إذا امتلكت المال امتلكت كل شىء، وأصبح العالم بكل مافيه، والعلم بكل نظرياته، ملك يديك أو على الأقل على طرف أصبعك، كلام شديد المنطقية
خاصة عند تطبيقه على الواقع؛ وفي عالم تحكمة المصالح والتوازنات، عالم تحول فيه الدولار أو أي عمله من عملات الدول المتقدمة حسب التعبير المصري الاصيل إلى “فتوة الناس الغَلابة”.
نجحت الوهابية بسبب “البترودولار” في تحقيق المعادلة وفي تسخير”الفتوة” بكل عضلاته وجاذبيته لنشر وعولمة فكرها في أرجاء المعمورة ربما
فقط لكي يتمكن علمائها من تأيميم الدين لصالحهم ولصالح منظورهم له أو لتصديره للعالم طبقا لرؤيتهم الخاصة لتصبح الصورة الذهنية المأخوذة عن الدين الحنيف وهابية الاصل والهوى.
واستغلت الوهابية التحالف مع آل سعود في تكوين ثروات مكنتها من تكوين شبكة دولية هائلة؛ فأنفقت مايقدر بسبعين مليار دولار بدأت رابطة العالم الإسلامي تأسست في 1962 كمنظمة غير حكومية لعولمة الوهابية، لها مكاتب في 120 دولة، ووزعت ملايين النسخ من الكتب الوهابي دار المال الإسلامي، قامت بإنشاء شبكة من مؤسسات مالية “إسلامية”، وتمول الدعوة (الوهابية) فضلا عن منظمة الغوث الإسلامي الدولية التي أكملت بناء مئات المساجد، واستخدمت 6 آلاف مدرس وداعية.
ولمنظمة المؤتمر الإسلامي التي تأسست في 1969 في الرباط بمبادرة الملك فيصل، قصة تستحق السرد فقد بدأت فكرة المنظمة برسائل بعث بها الملك فيصل إلى بعض الدول العربية والإسلامية، وطلب من الرئيس وقتها الصومالي آدم عبدالله عثمان أن يتولى مهمة الترويج لفكرة المنظمة على المستوى العربي والأفريقي بوجه خاص، ثم ألقى فيصل خطاباً في مكة المكرمة بموسم الحج عام 1384هـ ـ 1964م عرض فيه فكرة المؤتمر واستعرض دور حكومته في رص الصف الإسلامي ومساعي آل سعود الوحدوية. وقام فيصل بصحبة عبدالله (الملك حالياً) وسلطان (ولي العهد حالياً ووزير الدفاع) بزيارات مكثفة إلى بعض الدول العربية والإسلامية شملت الأردن والسودان والمغرب وغينيا ومالي وإيران وتركيا وباكستان لاقناع
هذه الدول بفكرة المؤتمر فيما قدم إلى السعودية الرئيس الصومالي ورئيس جمهورية النيجر ونجحت المساعي السعودية في عقد مؤتمر قمة إسلامي في الرباط بالمغرب في 25 يوليو “أيلول” عام 1969م حضره ملوك ورؤساء 25 دولة عربية واسلامية والذي انتهى فيما بعد إلى تأسيس منظمة .
المؤتمر الإسلامي ومقرها الدائم في جدة.
وتستمر فكرة وضع الختم أو الصبغة الوهابية ليس فقط من أجل خلق البديل الإسلامي لتحقيق الإكتفاء الذاتي للمؤمن – حسب وجهة نظرهم –
وإنما فقط لأسلمة كل شىء طبقا للفكر الوهابي فكان من الطبيعي تشكيل المنظمة الأيسسكو على وزن اليونسكو، وأكاديمية للقانون الإسلامي وغيرها، ويحضرني لقاء صحفي أجريته منذ سنوات مع أحد قادة الإخوان المسلمين في مصر أكد خلاله أن الإخوان فقط تحول كل الأفكار إلى اسلامية؛ فمثلا اقتصاد السوق الحرة يتطابق تماما مع رؤية الجماعة الإقتصادية وكل ماعلينا فقط نسميه الإقتصاد الإسلامي.وفي نفس الإطار منظمة الشبيبة الإسلامية تأسست في 1972 وهي تقوم بإعداد الكوادر الشبابية الوهابية المتشددة، ولها 450 منظمة وجمعية للشبان
والطلبة في 34 دولة. نشرت في 1993- بعد الهجوم الأول على مركز التجارة الذي كان وراءه عمر عبد الرحمن- كتيبا عمليا لتصنيع القنابل، طُبع في السعودية.
ويوجد نحو800 من “الدعاة” المتمتعين بالحصانة الدبلوماسية داخل سفارات الممكلة المنتشرة في دول العالم المختلفة كناتج طبيعي للتحالف “
السعو/وهابي” الحاكم للملكة فباتت السفارات واحدة من أهم مراكز تصدير الفكر الوهابي للعالم من خلال دعاة لهم حصانة الدبلوماسين.
ومن النتائج الأخرى للتحالف “السعو/وهابي” أفادت وزارة الإعلام أن 5،5 % من الدخل القومي على “المعونة الدولية” التي شرطها الأساسي هو مساندة السعودية وسياساتها في المحافل الدولية، وهدفها “نشر رسالة الإسلام (الوهابي) في العالم”.
وأحصت جريدة عين اليقين بعد الجهات التي تمولها الوهابية على مستوى العالم فعلى سبيل المثال تمويل مشروعات إنشاء 210 مركزا إسلاميا و 1500 مسجدا و 200 كلية إسلامية و 2000 مدرسة في العالم،. وكذا مولت السعودية بالكامل إنشاء مراكز ثقافية إسلامية، إثباتا لكرمها “الثقافي”،
في روما (تكلف 50 مليون دولار دفعها الملك فهد شخصيا، وشُيد على بعد خطوات من الفاتيكان، بينما تحظر السعودية مجرد الصلوات لغير الإسلام على أراضيها) وكذا في برازيليا وتورونتو ونيويورك وجبل طارق وجنيف ومدريد ولندن وضواحي باريس ولشبونة وفيينا ومدن استراليا الخ. المراكز الثقافية الإسلامية تديرها عناصر دعوة وهابيين
لا ننسى “الأكاديميات” الإسلامو-وهابية في واشنطن وبها 1200 طالب، ولندن وبها ألف طالب، وموسكو (افتتحت في 1995) وبها 500 طالب وفي البوسنة حيث تسعى الوهابية إلى السيطرة التامة على الإسلام، فيما افتتحت – حسب نفس الجريدة – مؤسسة الحرمين في عام 2000 وحدة،
بافتتاح 1100 مسجد ومدرسة ومركز إسلامي، وطبعت 13 مليون كتاب إسلامي واستخدمت 3 آلاف داعية.
واستكمالا فكرة توظيف القوى المختلفة لخدمة نشر الوهابية وعولمتها جاء دور شراء المعاهد والجماعات وتخصيص كراسي في أعرقها لتدريس الوهابية مثل كرسي “الملك عبد العزيز” في جامعة كاليفورنيا وكرسى “الملك فهد” في كل من جامعة هارفارد وكلية الدراسات الشرقية بلندن.
كما تأسست معاهد جامعية في اليابان وأندونيسيا، وتمول معهد العالم العربي في باريس والجامعة الأمريكية في كولورادو وجامعة هوارد للسود في واشنطن ومعهد دراسات التاريخ العربي والاسلامي في فرانكفورت ومعهد الشرق الأوسط في واشنطن وجامعة سيراكيوز في ولاية نيويورك وجامعة شو في كالورينا الشمالية التي تحصل فيها جامعة ديوك الشهيرة منذ 1977 على منح سخية جعلتها تصبح ما يشبه الفرع الإعلامي للسفارة
السعودية. جامعة جورج تاون في واشنطن تأسس فيها مركز للدراسات العربية المعاصرة … بشروط خاصة. جامعة أكسفورد حصلت علي 30 مليون دولار هدية لصالح مركز الدراسات الإسلامية، وبهذا أصبح من العسير انتقاد “بعض الدول وبعض الأفكار” فيما كان يطلق عليها “أعظم
جامعة في العالم”. والأمر لا يختلف كثيرا في هارفارد وبيركلي، حيث أصبح الفكر النقدي عسير الوجود.
ويبدو أن التحالف “السعو/وهابي” يجيد دائما لعبة توظيف وفرة البترودولار في خرائنه بهدف خلق صورة ذهنية وراي عام عالمي مؤيد مواقف المملكة المختلفة؛ ويظل الوضع على ماهو فتوافق المصالح العالمية واستمرار وجود خيوط اللعبة في أيدي دول بعينها لايعنيها إلامصلحتها يُدعم فقط تحكم “فتوة الناس الغلابة” في مصائرنا.