عندما يقدم قداسة البابا تواضروس الثانى موضوعاً دائماً يقدمه بصورة ثلاثية، أى فى ثلاث نقاط حيث يمثل رقم “3” لقداسة البابا رقم الحياة “الولادة، الحياة، و الموت”،
و أيضاً يمثل لقداسته “البداية،الطريق، و النهاية” و قدم قداسة البابا كتاباً رائعاً في فترة حبريته أسقفا عاما للبحيرة يحمل عنوان “الحياة … ثلاثيات”، و يأتى يوم 4 نوفمبر من كل عام ليكون ثلاثيات فى حياة البابا تواضروس…
ففى يوم الاحد الرابع من نوفمبر العام الماضى اعلنت السماء كلمتها من خلال القرعة الهيكلية و اعلن الله لكنيسته من هو قائد سفينتها و راعى رعاتها الجديد البطريرك الثامن عشر بعد المئة.. قداسة البابا المعظم الانبا تواضروس الثانى، و هو أيضاً يوم عيد ميلاد قداسة البابا، و يوم عيد الحب المصرى، فصار ثلاث أعياد فى يوم واحد.
●● أولاً: الميلاد و رحلة الحياة
فى مدينة المنصورة و فى الرابع من نوفمبر من عام 1952 ولد وجيه صبحى باقى – قداسة البابا – من أسرة تتكون من أب يعمل مهندساً بالمساحة و أم ربة منزل ثم صارت له أختان تصغرانه.. عرفت الاسرة عمق حياتها مع الله و تسربلها بالفضائل مما كان له عميق الاثر أن ينمو الصغير فى خوف الله.. رتبت العناية الالهية أن يكون محل اقامة الاسرة بالقرب من دير القديسة دميانة بمنطقة البرارى فتنسم الصغير رائحة النسك منذ لحظات حياته الاولى، قضى وجيه صبحى السنوات الخمس الاولى من حياته بالمنصورة، و فى سن الخامسة انتقلت الاسرة بسبب ظروف عمل الوالد إلى سوهاج و هناك التحق وجيه صبحى بالمدرسة الابتدائية، و ظلت الاسرة فى سوهاج مدة ثلاث سنوات انتقلت بعدها فى 1961 الى مدينة دمنهور.. و فى دمنهور التحق وجيه بمدرسة الاقباط الابتدائية حتى أتم تعليمه الابتدائى بها و كانت ناظرة المدرسة فى ذلك الوقت شقيقة القديس البابا كيرلس السادس.
تمر السنوات حتى تأتى أول لحظة فراق لأحد أفراد الاسرة و ذلك قبل هزيمة يونية عام 1967 بيومين فقد تنيح الوالد المهندس صبحى باقى فى السبت الثالث من يونية 1967، و كان وجيه – قداسة البابا – وقتها يبدأ أول امتحان فى الشهادة الاعدادية و لكن لظروف الحرب توقفت الامتحانات لفترة و اذ لم يكن للاسرة أقارب يقيمون فى دمنهور فاقترح بعض الاقارب على الام فكرة العودة الى المنصورة لتقيم وسط العائلة، غير أن وجيه و أختيه إذ كانوا قد ارتبطوا بشدة بالكنيسة منذ حداثتهم فضلوا البقاء فى دمنهور عن الذهاب للاقامة بالقرب من الاقارب.
فى دمنهور بدأ اشتياق الفتى وجيه للخدمة ينمو شيئا فشيئا، و فى عام 1969 وقت ما كان بالصف الثانى الثانوى كانت البداية فخدم كأخ مبتدئ مع اخوته الخدام فى الفصل الرابع الابتدائى بكنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بدمنهور و تحت رعاية الاب الحبيب القمص ميخائيل جرجس.
و فى عام 1970 حصل وجيه على الثانوية العامة و التحق بكلية الصيدلة بجامعة الاسكندرية اذ كان شغوفا بدراسة علم الدواء و خلال فترة دراسته الجامعية خدم بالمرحلة الاعدادية ثم بالمرحلة الثانوية فعرف كخادم غيور دءوب واسع الصدر متفتح الفكر و غزير الابداع.
و تدبر العناية الالهية دفة الخدمة فى ايبارشية البحيرة بأن يرسم مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث نيافة الانبا باخوميوس اسقفا على ايبارشية البحيرة، و كان مقر الاب الاسقف فى ذات الكنيسة – كنيسة رئيس الملائكة – مما سمح نيافته بالتقرب من الشباب و الخدام بالكنيسة فنما الشباب و خدام الكنيسة و خاصة وجيه صبحى فى معية الانبا باخوميوس و كانت فرصة ثمينة ليستقوا الكثير من تعاليمه الارثوذكسية الاصيلة و فكره الرعوى المستنير و ادارته الكنسية الحكيمة و ارشاداته الروحية العميقة.
و فى عام 1975 و بعد تخرج الصيدلى وجيه صبحى بتقدير عام جيد جدا مع مرتبة الشرف فى سبتمبر من نفس العام تمضى الخطى الالهية فى اعداد وجيه ليكون امينا للخدمة حيث رسم الاستاذ زاهر عزيز أمين للخدمة بكنيسة الملاك بكفر الدوار و اختير وجيه ليكون أمينا للخدمة.. و فى 27 سبتمبر من نفس العام أيضا رسمه نيافة الانبا باخوميوس شماسا برتبة أغنسطس فى كنيسة الملاك بدمنهور.
كان عام 1975 عاما مميزا فى حياته، ففى هذا العام ذهب الشماس الصيدلى وجيه الى دير الانبا بيشوى للمرة الاولى و قد غيرت هذه الزيارة مجرى الاحداث فى حياة الشاب وجيه اذ أخذته الحياة الديرية و عبق التاريخ و نسمات القديسين.
التحق الصيدلى وجيه منذ تخرجه بالعمل فى وزارة الصحة بقرية شرنوب مركز دمنهور ثم عمل مديرا لمصنع ادوية بدمنهور و هو حديث التخرج بالمقارنة بالكثيرين وذلك لتفوقه العلمى و قراءته و ادارته الحكيمة فكان محل ثقة و تقدير الجميع، فى عام 1985 اختارته هيئة الصحة العالمية فى منحة للدراسة و التدريب و حصل على زمالة هيئة الصحة العالمية بأكسفورد بإنجلترا فى مجال مراقبة الجودة فى التصنيع الدوائى… و تمر الايام و فى ابريل عام 1987 ارتدى الشماس وجيه الملابس البيضاء و صار طالب رهبنة، و فى 31 يولية 1988 رسم راهبا بيد مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث بأسم الراهب ثيئودور الانبا بيشوى، و تعددت المسئوليات حتى أصبح مسئولا عن المضيفة و استقبال الزوار و الرحلات، و أيضا صيدلة الدير.. و لاتساع الخدمة فى مناطق ايبارشية البحيرة و بناء على طلب نيافة الانبا باخوميوس نال الراهب ثيئودور الانبا بيشوى نعمة القسيسية و رسم كاهنا عام 1989، و فى 15 فبراير 1990 بدأ الراهب القس ثيئودور الخدمة بايبارشية البحيرة و هناك كان خادما غيورا دءوبا، اهتم بالخدمة فى مختلف قطاعاتها و مختلف مجالاتها فخدم وسط الشباب و الخدام يعظ و يعلم و يشجع، يهتم أن يخلص الجميع.. فكلف الانبا باخوميوس بفكر رعوى ثاقب الراهب القس ثيئودور بقضاء عدة أيام أسبوعيا للخدمة فى منطقة الصحراء بكينج مريوط و التى أخذت فى الاتساع بشكل كبير يوما بعد يوم، فاهتم بفصول اعداد الخدام و اعتبرها من أهم ركائز الخدمة و كذلك الحلقات الدراسية الصيفية للخدام و الخادمات فى كل قطاعات الخدمة و خدمة طفل القرية و أسر الشباب الجامعى.
و بطلب من نيافة الانبا باخوميوس نال الراهب القس ثيئودور نعمة الاسقفية بيد البابا شنودة بأسم الانبا تواضروس و ذلك فى أحد العنصرة فى 15 يونية 1997، و منذ ذلك التاريخ خدم نيافته أسقفا عاما مساعدا لنيافة الانبا باخوميوس مع التركيز فى خدمة المنطقة الصحراوية، و الساحل الشمالى، و جانبى طريق الاسكندرية القاهرة الصحراوى حتى وادى النطرون، و لمس الجميع فى نيافة الانبا تواضروس أسقفا معمرا و تنمويا مميزا فشيدت الكنائس و مبانى الخدمات المعاونة.
●● ثانياً: الاختيار و قرار السماء
يأتى يوم حزين على الكنيسة القبطية يوم السابع عشر من مارس عام 2012 اذ يفارقها قداسة البابا شنودة، لكن الله الذى يقود كل الامور لخير كنيسته بقتادها فى هذه المرحلة الدقيقة الى بر الامان بحكمة الروح القدس الساكن فى نيافة الانبا باخوميوس قائمقم البطريرك الذى قاد هذه المرحلة بحكمة بالغة يعاونه فيها أعضاء المجمع المقدس فبدأ مراحل انتخاب البطريرك الجديد بترشيحات الاباء لهذا المنصب الرعوى و التى يأتى فيها اسم الانبا تواضروس ضمن الاباء المرشحين للكرسى البابوى لما رأوه فيه من خصال حميدة تتناسب و هذه المسئولية الضخمة، و بعد فترة يعلن اسم الانبا تواضروس ضمن الخمسة اباء الذين سيخوضون الانتخابات البابوية و فى 29 اكتوبر 2012 اجريت الانتخابات وسط اعجاب شديد من جميع الدوليين لدقة تنظيمها و رقى ادارتها، و يخرج الانبا باخوميوس قائمقام البطريرك ليعلن الاباء الثلاثة الذين ستجرى عليهم القرعة الهيكلية حسب عدد اصواتهم.. نيافة الانبا رافائيل، نيافة الانبا تواضروس، القمص رافائيل افامينا، و يأتى يوم الاحد الرابع من نوفمبر لتقول السماء كلمتها و يعلن الله لكنيسته من هو قائد سفينتها و راعى رعاتها الجديد البطريرك الثامن عشر بعد المئة.
●● ثالثاً: الحب عند البابا
و نحن نحتفل اليوم بعيد ميلاد قداسة البابا و نتذكر ذكرى اعلان السماء لأسم قداسته بقداس القرعة الهيكلية بابا و بطريركاً للكرازة المرقسية، لا يفوتنا ان نكشف عن الحب فى حياة البابا احتفالاً بعيد الحب بمصر، فقداسة البابا تواضروس الثانى محبته للكنيسة و للوطن تعجز الكلمات عن وصفها، و للبابا محبة خاصة و جارفة للطفولة و ايماناً بقول الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس “و أنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحاكمك للخلاص بالايمان الذى فى المسيح يسوع” .. أسند فى عام 2005 الى نيافة الانبا تواضروس حينما كان اسقفاً عاماً مسئولية الاشراف على لجنة الطفولة فعمل فيها بجهد و خير ظهر اثره الواضح على خدمة الطفولة على مستوى الكرازة، و تعقد اللجنة مؤتمرين سنوياً لخدام و مسئولى الطفولة فى الايبارشيات كافة بالاضافة الى ملتقى سنوى للاطفال المبدعين فى كرمة كنج ماريوت يؤصل فيها الاطفال روح الابداع و الانتماء للكنيسة القبطية و الوطن الحبيب مصر الذين يجرى حبها فى عروقهم.. فيلمس كل من تعامل مع البابا منذ كان أسقفاً وطنيته و حبه لمصر..
كما أشرف نيافته – قداسة البابا – على اصدارات لجنة الطفولة و مع بداية مهرجان الكرازة تولى الانبا تواضروس مسئولية الاشراف على مسابقات الطفولة سنويا..
و اليوم عندما يدرس قداسة البابا تواضورس رسامة أسقفاً لخدمة مرحلة الطفولة نجد و نلمس محبة قداسته لرعاية و خدمة الاطفال.
●● فيا قداسة البابا..كل عام و قداستكم بخير و سلام فى يوم ميلادك و فى يوم اعلان السماء لنا لقداستكم أبا و راعيا و فى يوم عيد الحب …
الرب يحفظ لنا حبريتكم و تشهد الكنيسة فى عهدكم سلاماً و تشهد مصر استقراراً و ازدهاراً.