والمعرف فى الكنيسة الآرمنية بصوم
” سورب سركيس ” ، Սուրբ ՍԱՐԳԻՍ ” ” Sourp sarkis.
صوم يونان وكما هو معروف لدى الشعب الآرمني المؤمن بصوم القديس سورب سركيس.
وهذا الصوم يسبق الصوم الأربعينى الكبير بأسبوعين، ومدته ثلاثة أيام. يبدأ مساء يوم الأحد وينتهي ظهر يوم الأربعاء بعد القداس الإلهي.
في قراءتنا للعهد القديم وبالتحديد “سفر يونان” نستخلص أمثولتين هامتين لحياتنا الروحية:
الدرس الأول: يرينا ما هو الإختبار الباطني الذى يختبره كل نبي. فهو على يقين قبل كل شيء من أن الله “إله رحيم طويل الأناة كثير الرحمة” (يونان 4 : 2), يريد أن يُخلص البشر ولكن عليه عادةً أن يباشر خدمته بكلمات تندَد بالشر وهذا الأمر لا يقبله البشر المعاصرين للنبي فينزل به المحنة ويعزله عنهم.
ومع ذلك فمهما تاه تحت ثقل رسالته وخاف أن يخاطب الناس (يونان 1 : 16)، أو لم يقبل أن يكون واعظاً إلاَ تسليما لإرادة الله وطاعته وإبلاغ رسالته ومخطط رسالته (يونان 3 – 10)، بمعنى أن تكون كلمته فعَاله بالرغم منه. كما يظهر ذلك من أمر البحارين والبحر والريح والحوت وأهل نينوى والحيوانات والنبات.
الدرس الثاني: نستخلص منه محتوى الكلام الذي يطلب الله إعلانه للموجه إليهم هذا الكلام.
فالإله الذي أظهر نفسه لإسرائيل إلهاً رؤوفاً (خروج 34 : 6 – 7) أي إلهاً حنوناً و مخلصا ً يعلن أنه رؤوف أيضاً لأهل نينوى.
لأولئك الغرباء الذي توصف مدينتهم وعددهم بأرقام تامه لها قيمة رمزية (ثلاثة أيام، يونان 3 : 3), وأربعين يوما, “ونادى يونان وقال: بعد أربعين يوما تنقلب نينوى” (يونان 3 : 4)، وآمن أهل نينوى بالله “ونادوا بصوم ولبسوا مسوحاً من كبيرهم إلى صغيرهم” (يونان 3 : 5) كل هذا للدلالة على شمولية الخلاص.
سفر يونان والإنجيل:
سيتكلم يسوع على يونان ويفسر هو بنفسه معناه وهدفه للذين لم يصدقوه والذين كانوا يطلبون منه الآيات والمعجزات والخوارق، ويطلبون منه قائلين: ” يا معلم، أرينا أيةً”، وكان هدفهم أن يحرجوه ويجربوه،
وكان جواب يسوع دائماً بالرفض وكان يكتفي ويستشهد ب “آية يونان”. وأراد بذلك أن يعطي معنى لمعجزة قيامته قبل كل شيء، وتحقيق الكلمة التي ترافقها “جيل فاسد فاسق يطلب آية ولم يعطى سوى أية يونان” (متى 16 : 4)، وأيضاً راجع (لوقا 11 : 29 – 30 ) والتي تدعو إلى التوبة.
وبعد قيامة يسوع من بين الأموات فهم الكتبة والفريسيون والشعب وأيضاً الرسل فحوى آية يونان التي تكلم عنها يسوع “فكما بقي يونان في بطن الحوت ثلاث أيام و ثلاث ليالى فكذلك يبقى إبن الإنسان في جوف الأرض ثلاثة أيام و ثلاث ليالي” (متى 12 : 40).
من المحتمل أن يكون في أقدم صفة لقانون الإيمان : “قام فى اليوم الثالث، كما جاء فى الكتب” (1كو 15 : 4) شرح وإشارة إلى هذه الآية السابقة التي دونَها القديس متى الإنجيلى.
وأخيراً فإن يسوع يُشير إلى أن يونان هو آية, معجزة لها في انجيله رؤية شمولية للخلاص.
إذاً كان يونان رمزاً إلى المسيح كما يقول القديس لوقا الانجيلي:” لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى, هكذا يكون إبن الإنسان لهذا الجيل” (لوقا 11: 30)
وكما مكث يونان ثلاثة أيام وثلاث ليالي في جوف الحوت، كذلك يمكث إبن الإنسان ثلاثة أيام و ثلاث ليالي في جوف الأرض (متى 2 : 40)
كان يونان النبي آية لأهل نينوى، لأنه بمناداته وإنذاره لهم بالغضب الإلهي على معاصيهم وخطاياهم, سمعوا له واطاعوه وتابوا عن خطاياهم إلى الله, متضرعين بالصلوات والابتهالات والبكاء والدموع والصيام, فأشفق الله عليهم ورفع غضبه عنهم فنالوا الخلاص والنجاة وعبروا من الموت إلى الحياة (يونان 3 : 3 – 10).
بمناداة يونان تم الهدى واكتملت المعجزة – معجزة العبور من الظلام إلى النور – ومن حالة الخطيئة إلى حالة النعمة.
فقد تبدل الضلال إلى الرشد, ومن الإلحاد إلى تقوى الله ومخافته والإيمان به، ومن العصيان والتمرد إلى الطاعة، ومن الكفر إلى التوبة والغفران، فكان يونان آية و خلاصً.
في عمل الهداية كان يونان النبي رمزاً إلى يسوع الكلمة النازل من السماء ليبشر بملكوت الله قائلا: “قد تم الزمان، و اقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالكلمة وبالبشارة”.
وكما تصالح أهل نينوى مع الله بتوبتهم, هكذا صالحنا المسيح مع الله والعدل الإلهي بعمل الفداء، فإنه سلامنا, فقد جعل بين الجماعتين جماعة واحدة، وهدم فى جسده، الحاجز الذي يفصل بينهم – أي العداوة.. وألغى شريعة “العين بالعين والسن بالسن” و ما فيها من أحكام ليخلق في شخصه من هاتين الجماعتين – بعدما أحل السلام بينهما – إنسان جديداً واحداً.
ويصلح بينهما وبين الله فيجعلهما أيضاً جسداً واحداً بالصليب وبه قضى على العداوة، “جاء وبشركم بالسلام أنتم الذين كنتم أباعد، وبشرَ بالسلام الذين كانوا أقارب، لأن لنا به جميعا سبيل إلى الآب فى روح واحد” (أف 2 : 14 – 18).
كان يونان هارباً من وجه الرب، فأعدَ الرب له حوتاً ليبتلعه، فدخل الحوت مقهوراً، بينما السيد المسيح بذل ذاته للموت بإرادته فداءً عن البشرية: “وابذل نفسى فى سبيل خرافي” (يو 10 : 15)، “وأهبها الحياة الأبديه فلا تهلك ابداً، ولا يخطفها أحد من يدي، لأن أبي الذي وهبها لي أعظم من أي موجود” ( يو 10 : 29 ).
اليهود حكموا على الرب يسوع بالعذاب والموت، فصلبوه، فمات بالجسد ولكن لاهوته الحي لا يموت, ودفنوه في القبر فظلَ جسده ثلاثة أيام و ثلاث ليالي، ثم قام من بين الأموات في اليوم الثالث كما قال ووعد, وكان القبر مقفلاً، خرج حياً لأنه لم يكن للقبر أن يضبطه أو للموت أن يمسكه وهو سيد الكون واوهب الحياة.
نستخلص من قصة يونان أن الكنيسة تجد فيه رمزاً لموت المسيح وقيامته، وترى فيه فضيلة تذلل وتواضع واسترحام واستغفار.. ونحن بتوبتنا واعترافنا نعبر من الفساد إلى حرية أبناء الله ومجده..