– نتعامل مع الاستبداد وكانه من تقاليدنا
– لا ادرى لماذا نتعامل مع الخليفة المامون بكل هذه الحفاوة رغم اضطهاده للاقباط
– النزعة الرومانسية وتقييم الشخصيات الزائف بالتاريخ جعلنا نعيش الوهم
– الاخوان يشبهون عجوز يريد ان يظل مرتديا جلباب صبى
فى ظل حالة الغرق الكامل فى بحر السياسية والانتخابات .رحل عن عالمنا منذ نحو شهر المفكر الكبير والمؤرخ حسين احمد امين دون ان ننتبه لقسوة فراق قامته الفكرية التنويرية .
تواكب ذلك مع حالة مرضية امر بها جعلتنى اقصر فى حق هذا الرجل العظيم الذى كان لى شرف لقائه فى عام 2005 واجرى حوار اظن انه مهم نشرته جريدة وطنى باللغة الانجليزية فى الملحق الدولى .عكفت اليوم على النبش فى مكتبتى على مسودته حتى وجدته وارى انه من المفيد اكراما لذكرى كاتب كبير ان نستمع مجددا لصدى صوته يرن حاملا انوارا لعلها تضىء لنا مستقبلا اتى
حسين أحمد أمين .. مواليد 19 يونيو 1932 وهو نجل المؤرخ الإسلامي الكبير الدكتور أحمد أمين تخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة 1953 التحق بالسلك الدبلوماسي المصري عام 1957 وعمل ملحقا فسكرتيرا ثالثا بالسفارة في اوتاوا «كندا» فسكرتيرا ثانيا بالسفارة في موسكو ومستشارا بالسفارة في لاجوس ونيجيريا فوزيرا مفوضا بالسفارة في بون «المانيا» فقنصلا عاما في البرازيل فسفيرا لمصر في الجزائر حصل كتابه الأول «دليل المسلم الحزين» علي جائزة أحسن كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1984 اهدت له الحكومة الألمانية وسام الاستحقاق الأكبر عام 1983 وعمل مستشارا للجنة الدولية للصليب الأحمر بجنيف استاذا للدراسات الإسلامية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أستاذا زائرا بجامعة جورجتاون بواشنطون. صدر له أكثر من 30 كتابا
عندما نفتح ملفات التاريخ لا نقصد الهروب إلي الماضي وخاصة ونحن نعاني من حاضر ضبابي وغامض بل نفتح هذه الملفات لأننا قد نجد فيها أسباب هذا الغموض وذلك الضباب لعل وعسي تظهر لنا بقعة ضوء نحو المستقبل، لذلك التقينا بالكاتب الكبير المؤرخ حسين أحمد أمين وكان هذا الحوار. -في البداية ما هو التأثير الذي تركه الدكتور أحمد أمين علي نجله حسين؟
— طبعا تأثير والدي تأثير غامر يجب أي تأثير آخر حتي تأثير تولستوي. فحبي للأدب والتاريخ وتعلقي بالتاريخ الإسلامي بالذات.. وطريقة النظر الي المصادر وتقييمها كل هذا انتقل من والدي إلي وأذكر وكنت في الصف الأول الثانوي وكلفت بعمل بحث عن الخلاف بين «الأمين والمأمون» وعرضته علي والدي فنبهني إلي أن المصادر التي ذكرت هذا الخلاف أما فارسية أو شيعية وكان هوي الفرس والشيعة مع المأمون لأن والدته فارسية وكانت له ميولا شيعة بينما الأمين عربي قح لذلك لابد أن أرعي هوي المؤرخين، ومع ذلك فإني اختلف مع والدي في عدة أمور فهو يبالغ في تمجيد المعتزلة وأنا اعتبرهم المسئولين عن أول محاكم تفتيش في تاريخ الإسلام كذلك كان ينتقد الصوفية ولست قاسيا عليهم. –
-هل أنت مع مقولة إن التاريخ يعيد نفسه وما دور المؤرخين في تأكيد أو نفي هذه المقولة؟
–تكرار المواقف موجود في كل تاريخ فمثلا محاكم تفتيش العصور الوسطي تكررت في أوائل الثمانينات في أمريكا حيث أسس «جوزيف ماكارثي» لجنة تحقيق أثارت الذعر واذكر انه حقق مع الكاتب المسرحي ارثر ميللر. ومع ذلك لا نستطيع أن نقول إن التاريخ يعيد نفسه ودائما المؤرخ مثل صياد السمك وماذا يريد أن يصطاد فقد يكون هو يحب السردين أو الجمبري ويستخدم ادوات مناسبة لكل نوع من السمك وإذا خرج له نوع لايريده يلقي به في البحر! والمؤرخ يلقي بشبكته في الحقائق ويختار ما يناسب وجهة نظره ويلقي بالباقي في البحر ونادر جدا عندما تجد مؤرخ يعامل كافة الحقائق بموضوعية وحتي المؤرخ المفضل عندي «الانجليزي جيبون عاش في القرن 18» كانت له ميوله الخاصة الوحيد الذي يمكن أن تطمئن لحياده المؤرخ الأثيني «ثيود سيت» الذي سجل تاريخ الحرب بين اثينا -واسبرطه.
-وماذا عن مؤرخي التاريخ الإسلامي؟
— بالنسبة للتاريخ الإسلامي فهناك ميزة استفاد منه المؤرخون وهي انهم كانوا يحاولون من خلال كتابة التاريخ التعرف علي كنهة الإرادة الإلهية وهي لا تفهم إلا إذا تم تسجيل كافة الحقائق وبالتالي فالتشويه يؤدي إلي عبث وتعطيل لفهمنا لهذه الإرادة فتجد الطبري – أعظم مؤرخ إسلامي – يذكر مصادر الحدث وإذا كانت له رواية أخري يذكرها حتي إذا كان الاختلاف بين القصتان كلمة واحدة مع ذلك نري أن هناك مؤرخين ليسوا بمثل هذا الورع ويراعوا ميول الخلفاء مثل مؤرخي العصر العباسي في حكمهم علي العصر الأموي فالكتاب الغربيون يعتبرونه واحداً من أشهر عشرة أداريين في العالم في حين أن المؤرخين المسلمين قساة جدا في تقيمهم له.
-ماذا عن رأيك في مناهج التاريخ بالمدارس؟
— مضحك فمثلا تجد تمجيد غريب للخليفة «المأمون» وإلي جانب المناهج فتجد شارع ضخم باسمه وعدة مدارس مع أن هذا الخليفة أول خليفة يزور مضر لإخماد ثورة الأقباط والعرب واستخدم وحشية مفرطة للقضاء علي هذه الثورة ومعاملته للمصريين كانت سيئة جدا.. فلماذا كل هذا التكريم لا أفهم.. فمؤلفو هذه الكتب ولا المدرسون ولا الطلبة يؤمنون بهذه الحكايات وبالنسبة للطلبة فالمهم أن يتقيئوا المعلومات في ورقة الامتحان
– وما هي مشاكل المسلمين مع التاريخ الإسلامي؟
— هناك مشكلتان أولا الطابع الروماني الذي يطبع نظرتنا للتاريخ الإسلامي والمسئول عن هذا الطابع للأسف الشديد رجل عظيم فاضل هو جورجي زايدان وهو أول من نبه إلي التاريخ الإسلامي برواياته لكنه غلب النزعة الرومانسية علي حقائق التاريخ. وأبادر فأقول إنه كان له فضلا عظيما في دراسة الحضارة الإسلامية والأدب العربي لدرجة أن المستشرق «هيملتون جيب» أميل إلي الاعتقاد بأن فضل جورجي زيدان أكبر من فضل محمد عبده علي الفكر الإسلامي. والمشكلة الثانية هي التقييم الزائف للشخصيات في التاريخ الإسلامي فالمسلمون يدخلون مغارة مظلمة وفي أيديهم بطارية يصوبون ضوءها علي مواقع معينة في المغارة دون الأخري ثم المغارة والطبري وامثاله كانوا عادلين في حكمهم علي الشخصيات بعد ذلك حدثت مبالغات غير محمودة فمثلا لا يوجد مسلم يقبل أن يذكر عيب ثم يدعون لأنفسهم الحق في وصف وتقييم كل المغارة في من يسميهم «أبطال الإسلام» وأنا شخصيا عندما« استشهد بمؤرخ عظيم مثل «الواقدي» أو «ابن سعد» في الحديث عن «سعد بن أبي وقاص» أو «عمر بن الخطاب» كثيرا ما يوجه لي ا لانتقاد بأني أهدم رموز الإسلام بينما هذا هو أبعد ما يكون عن قصدي وبوسعي بسهولة أن أريهم المراجع فـ «سعد بن ابي وقاص» بطل القادسية لم يشهد هذه المعركة وكان يتجنب الحروب ويرسل بديلا له نفس الأمر عندما أذكر عمر بن الخطاب وهو خليفة ضرب جارية محجبة بالسوط وصاح بها «تتشبهين بالحرائر» عندما أذكر هذا الكلام.. المسلمون يفزعون لأنهم لم يعودوا يقرأون الكتب القديمة فهم يقرأون هيكل ومصطفي محمود وأحمد يهجت وهم ينتقون ما يعجبهم من التاريخ. –
-وما تأثير هذه المشكلات علي شخصية المسلمين الآن؟
— النزعة الرومانسية ووضع الشخصيات كرموز خلق عالم من الوهم يفضلون العيش فيه علي أن يعيشوا في الواقع ويصدمون عندما يواجهون الحقيقة
. – وهل هذا له علاقة بنشأة التطرف؟
— بالتأكيد فالرومانسية وعالم الشخصيات المثالية يخلق التشدد السلفي والتطرف في محاولة إعادة هذا الماضي الجميل الذي يجدونه أكثر من رائع في كتب التاريخ وهذا إلي جانب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وغيبة الحرية السياسية يؤدي إلي نشأة التطرف وكراهية الأخر وعدم قبوله وإلقاء تبعة المشكلات التي يعانونها علي ذلك الاخر.. بالاضافة إلي ذلك سوء التربية وعدم التمرن علي احتمال الغير. –
-كمؤرخ عاصر نشأة الإرهاب في الجزائر هل تري أنه قد انتهي بالفعل هناك؟ —
— التصريحات التي صدرت مؤخرا حول نهاية العنف والإرهاب في الجزائر في حاجة إلي توضيح فبالتأكيد الحوادث انحصرت لحد ما ولكني شبه متأكد أنه ليس دائما أن الجماعات الإسلامية في الجزائر هي المسئولة عن المجازر التي ارتكب منها نسبة كبيرة ضابط الجيش الذين يحاولون الاستيلاء علي الأراضي الخصبة من الفلاحين. –
كتبت عن «سيد قطب» و«حسن البنا» ماذا عن رأيك في جماعة الإخوان المسلمون ومدي تقييمك لافكارهم المطروحة مؤخرا؟
— الإخوان المسلمون منذ مدة يحاولون أن يظهروا أنفسهم أمام الحكومة وأمام الرأي العام العالمي بأنهم الجماعة الإسلامية التي تقبل مبدأ الوصول للسلطة بالطرق الديمقراطية ولذلك يدخلون انتخابات نزيهة ويحاولون تغير نظام الحكم والقوانين في هذا الإدعاء أم لا انما هم في الظاهر علي الأقل أقل الجماعات الإسلامية الراهن رغبة في اللجوء للعنف والمشكلة عاصرتها وأنا في مجلس إدارة جمعية النداء الجديد حيث دخل الراحل سعيد النجار في حوار لتوحيد مواقفهم معنا، والمشكلة التي وجدها سعيد النجار هو أن الإخوان المسلمون يؤمنون بأن إذا أرادت نسبة 99% من الجماهير تغير حكم واحد من أحكام الشريعة إن من واجب الحاكم أن يحاربهم ولا يجوز التغير وبالطبع لم يقبلها ليبرالي مثل سعيد النجار أول ما قيل له في كلية الحقوق أن القوانين تتغير بتغيير الأحوال وأن الشعب الذي يصر علي أن يحكم بقوانين مضي عليها 14 قرنا كالرجل الذي يصر علي أن يرتدي حلة كان يلبسها وهو صبي وهنا توقف الحوار بين النداء الجدد والإخوان المسلمون.. أمر آخر أعود فيه إلي الجزائر عندما شاهدت مولد جماعة جبهة الانقاذ الإسلامية كانوا في الانتخابات يتظاهرون مثل الشيخ «عباس مدني» بقبول تداول السلطة وما تسفر عنه الانتخابات وهذا تظاهر مؤقت فلن تكون هناك حرية ولا تعددية ولا تداول للسلطة وكيف يمكن لهؤلاء أن يقبلوا تعددية وهم يسمون أنفسهم بحزب ا لله وغيرهم بأحزاب الشيطان فهل يترك حزب الله أحزاب الشيطان تصدر صحفا وتنشر تعاليمهم وهو ما ينطبق علي الإخوان المسلمون؟ – – ماذا عن الإصلاح.. وهل تري أنه يمكن أن يأتي من الخارج؟
–الإصلاح إذا جاء من الخارج كنصائح بأشياء طيبة نجد أن الحكومات تستخدم دعوي أننا نرفض أي ضغط من الخارج لكي تحدث إصلاحات بدعوي مخالفتها لتقاليدنا والحكومات سوف تظل تردد هذا وكأن الاستبداد من تقاليدنا التي نحرص علي استبقاءها وللتمسك بها فلن نري إصلاحا في ظل الحكومات الراهنة ولا الخارج يريد لنا الاصلاح لخدمتنا، وإنما سيأتي الإصلاح بالإرادة الشعبية ضد الأنظمة ويبقي التساؤل الضخم هل في الشعوب الإسلامية ما يحول دون ظهور أنظمة ديمقراطية فدولة مثل الهند كان فيها هندوس ومسلمين عندما تنقسم لدولتين نجد الهند ديمقراطية وباكستان بوليسية استبدادية لماذا؟