رسمت ريشة الوحي المقدس اللقاء الأخير للرب يسوع مع تلاميذه ساعة الصعود وهو يتحدث لهم بوصية الوداع، ويسلم لهم لواء الشهادة والكرازة.
نعم ! كان لابد من وجود لحظة حاسمة وفاصلة يعود فيها الرب يسوع إلى مجده بعدما أمات الموت بموته ، وقام ظافراً منتصراً ، وأقامنا معه ، لكن ما يشد الانتباه في قصة الصعود هو ما سجله البشير لوقا عن التلاميذ إذ يقول ” فسجدوا له ثم رجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم (يو24: 52) وهنا نجد السؤال : كيف يمكن أن يكون يوم الوداع والفراق هو يوم فرح عظيم بالنسبة للتلاميذ ؟ كنت أتخيل أن ريشة الوحي ترسم لنا صورة باكية ، مؤثرة للغاية ، تجسد لنا العواطف والمشاعر المتألمة لفراق الأب المحب، والراعي الأمين والمعلم الصالح صورة تقطر بالدموع وتنطق بالآهات لغياب القائد العظيم ورفيق الطريق لاشك أن هناك من الأسباب ما يفسر لنا هذا المشهد .
أولاً : كان يوم الصعود بمثابة يوم تنصيب التلاميذ على أروع إرسالية
لقد أوكل الرب يسوع لتلاميذه في يوم صعوده مسئولية الكنيسة والكرازة إذ قال لهم:” اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها … اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يعملوا بكل ما أوصيتكم به ، فانطلقوا يبشرون في كل مكان وكان الرب يعمل بهم ويؤيد ويثبت الكلام بالآيات (راجع مت 28ومر16مع أع 1) .
لقد شعر التلاميذ أنهم أصبحوا موضع ثقة وتقدير من السيد ، وأن تكليفهم بهذه المهمة هو بمثابة تقليدهم بأرفع وسام ، فالخدمة تكليف وتشريف لكل لإنسان على سطح الأرض ، لعل هذا هو السبب الرئيسي الذي جعلهم يرجعون من وداع الرب وهم في فرح عظيم .
ثانياً : لأنه في يوم الصعود وعد التلاميذ بعدم تركهم
كيف يصعد إلى السماء ويكون معهم على الأرض في وقت واحد كما قال لهم:- ” ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر ” (مت28: 20) هذه معادلة صعبة لا يقدم جواباً شافياً لها إلا حقيقية لاهوت المسيح ، فهو الإله الغير محدود ، الذي لا يحده مكان ولا يحتويه زمان ، ولعل هذا يفسر لنا ما قاله الرب يسوع لنيقوديموس : ” وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء ” (يو3: 13) .
هذا ومن ناحية أخرى لقد وعد الرب يسوع التلاميذ ساعة الصعود بالروح القدس كما نرى في قوله ” ها أنا أرسل إليكم موعد أبي فأقيموا في أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي… ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم ” (لو24: 49) و ( أع1: 8) هذا ما عزاهم وطيب خواطرهم، وشجعهم، وجعلهم يشعرون بسلام عميق ويرجعون إلى أورشليم بفرح عظيم.
ثالثاً : لأنه صعد لإعداد الأمجاد وبعد إلى مجد يأخذنا
في وقت الصعود وبينما التلاميذ يتطلعون إلى السماء والرب يسوع ينطلق إليها ، إذ رجلان قد ظهر لهم بثياب بيض وقالا : ” أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء، إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء (أع1: 10)، ولعل التلاميذ في ذلك الوقت تذكروا ما قاله السيد، والذي سجله لنا البشير يوحنا عندما قال : ” أنا أمضي لأعد لكم مكاناً … وأن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي أيضا وآخذكم إلىّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا ” (يو14: 3) .
نعم ! أن يوم الصعود يذكرنا بيوم مجيئه إلينا ثانية ليأخذنا إلى الأمجاد، ولهذا عاد التلاميذ إلى أورشليم بعد وداعهم للرب يسوع بفرح عظيم .
رابعاً : لان الرب يسوع بارك التلاميذ قبل الصعود مباشرة
يذكر البشير لوقا ص24: 50 أن الرب يسوع وهو صاعد إلى السماء ” رفع يديه وباركهم ” ولعل هذا أكبر دليل على أنه صعد راضياً عنهم ، غافراً … لهم لقد سامح بطرس الذي أنكره ، وغفر لتوما الذي ارتاب في قيامته ، والتمس العذر لجميع التلاميذ الذين تركوه كلهم وهربوا في أحلك الظروف … ساعة الصليب (مت26: 56) إن إحساس التلاميذ برضي الرب وغفرانه لتقصيراتهم وضعفاتهم جعلهم يشعرون بالرضا والسعادة ، وجعلهم يرجعون من وداعه إلى أورشليم بفرح عظيم لتكن صلاتنا ” علمني يارب أن أعمل رضاك (مز143: 10) .
ولتكن حياتنا حياة الإيمان لأنه بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه ”