احتفلت مصر بعيد القيامة المجيد، عيد الحب العظيم، وانعكست فرحة العيد على الشارع والبيت المصرى، على الرغم من الحالة الأمنية الصعبة التى نعيشها. ويبدو أن المشاكل والصعاب تزيد الروابط بين الناس وتقوى الحب بينهم، وهذا ما شعرنا به خلال احتفالات العيد فعلا
فالفرحة كانت عارمة والناس تتبارى فى تقديم التهانى بالعيد، ولا فرق بين مسلم ومسيحى وعلمانى وليبرالى، فكلنا مصريون تاريخنا واحد وحضارتنا العظيمة واحدة والحب العظيم يجمعنا منذ آلاف السنين، المؤرخ الأمريكى هنرى برستيد كتب كتابا عن مصر القديمة ولم يجد عنوانا مناسبا له إلاL فجر الضمير) لأن مصر هى أصل الحضارة التى عرفت الانسان فى كل مكان بما هو الضمير الذى يحافظ على القيم النبيلة والسلوك الانسانى الذى يحترم الآخر ويحبه مهما اختلف معه، أليس هذا هو العظيم الذى رضع منه المصريون منذ الزمن البعيد؟ وهو يتجلى الآن فى صورة الجميلة المتباينة.
عيد القيامة المجيد هو فعلا أبهى صورة للحب العظيم. هكذا أحب الله العالم فبذل ابنه الوحيد حتى لا يهلك كل من يؤمن به..
والقيامة هى عبور من الموت إلى الحياة ومن اليأس إلى الأمل، ومن هنا نفرح بها ونطرح آلامنا ومشاكلنا ونتهيأ لمستقبل أفضل وحياة كريمة، ونتعلم من القيامة التسامح والمغفرة لكل من يسئ إلينا فالحب العظيم يدفعنا للتسامح ومقابلة الاساءة بالحسنى والشر بالخير فالحب هو أساس الوجود وحقيقة الحياة، وهذه أيضا فلسفة المسيحية، ألم يقل السيد المسيح فى موعظته على الجبل: (حبوا أعداءكم، أحسنوا الى بمغضيكم، صلوا من أجل الذين يسيئون اليكم، من سيرك ميل إمشى معه ميلين، من طلب منك الثوب أعطه الرداء..).
هذه فلسفة مثالية جميلة قد يعتقد البعض انه لا يمكن تطبيقها فى الواقع، لكن الواقع أثبت انه يمكن تطبيقها حتى تكون الحياة سعيدة جميلة. لقد طبقها الزعيم الهندى غاندى فى القرن العشرين واستطاع أن يهزم بها الامبرطورية البريطانية التى كانت الشمس لا تغيب عنها. وطبقها أيضا زعيم جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا، الذى ضرب أقوى الأمثلة على التسامح مع الذين عذبوه وسجنوه 28 سنة دون حق إلا لأنه يطلب الحرية ومساواة البيض مع السود لأنهم كلهم بشر، سامحهم بعد الاستقلال بل أشركهم معه فى الحكم لأن قلبه كان مليئا بالحب العظيم يصنع المعجزات ويبشر بعالم كبير ملؤه السعادة والرخاء والازدهار.
خلال أيام عيد القيامة المجيد كانت الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية هدف الزائرين من المسئولين وأعضاء الحكومة ورئيسها وسفراء الدول الأجنبية والعربية وشيوخ الأزهر الأجلاء، ورجال الأحزاب ومرشحى الرئاسة والشعب بكل طوائفه، الكل يعبر عن مشاعره الحقيقية الصادرة من القلب، الكل يعزف سيمفونية الحب العظيم والوحدة الوطنية التى لايمكن قطع نسيجها. هذه هى مصر أيها السادة، وهذا هو الرد العملى على الارهاب والتطرف والعنصرية.
كاتب هذه السطور لم يتوقف تليفونه قبل أيام العيد وأثنائها وبعدها، الكل يهنئ ويقدم التمنيات والأمنيات السعيدة لنا جميعا لمصرنا أم الدنيا، تهانى من داخل مصر وخارجها من زملاء وأصدقاء وجيران وأحباء ربما باعدت الأيام والبلاد بيننا، صديق من أمريكا يعمل فى الأمم المتحدة منذ عشرات السنوات يتحدث إلىً من هناك للتهنئة وتقديم الأمنيات، ومن أوروبا ومن كندا، ومن الدول العربية، من السعودية حيث صديق وأخ سعودى يعمل فى الجيش السعودى ( عقيد سلامة وزوجته صالحة ) يهنئاننا بالعيد والتمنيات الطيبة، من كل مكان فى العالم، ومن الداخل وهكذا الحب العظيم بين الشعوب، وهذه هى الحضارة الانسانية الحقيقية التى ستنتصر، حضارة الحب العظيم الذى يعبر عن انسانيتنا الحقيقية والذى يقول لنا بوضوح..
الحب العظيم هو الذى سينتصر.. كل عام وانتم والعالم كله بخير وسلام، ودعاء لأن يهدى الله كل من يخرج عن منظومة السلام والحب حتى تستطيع البشرية التقدم والنمو.