ملوك من المشرق، وحسب التقليد الشرقي والأرمني هم من بلاد أرمينيا، أرمن وثنيون، اسماؤهم: ملكون، بغدصار وكسبار، علماء بالفلك والنجوم، ظهر لهم نجم غريب كما يروي لنا القديس متى الإنجليى، وقادهم إلى أورشليم حيث التقوا الملك وسألوه: “أين هو ملك اليهود الذي ولد”؟
في هذه الرحلة الإستكشافية للمجوس من الشرق إلى بيت لحم محطات نتوقف عندها للتأمل وأخذ العبر:
“أين هو ملك اليهود الذي ولد؟ فقد رأينا نجمه في المشرق وجئنا نسجد له” (متى 2: 2):
هيرودس هو الملك، فماذا يعني سؤال المجوس: ” أين هو ملك اليهود ” ؟
وإذا بالخوف والذعر والغضب والحسد والغيرة يأخذ بالملك والمملكة.. ويعرف حقيقته بأن مملكته لم يأخذها لا من الكتب ولا من النجوم.. ولذلك عاد إلى الكتب من خلال اجتماع العلماء والشيوخ وعظماء الكهنة وكتبة الشعب الذين افهموه بأن الكتب تقول علانيةً بأن المسيح ملك اليهود سيولد في بيت لحم (متى 2: 5).
وهكذا من خلال هيرودس تعرّف المجوس على الكتب المقدسة والأنبياء ونبؤاتهم، وعلى الطريق الذين كانوا قد أضاعوها بدخولهم أورشيلم.
الكتب المقدسة، كتب العهد القديم، المزامير والنبؤات، أعادوا صوابيّه الطريق إلى المجوس التي ثبتتها عودة ظهور النجم الغريب من جديد.
لو كانت الكتب تكفي لما احتاج هيرودس إلى المجوس ليقودُه إلى الطريق المؤدي إلى طفل المغارة، ليذهب هو أيضاً ، كما قال ، ويسجد للطفل الإلهى يسوع (متى 2: 8).
النجم ضروري ولكنه لا ينفع إلا للذين عرفوا أن يروه، واستفسروا عنه وعن سبب ظهوره، وقدّروا قيمته.. هيرودس لم يراه ولم يستفسر عنه ولم يقدّره… بل كان ينوي قتله، وقتل صوت الحق المؤدي إلى الخلاص… فالطريق المؤدي إلى بيت لحم هو وحيٌ من الله وعلامة من السماء ومدوّن فى الكتب المقدسة بيد الإنسان الملهَم، كما يقول القديس أوغسطينوس : “خذ فأقرأ” .
فىي نهاية الطريق، وقف النجم فوق المغارة أمام عظمة الطفل وأبواه مريم ويوسف حيث وجد المجوس ضالتهم فسجدوا له ثم فتحوا حقائبهم وأهدوا إليه أثمن ما عندهم: ” ذهباً وبخوراً ومراً ” (متى 2: 11).
إذهبوا فابحثوا عن الطفل بحثاً دقيقاً (متى 2: 8) : في نهاية بحث الوثنيين عن الحقيقة، التي انطلقت من علامة سرية، وصلوا إلى الغاية المنشوده والتقوا الله المتجسد، الطفل الوديع والمتواضع، وتعرّفوا عليه وفتحوا له قلوبهم وعقولهم وضمائرهم، بعكس ورثة تاريخ العهد القديم الملوك والكهنة والعلماء والكتبة…الذين كان بين أيديهم كل ما يُمكّنَهم من معرفة ذلك وحملهم إلى معرفة الإله المتجسد والإيمان به.
من هنا السؤال الكبير:
نحن المسيحيين، أينما كنا وحيثما وجدنا، على ملقى من العالم الوثني والمادي والاناني ، هل بإمكاننا أن نسير مع المجوس على طريق الإيمان والحق والحياة ؟
أن أكون مؤمناً ليس من الضروري أن أعرف كل الأشياء وبعمق ، عن علم الله، ولاهوت التجسد وطبيعة المسيح والثالوث الأقدس وأسرار الكنيسة وتعاليم الكتاب المقدس والآباء القديسين . الكتبة وعظماء الكهنة كانوا على علم بالعلاقة بين السيد المسيح وبيت لحم. وأنه ولابد للمسيح الذي أخذ طبيعتنا البشرية أن يتألم ويصلب ويموت ويقوم في اليوم الثالث ليمنحنا الحياة الإلهية ويرفعنا إلى السماء.
وبالرغم من ذلك لم يتعرّفوا عليه واعموا بصائرهم . فيه كانت الحياة، والحياة نور الناس، والنور يُشرق في الظلمات ولم تدركه الظلمات (يوحنا 1: 4- 5)، لإن الظلام أعمى أعينهم (يوحنا الأولى 2: 11).
بل بالعكس سوف ينكروه، ويصلبوه ويشتموه كما جاء في نبؤات الأنبياء في العهد القديم، وفعلاً عذّبوه وجلدوه وقتلوه، وهيرودس أرتكب أفظع مجزرة في التاريخ حيث قتل أطفال بيت لحم الأبرياء (متى 2: 16) بدافع غريزة الكبرياء والاستئثار بالسلطة.
معرفة الكتب المقدسة أكثر من ضرورية للإيمان ولكنها وحدها لا تكفي… ليس كل من يقل لي يارب يارب.
مرور المجوس ملكون، بغدصار وكسبار الوثنيين في أورشليم كان ضرورياً وهاماً ليسمعوا كتاب العهد من فم علماء فريسيين وهيرودس خبيث. عدم فهمهم الكتب لم يكن مهماً بقدر ما أن الكتب المقدسة أعادتهم إلى السبيل القويم، لإن الشعب السالك فى الظلمة أبصر نوراً، فى مسيرة بحثهم عن الحقيقة المطلقة: عن الله، عن المسيح، عن الطفل ومريم أمه فى المغارة.
والنجم السري أيضاً كانت قيمته وضرورته بالقدر الذي دلَّ على النجم الحقيقى: “يسوع نور العالم”، النجم الوحيد الباقي إلى دهر الداهرين الذي يُنير البشر، يسير أمامهم ويُهدى دربهم ويملأهم سعادة وفرح وسلام هو طفل المذود، طفل بيت لحم، “عمانوئيل” الله معنا. بالمسيح نفهم الكتاب المقدس ونسمع صوت إله العهد الجديد ، إله المحبة والسلام .
وبنجم المسيح نهتدي إلى المعرفة والعلم والحق بالقلب الطاهر المملوء إيماناً ، بالمحبة الخالصة ، والضمير الحي ، والشفافية الصادقة، والأعمال الصالحة ، والنيات الحسنة ، والتصرفات والأخلاق الكريمة الدمثة .
هو الذي نلتقي به في وجه كل إنسان فقير، غريب، عريان، مريض، مهمش… مضطهد … فماذا نقدم له؟؟؟