الأطباء والممرضون وكل من يرتدى الروب الناصع البياض هم ملائكة الرحمة، وهم جماعة أعدوا أنفسهم لخدمة البشر ورسالتهم هى تخفيف الألم عن كل إنسان وعلاجه، وكل من يعمل بالطب يعرف أن حياته ستكون صعبة ووقته لن يكون ملكه،
فحتى لو كانت مرتباتهم مرتفعة ومناسبة وحياتهم الاجتماعية سعيدة فإنه فى نفس الوقت يعرفون أنهم معرضون للسهر وعدم العودة إلى بيوتهم كالموظفين بعد انتهاء العمل، فقد يجبرهم عملهم الانسانى أن يظلوا فى مستشفياتهم عدة أيام إذا إحتاج المرضى ذلك.
العمل فى الطب رسالة، وكل من يعمل فى هذا المجال يعرف ذلك ويؤمن به، لكننا نسمع هذه الأيام نغمة شاذة من ملائكة الرحمة هى المظاهرات والاضراب عن العمل واغلاق المستشفيات والعيادات الخاصة وترك المرضى يعانون فى وضع إنسانى غريب عجيب لم يحدث قبل ذلك.
فهل ما يحدث هذه الأيام يتفق مع رسالة الأطباء؟ هل يليق أن يأتى مريض بمرض خطير إلى المستشفى ويجد بابها مغلق فيضطر إلى النوم على الباب فى انتظار رحمة ربنا ورحمة ملائكة الرحمة الذين تحولوا إلى….؟.
يحدث هذا ومصر تعانى من ضربات ارهابية تقتل وتحرق وتدمر بطريقة عشوائية المجتمع كله. وفوق هذا توجد عدة أوبئة وأمراض قاتلة منتشرة فى عدة محافظات كأنفلونزا الخنازير وأنفلونزا الطيور بالاضافة لأمراض وأوبئة معروفة قديمة كفيرس سى C والفشل الكلوى وغير ذلك، فهل يكون الوضع كذلك ويقف الأطباء موقفا سلبيا ويغلقون المستشفيات والعيادات؟ والأكثر خطورة وهو بداية الاضراب أيضا للصيادلة الذين يصرفون الدواء.
حقيقة إنها مصيبة تنصب فوق المجتمع المصرى أن يتصرف الأطباء هكذا، وأن يتنكرون لعملهم ومرضاهم وينسون القسم الذى أقسموه فى بداية عملهم، ان الأعداء لا يفعلون ذلك بل لايفكرون فى ذلك تماما. ماذنب المريض الذى يعانى من مرضه ويتألم ليل نهار ويحتاج ليد رحيمة تخفف عنه ألم المرض؟ ان الألم الذى يشعر به المريض يجعله أحيانا يتلوى ويطلب الموت ويصرخ صراخا مرا بل يحاول الانتحار فهل هان هذا المريض على الطبيب لهذه الدرجة؟!
أحب أن أقدم هنا صورة لطبيب إنسان يعرف معنى رسالة الطب الإنسانية هو الطبيب الألمانى: ألبرت شفايتزر(1875-1965).
كان هذا الشاب محبا للناس، متسامحا، درب حظه فى أكثر من مهنة وعمل ونجح فى كل ما يعمل لكنه كان يبحث عن عمل يخدم فيه الناس مباشرة وبنفسه، ومن هنا لم يقتنع بعمله كفنان يجيد العزف الموسيقى على البيانو والأدغون، أو كأديب له عدة كتب فى الفلسفة وعن المسيح وبولس الرسول والحضارة، وهو الحاصل على شهادة جامعية من جامعة ستراسبورج فى علم اللاهوت، كذلك عمل كراع فى الكنيسة، ومع ذلك كان يبحث عن عمل آخر يخدم به الناس.
فى صباح أحد الأيام قرأ شفاستزر مقالا فى الصحيفة يقول إن هناك أشخاصا يعانون من متاعب كثيرة وأمراضا شتى فى وسط أفريقيا، وهم يحتاجون إلى أطباء ودواء وعلاج لكنهم لايجدون.
منذ تلك اللحظة شعر شابنا ألبرت شفايتزر أن هذه دعوة خاصة له ليحقق ما كان يفكر فيه دائما فى خدمة الناس. لكن كيف يستطيع خدمة هؤلاء المرضى وهو الفنان والواعظ والأديب، هل الكلام يكفى؟
وقرر وهو فى الثالثة والثلاثين من عمره أن يلتحق بكلية الطب فى باريس حتى يمكن له دراسة الطب وخدمة المرضى، وبعد أربع سنوات أصبح طبيبا معروفا وأخذ يعد نفسه للسفر إلى أفريقيا لتحقيق أمله ورسالته هناك، فى عام 1913 سافر مع زوجته إلى شاطئ أفريقيا الغربى بحرا ووصل إلى السنغال الفرنسية، مجرد أن سمع المرضى بوصوله تجمعوا حوله وبدأ يعالجهم فى العراء، ثم اشترى عشة صغيرة يحفظ صناديق الدواء الذى أحضره معه وبعض الأجهزة الطبية، ظل يعمل ليل نهار فى علاج المرضى حتى إستطاع أن يعالج ألفى مريض خلال تسعة أشهر، أحبه الناس بعامة والمرضى بخاصة لأنه يسهر على راحتهم ويعالج آلامهم دون أجر بل هو تعب المحبة، وأطلقوا عليه لقب إوجندا أى الساحر. إستطاع شفايتزر العمل الجاد حتى حول العشة إلى مستشفى كبير، وظل يعمل هناك أربعون عاما فى خدمة المرضى حتى فقد بصره ونال جائزة نوبل 1952.
معذرة للإطالة عن حياة هذا الطبيب الإنسان الذى عرف معنى رسالة الطبيب لعله يكون نموذجا يحتذى لكل من يريد أن يعمل فى الطب وعلاج ألم الناس.
كاتب هذه السطور لايريد من أطباء مصر أن يكونوا مثل ألبرت شفايتزر لكن لابد أن يعلموا طبيعة عملهم ومهنتهم ولما نطلق عليهم ملائكة الرحمة؟ من حقكم علينا أن تعيشوا حياة مناسبة، وتنالون مرتبات كافية وتؤمنون مستقبلكم ومستقبل أبنائكم، وإذا قررتم الاضراب فليكن جزئى، أما أن يكون الاضراب كاملا شاملا فهذا هو العيب يا ملائكة الرحمة، وفى هذا الحال لن تكونوا ملائكة الرحمة بل….