“البرىء”، “الغول”، “المنسى”، “الإرهاب والكباب”، “طيور الظلام”، “اللعب مع الكبار”، “عمارة يعقوبيان”، “محامى خلع”، كل هذه الأعمال السينمائية وغيرها الكثير فى مجال السينما والتليفزيون والمسرح والإذاعة، نسج خيوطها من داخل صميم ونبض المجتمع المصرى،
وشكل ثوبًا إبداعيًا فنيًا فريدًا، جعل أعماله تدخل ضمن كلاسيكيات السينما المصرية، استطاع كما يقول البسطاء فى الريف المصرى- الذى نشأ فيه – أن يصنع من الفسيخ شربات، إنه المؤلف وكاتب السيناريو الكبير وحيد حامد.. الذى حل ضيفًا على معرض الكتاب فى اللقاء الفكرى
أدار اللقاء الناقد الفنى الكبير على أبو شادى الذى بدأ كلمته قائلا: تحية إلى أخى وصديقى الكاتب والمفكر والمثقف والمهموم دائمًا بقضايا الوطن، وحيد حامد، الذى يمثل بالنسبة لى رحلة عمر وصداقة تمتد لأكثر من أربعة عقود، ولعله من الصعب أن يتحدث الصديق عن صديقه، ومع ذلك فأنا أحب أن أشير إلى أن وحيد وحيد بالفعل فى عالم الإبداع والفن، فهو حالة خاصة جدًا فى عالم الكتابة والسينما المصرية.
وتابع: وحيد كاتب سينمائى وتليفزيونى ومسرحى استطاع أن يخوض غمار الواقع المصرى بكل جراءة، وقدم لنا الواقع المصرى بكل ما فيه من قبح وجمال، لقد استطاع حامد أن يشرح لنا المجتمع المصرى، ليضع أمامنا صورة واقعية وصادمة لما يحدث فى واقع مجتمعنا المصرى، ومهما كانت كلماتى فلن أستطيع أن أوفى وحيد حقه، إنه بحق واحد من رواد السينما المصرية، وقبل أن اختتم مقدمتى أو أن أشير إلى إصرار كاتبنا الكبير على الحضور رغم أنه خرج من المستشفى منذ أيام قليلة، إلا أنه حرص على أن يلتقى بجمهور معرض الكتاب اليوم.
بدأ وحيد حديثه بقوله: أنا سعيد جدًا لوجودى فى معرض الكتاب هذا العام على وجه الخصوص، فهو طاقة النور التى تضئ لنا الطريق وسط الظلام، كما أن الإصرار على إقامة المعرض هذا العام، رغم ما تشهده البلاد، هو دليل على أن الدولة المصرية قادرة على المضى قدمًا فى طريقها لعودة الأمن والاستقرار للبلاد.
أنا أثق أن مصر الثقافة والأغنية والفيلم واللوحة، ستعود لما كانت عليه، من تراث حضارى كان ولازال محط أنظار العالم أجمع.. وأود أن أقول لكم بأن الثقافة المصرية هى واسطة العقد فى الحضارة المصرية، فهى التى التف حولها المصريون، وهى الجواد الذى علينا جميعًا أن نراهن عليه فى الفترة القادمة.
ودعا وشجع أبوشادى الحضور على طرح الأسئلة، بقوله دعونا الآن نفتح باب الحوار، لنستمع إلى وحيد الذى يتحول إلى شخصية أخرى تمامًا، فهو لا يعنيه سوى الصدق والصراحة فى المقام الأول.
حوار مفتوح
وعن جرأته فى طرح قضايا أفلامه والتى قد تثير الكثيرين ضده وعن ما إذا كان مقص الرقيب لا يزال يطارده حتى الآن، قال وحيد حامد: بالنسبة لى أن أؤمن بأن الثبات على رأى وفكر واحد ينتصر للحق، وأعتقد أن هذا الأمر يرجع إلى النشأة والتعليم فى الصغر، فقد نشأت فى مجتمع ريفى نقى وطاهر جدًا، مجتمع القرية المصرية الصغيرة والفقيرة، وقد ظللت مرتبط بكل عادات وتقاليد والموروث الثقافى للقرية حتى المرحلة الجامعية، وقد لا أكون مبالغًا إذا قلت حتى الآن، ولقد حرصت أسرتى على أن تغرس بداخلى تلك القيم التى أعتقد أننا نفتقدها الآن، فقد عاش المجتمع المصرى فى الفترة منذ منتصف الأربعينيات وحتى منتصف الستينيات، فترة من العزة والكرامة التى كانت مضرب الأمثال، فكنا جميعًا وبعد قيام ثورة يوليو تحت زعامة وقيادة رجل انحنى له قادة الدول الكبرى احترامًـا وتقديرًا، حتى وإن اختلفنا معه بعد ذلك، إنه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
لقد حققت مصر كل انتصاراتها العسكرية والاقتصادية والثقافية وغيرها فى ظل حكم رشيد وحكيم، ونسأل الله عز وجل أن يعطينا الحكم الرشيد فى الفترة القادمة.
ومن هنا كان حرصى على ألا أنافق أحدا فأنا من أولئك الذين يسيرون فى طريق واحد لا يتغير، على الرغم من أننى شاهدت وعاشرت العشرات بل المئات من أولئك المتحولون كالحرباء من أجل الحفاظ على مصالحهم الشخصية، ولقد وجدت نفسى من البداية وقررت ألا أكتب إلى ما يمليه على ضميرى مهما كانت الضغوط، وهذا القرار لم أغيره منذ أن كنت أكتب القصة القصيرة فى بداية حياتى، وقد فشلت فى كتابة القصة القصيرة، وكانت نصيحة الكاتب الكبير يوسف السباعى لى بأن أتجه للكتابة الدرامية، هى بداية نجاحى.
وليس هذا فحسب وإنما من الضرورى أن يكون لكل كاتب أو فنان قضية تشغله، وكانت قضيتى التى كانت ولا زالت تؤرقنى وتشغل بالى حتى الآن هى العدالة الاجتماعية بشكل عام، ولأن مجتمعنا كان يعج بالظلم والفساد، جعلت طريق البحث عن العدالة الاجتماعية هو طريقى.
وفيما يتعلق بموضوع الرقابة أؤكد من هذا المكان لكم بأن الرقابة، لم تكن هى التى تصادر أعمالى، وأعمالى التى تم عرضها عُرضت دون وساطة أو محسوبية، وعرضت بسبب إصرارى وتمسكى بقانون الرقابة، والذى يُعطى للمؤلف الكثير من الحقوق، ومن هذا المكان أيضًا أتوجه بالشكر والتقدير للسيدة “نعيمة حمدى”، مسئول جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، والتى أجازت فيلم البرىء بالكامل دون حذف، وما حذف من الفيلم جاء بعد أن قمنا بعمل عرض خاص للفيلم، خرج أحد من كانوا يعملون مع الأجهزة الأمنية، وأوشى للمسئولين فى أمن الدولة والمخابرات الحربية والعامة، بأن الفيلم يدعو عساكر الأمن المركزى للتمرد وقتل القادة.
وعندما أثير الموضوع وتقرر عمل عرض خاص يحضره وزير الثقافة الدكتور أحمد هيكل ووزير الدفاع المشير أبو غزالة ووزير الداخلية اللواء أحمد رشدى بمدينة السينما، خدعنا المنتج أنا وعاطف الطيب وقام بعمل مونتاج للفيلم شوه الفيلم تشويهًا كاملاً، لدرجة أن المشير أبو غزالة، تساءل: الفيلم كويس لماذا إذا جئنا إلى هنا؟!.
وكانت لى صولات وجولات مع الجهات الرقابية أيضًا حول فيلم الغول، وفى الحقيقة ومن وجهة نظرى، أود أن أشير إلى أن من يطالبون بإلغاء الرقابة هم مخطئون، فنحن لسنا ملائكة، فالرقابة موجودة للترشيد وليس للمصادرة، وبالنسبة للأفلام السياسية فكانت الجهات السيادية العليا فى الدولة كما يطلقون عليها هى من تصادرها وليس الرقابة، وكان المحظور لدينا هو الكلام فى الدين دون الرجوع إلى الأزهر أو الكنيسة، وكذلك الكلام فى الجنس وهو القائم حتى هذه اللحظة.
وأوضح أبوشادى أن الرقابة تعترض على الأعمال من الناحية القانونية وليس من الناحية الفنية، والعمل الفنى المتميز دائمًا يقهر ويؤرق أى رقيب، فالأعمال الفنية باقية والرقباء إلى زوال، وذلك يشهد عليه التاريخ منذ إيقاف عرض فيلم شاهين عام 1938، فما من فيلم تتصدى له الرقابة إلا وحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، فرقابة الجمهور الآن فى ظل هذا التقدم الهائل فى تكنولوجيا المعلومات أصبحت هى الأقوى.
ولقد تنبأ وحيد حامد فى فيلم البرىء بكارثة الأمن المركزى فى 25 فبراير 1986، ولو أن المسئولين فى مصر وقتها شاهدوا وحللوا ما قدمه وحيد فى فيلمه، والذى استقاه من واقع الفلاح المصرى البسيط، والذى تمثل فى أحمد سبع الليل، لتغيرت فى مصر أشياء كثيرة!.
وتابع حامد: ما لا يعرفه الكثير أن فيلم البرىء تم تصويره بالكامل داخل سجن وادى النطرون، ودون أى مقابل مادى، فى حين أننا واجهنا عراقيل كثيرة وعديدة أثناء تصوير مسلسل الجماعة، والغريب أن الحزب الوطنى قاوم المسلسل متذرعًا بأن المسلسل سيحبب الشعب أكثر فى الجماعة، والجماعة عارضت المسلسل، وجاءت المعارضة الأقوى والأشرس من قبل الثوار والنشطاء، مع العلم بأننى لم أقل إلا الحقيقة.
وعندما تم تهديدى من قبل بعض قيادات الإخوان قلت لهم المحاكم موجودة فأنا ذكرت ما جاء فى مصادر قادة الجماعة، وحتى الآن لم يجرؤ أحد على أن يكذبنى فيما أوردته عن الجماعة، وعندما عرض على د.عبد المنعم أبو الفتوح ود. عصام العريان وهم من أصدقائى أن يساعدونى ويمدونى بالمعلومات رفضت ذلك، حتى لا أتأثر برأيهم.
وفيما يتعلق بالإيحاءات الجنسية أؤكد والكل فى الوسط الفنى وخارجه يعلمون ذلك، بأننى لا أكتب لأحد مهما كانت شهرته ونجوميته، وهذه الإيحاءات هى بالقطع ضرورة درامية، والمشكلة الحقيقية هى أن المجتمع المصرى والمجتمعات الشرقية تحاول أن تُعتم على الجنس، بكل الطرق والوسائل، وأنا أرى أن المشهد طالما لم يخدش الحياء ولا يوجد به إسفاف فلا خجل من ذلك.
والمشكلة فى كيفية التناول فكلنا قرأنا أدب نجيب محفوظ وعبدالرحمن الشرقاوى ويوسف إدريس، دون أن نشعر بحجل، لأنهم وظفوا كل شى فى مكانه المناسب.
وفى إجابته عن سؤال الحل الأمنى والقمعى لمواجهة الإخوان، أشار وحيد أن الحل الأمنى فقط لا يصلح، ولابد أن نعرف جيدًا أن جماعة الإخوان، تعمل بنفس المنهج ونفس المعتقدات منذ تأسيسها فى عام 1928، وكل عام يتم تفريخ أجيالاً جديدة للجماعة، وتربى على السمع والطاعة العمياء، ولمن يقرءون التاريخ أحب أن أشير إلى أن ما حدث من أعمال عنف وإرهاب فى حادث مديرية أمن القاهرة، هو صورة طبق الأصل مما حدث عام 1948، من قيام أحد أنصار جماعة الإخوان، بوضع قنبلة داخل شنطة بمحكمة القاهرة، والكتائب الإخوانية المتطرفة ليست وليدة هذا اليوم ولكنها منذ أن أسس حسن البنا التنظيم السرى لجماعة الإخوان عام 1942، وأخذ هذا التنظيم فى التطور المجتمعى والقتالى.
وأنا أتعجب كيف لفصيل أن يحارب شعب، لقد كان باستطاعة فاروق ومبارك أن يقتلوا الآلاف، ولكنهم فضلوا أن يتركوا مناصبهم على ألا تراق قطرة دم واحدة.
وانفعل وحيد انفعالاً شديدًا لاحظه كل الحضور، وبدأ يشير بيديه قائلاً: ماذا يريد هؤلاء، بإمكانهم أن يدخلوا الانتخابات القادمة، دون قتل ولا تخريب ولا سفك للدماء، لقد جعلوا الكآبة والحزن يخيم على الشعب المصرى، نحن الآن لا نستطيع أن نشيع جنازة شهدائنا، لماذا كل هذا الغل لماذا كل هذا الدمار لماذا كل هذا الغباء والحقد والكراهية.
وبعد أن قام أبو شادى بتهدئته عاد وحيد للحديث بقوله، الأمر لا يقتصر على الإخوان وحدهم، هناك فئات أخرى لا أدرى ماذا تريد، وبدلاً من اللف والدوران والتأمر، علينا أن نتحلى بالوضوح والمصداقية. وللأسف الشديد لا زال هناك أنصار لمبارك وأنصار لمرسى لهم مصالح خاصة وأجندات خارجية تهدف إلى إسقاط الدولة المصرية، وعلى المجتمع المصرى أن يلفظهم، لعلهم يشعروا بالندم و يعودوا إلى صوابهم ورشدهم، ويعلموا أن مصر هى الباقية والكل إلى زوال.
وفى نهاية حديثه الذى امتد إلى الساعتين أشار حامد إلى أن المجتمع المصرى يفتقد شجاعة المسئولين، فالكل يخاف ويتهرب ويعطى ظهره للمسئولية، مع العلم بأن شجاعة المسئول تؤسس وترسخ الديموقراطية الحقيقية، وقد تمنع العديد من المشاكل قبل حدوثها وتحد منها، وعلى المجتمع أن يشارك أيضًا بدوره فى هذه المسئولية، فنحن جميعًا فى مركب واحدة.