخار. والجزء السادس عن فن العمارة وأسلوب تصميم المعابد. وأنّ مصر القديمة عرفت الحمّام داخل البيوت بل والحديقة المنزلية. وعرضتْالمؤلفة بعض النماذج من الأثاث. وفى الصفحة الأخيرة تحدّثت عن المهندس حسن فتحى ودوره فى العمارة الحديثة من المواد المحلية وبنفس طريقة العمارة القديمة. والجزء السابع عن فن التصوير والنحت. وأنّ هذا الفن ارتبط بعلم التشريح. واختتمته بالحديث عن محمود مختار وعبدالهادى الجزار. والجزء الثامن عن فن الموسيقى مع شرح لبعض صور العازفات على الجداريات مثل مقبرة (نخت) فى الأقصر. وتحدّثتْ عن الآلات الموسيقية المتنوعة. وفى سقارة جدارية عبارة عن أوركسترا مكونة من أحد عشر عازفــًا من الجنسين. والجزء التاسع عن فن تصميم الملابس والحلى. وأنّ التكسيرات المعروفة ب (البليسيه) من اختراع مصر القديمة. ومن أجمل مقتنيات متحف اللوفر مكحلة على شكل طفلة تسبح. والجزء العاشر عن فن الطب والدور العظيم الذى قام به إيمحوتب صاحب المواهب المتعددة فى أكثر من مجال فنى وعلمى . وصاحب أول قانون أخلاقى لمهنة الطب (قَسَم الأطباء) قبل أبوقراط . وأنّمصر عرفتْ معظم التخصصات الطبية ، وإجراء عملية فى المخ (التربنة) وتتعدد مواهب د. مرفت فتكتب مخاطبة مصر ((لما باست الشمس طينتك / كانت طوبة بنوا بيها أول بيت / ومنها كان تمثال وقلة للعطشان/ وزهرية لها عينين/ فى جمالها يا ما حكيت/ وعلى الهارب ويا الناى عزفوك/ لحن لغنوه ولبلادى مجد وصيت/ تقول الجمال دا نعمه/ ياريت يبقى فى حياتنا / مش بس فى الحواديت)).