لا يمكن إنكار حقيقة أن باسم يوسف قد أصبح ظاهرة، وأن برنامجه يعد أحد البرامج الأكثر مشاهدة إن لم يمكن الأكثر على الإطلاق بين جميع البرامج الناطقة باللغة العربية. وقد لا يكون أسلوبه النقدى الساخر جديدا، ولكنه بكل تأكيد مختلف ومميز.
وفى حين أن أسلوبه يتماس مع هموم عامة، إلا أن طابعه الساخر لا يخلو من إبتذال وايحاءات جنسية. ومع ذلك فإن سخريته وابتذاله يفضحان عبث الواقع وابتذله. فكيف يمكننا ان نقرأ هذه الظاهرة؟ أتصور أن نجاح باسم يوسفوتحوله إلى ظاهرة له أسبابه السياسية والشخصية. وفى هذا المقال أفترض سببين قد يفسران نجاح باسم يوسف فآ أن يتحول إلى ظاهرة إعلامية.
فمن ناحية أولى، يمكن القول بأن نجاح باسم يوسف راجع إلى أسلوبه والذى يرتكز على ابتذال المُبتذل. فهو يسخر من أشخاص ظواهر إما مراوغة أو مثيرة للسخرية، ويدعها كما هى تطفح مراوغة أو ابتذالا فيخاطبها بمستوى ابتذالها، فيضحك المشاهد من الناقد والمنقود. وهكذا يكون أسلوبه هادفا ومقبولا وتكون السخرية ذات وظيفة نقدية.. فلنقل أنه يستهدف شخوصا سياسية أو إعلامية تبتذل عقول المشاهدين إما كذبا أو حتى عن قناعة. ومن ثم يكون “الجزاء من جنس العمل”. ولأن هناك فائض من المراوغة والابتذال، فإن باسم سوف يتعامل مع مادة وفيرة ولا يضيف إليها إلا القليل من السخرية الفاضحة فيبتذلها. إن ما يفعله باسم يوسف هو أن يفضح أو يبتذل الابتذال.
أما السبب الثانى فيتعلق بإرتباط باسم يوسف كظاهرة بالسياق العام الذى يتسم باللاشرعية. فمن الواضح أن الثورة جاءت كعاصفة لنزع الشرعية عن الكيانات القائمة، وكل من سعى (أو يسعى)لفرض شرعية ما يسقط سريع فى هوة اللاشرعية. وكانت البداية من منصات ميدان التحرير، فكل من صعد على هذه المنصات وعلا نجمه، سرعان ما لفه ظلام اللاشرعية، وأصبح الإعلام قبلة ومقبرة الباحثين عن الشرعية. وربما يكون باسم يوسف على وعى بهذا المناخ العام أو هو ذاته أحد تعبيراته، فهو يستقى شرعيته من اللاشرعية السائدة، ولم يسع مطلقا إلى إضفاء شرعية على أى أحد، وربما لم يطمح هو ذاته فى أن يحظى بشرعية. أما تحوله إلى ظاهرة لا يعنى أنه حظى بشرعية ولكن لأنه استطاع السباحة وحفظ توازنه فى دوامة اللاشرعية. فما يفعله باسم يوسف هو مواصلة نزعشرعيات مفتعلة أو وهمية فى الاعلام والسياسة. ولو حاول باسم يوسف أن يضفى شرعية على أحدلأصابته لعنة اللاشرعية.
وهكذا يمكن القول أن ذكاء باسم يوسف، وليس خفة الدم، هو سر نجاحه، فقد إستطاع أن يوظف الابتذال ويعزف على أوتاره، كما استطاع أن يضبط رقصاته الاعلامية على نغمة اللاشرعية. وهكذاتمكن من التواصل مع وعى عام يكره الابتذال ويحبه، يتطلع لشرعية ما ولكن لا يمنحها لأحد إلا وهما أو خوفا من مجهول ما. إن ظاهرة باسم يوسف هى فى النهاية جزء أصيل من السياق العام الذى يتسم بالإبتذال وعدم الشرعية، ولكنه ربما يكون باسم يوسف الأكثر صدقا لأنه لا يبرر الإبتذال ولكن يتواصل معه فيفضحه، ولا يدعى شرعية وإنما يواصل تقويض إدعاءات الشرعية.