عاش السيد المسيح مع تلاميذه قرابة الثلاثة أعوام علمهم فيها الكثير عن الأمور المختصة بفكر الله وإرادته الصالحة للإنسان وكيف يمكن أن يعيش في علاقة حب وقرب من الله. بعد صلب السيد المسيح وقيامته ظهر لتلاميذه عدة مرات على مدى أربعين يوماً علمهم فيها أكثر عن فدائه على الصليب وكيف تمم بهذا نبوات أنبياء الله الأقدمين. في لقائه الأخير معهم
قبل صعوده للمجد سأله التلاميذ عن الأزمنة والأوقات لأحداث مستقبلية. لكن السيد المسيح أجابهم: «لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ»(أعمال الرسل 1: 7). في مشهد آخر رأى يوحنا الرسول رؤية أثارت إهتمامه (رؤيا 5: 1-14). رأى على يمين الجالس على العرش (الله) “سِفْراً مَكْتُوباً مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ وَرَاءٍ، مَخْتُوماً بِسَبْعَةِ خُتُومٍ”. أراد يوحنا المضطهد والمنفي في جزيرة بطمس أن يعرف المكتوب في السفر وما به من أزمنة وأوقات بخصوص مسيرة التاريخ وقضاء الله وتحقيق مشيئته في العالم. إنه يريد أن يعرف متى وكيف سوف يتعامل الله مع الظلم والفساد ويخلص أولاده من الإضطهاد الواقع عليهم وينشر ملكوته في أنحاء المسكونة. لكنه لم يوجد من هو مستحق أن يفتح السفر أو يفك ختومه. فصار يبكي كثيراً.
هذين المشهدين يظهران رغبة الإنسان أن يعرف الذي سيحدث في المستقبل وكيف ومتى سيحدث. لكن الرب وضح لتلاميذه وليوحنا أن الذي يجب أن يهتموا به ليس الأزمنة والأوقات بل في من تتحقق الأزمنة والأوقات ثم دورهم في تحقيقها.
أولاَ إن مشيئة الله الصالحة تتحقق في شخص السيد المسيح الفادي والمخلص للعالم. إنها لا تتحقق ولن تتحقق في قوى سياسية أو إقتصادية بغض النظر عن إنتماءاتها أو مدارسها الفكرية. إنها تتحقق فقط في ذبيحة المسيح الكفارية. لذلك يرى الرسول يوحناتطوراً في المشهد فيقول: “وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ .. حَمَلٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ .. فَأَتَى وَأَخَذَ السِّفْرَ مِنْ يَمِينِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ”. إن الوحيد الذي له الحق في فتح ختوم السفر هو الخروف الذي تبدو عليه علامات الذبح. إن موت المسيح الكفاري هو الذي يقود مسيرة التاريخ نحو الهدف الأقصى الذي عُين له لتتم ملئ المشيئة الإلهية الصالحة لخلاص كل من يؤمن بالمسيح، ويملك الله عليهم بالحب إلى الأبد.
ثانياً دور التلاميذ (المؤمنين بالسيد المسيح) في تحقيق هذا.ويلخص الرب هذا الدور في أمرين أولهما الشهادة للمسيح. إذ قال الرب لهم “سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ، وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ، وَالسَّامِرَةِ، وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ”. إن منطق هذا واضح. فإن كان موت المسيح الكفاري هو الذي يقود مسيرة التاريخ نحو هدفه الأقصى، فبالتالي ينبغي أن يشهد التلاميذ عن هذه الحقيقة المباركة. إن شهادتهم عن المسيح بقوة الروح القدس عنصر فاعل في قبول كثيرين للإيمان بفداءالمسيح وتحقيق مشيئة الله الصالحة في خلاص نفوسهم.
دور التلاميذ الثاني هو الصلاة. إذ نرى في المشهد مع السيد المسيح الذي يأخذ السفر ليفك ختومه، نرى الأربعة والعشرين شيخاً الذين يشيرون إلى المؤمنين على مر التاريخ وهم يحملون جاماتهم المملوة بخوراً التي هي صلوات القديسين. إن الكنيسة بمؤمنيها لا ينبغي أن تشغل نفسها في محاولة معرفة الأزمنة والأوقات بقدر أن تشغل نفسها بالصلاة لله كما علمنا السيد المسيح فيما يُسمى بالصلاة الربانية “لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ، كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ”.
إن هذا لا يعني أن المسيحي لا يهتم بقضايا وطنه. لكنه يعني أنهيفعل هذا بإخلاص وحب بالإضافة إلى الصلاة والشهادة بكلمة اللهالذين بهما يشترك مع الرب في تحقيق الأزمنة والأوقات التي وضعها الآب في سلطانه.