جاء الرب يسوع برسالة سماوية بل كان في ذاته رسالة الله للإنسان. جال يصنع خيراً فشفى مرضى وأشبع جوعى وأقام موتى، وعلم أسمى التعاليم فهدى قلوباً حيرى وقادها لمعرفة الله المحب الحنان.
تمم يسوع نبوة إشعياء النبي «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ، ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ». لكن المهمة التي جاء لأجلها يسوع لم تنحصر في هذا على الرغم من تفرد أعماله ومعجزاته وتعاليمه. إن مهمة يسوع إكتملت بموته على الصليب نيابة عن البشرية فمنح لنا في كفارته عفواً عن ديون خطايانا وغفراناً لآثامنا. هكذا أيضاً أتم النبوة الأخرى لإشعياء النبي “لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً، مَضْرُوباً مِنَ اللَّهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا .. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ .. أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي .. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ .. وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ.” لذلك على الصليب قال يسوع “قد أُكمل”. إن مهمته لم تكمل عند تعاليمه ومعجزاته لكنها كملت بموته الفدائي لأجلنا.
أمام إحتياجات الحياة وصعابها، يطلب البعض يسوع ليعمل معجزة تحل الأزمة وتفتح الطريق المسدود وتأتي بالشفاء والبركة. والرب في مراحمه يتحنن ويشفق فيستجيب الدعاء لأن “الرب قريب لكل الذين يدعونه الذين يدعونه بالحق”. لكن إذا توقفت علاقتنا مع يسوع عند قدرته على التدخل لإنقاذنا من ظروف الحياة الصعبة أو مساعدتنا فيها فإننا بهذا نعيش على مستوى الجسد فقط وتبقى أرواحنا ميتة داخلنا. إننا بهذا نصبح مجرد كائنات مادية محدودة الوجود بزمن عمرها المادي.
يؤخذ البعض الآخر بتعاليم يسوع السامية، فيتحدثون عنها ويقتبسون منها. قد يحاول بعضهم العمل بها وتطبيقها في الحياة لكنهم يصطدمون بالطبيعة البشرية الضعيفة التي لا تقوى على السير بمثل هذه المبادئ والقيم السماوية. فمن يستطيع بقوته الذاتية أن يحب عدوه ويغفر للذي يسيئ إليه مرة ومرات في اليوم الواحد ويعيش بنقاوة وقداسة الفكر والدافع كما أيضاً بالعمل والسلوك. إن كانت علاقتنا بيسوع تقف عند الإعجاب به كمعلم سيصبح بالنسبة لنا معلما عظيماً يبهرنا تعليمه لكننا نُحبط في أعماقنا لفشلنا المستمر في تطبيقه.
إن الإنبهار بيسوع المعلم وصانع المعجزات لن يشفي داء الإنسان من الخطيئة الساكنة في أعماقه، ولن يحرره من الشعور بالذنب وإستحقاق الدينونة الإلهية. فيبقى الفرد يسعى في طريق الصلاح ولا يدركه، ويظل يشعر بالغربة عن الله والخوف من عقابه. إن رسالة السيد المسيح لا تصبح قوة مغيرة لحياتنا إذا تركنا الجزء الجوهري من هدف مجيئه. إن مهمته التي إكتملت على الصليب هى التي تفتح لنا باباً لحياة جديدة مباركة ومشبعة. إذ حمل خطايانا وأخذ دينونتها بدلاً عنا على الصليب.
أدعوك أن تنظر ليسوع نظرة الإيمان هذه فيغمرك حبه الجارف على الصليب ويجري في أعماقك مطهراً كل إثم وشافياً كل جرح فتختبر سلاماً في الضمير لم تعرفه من قبل إذ يتأكد لك أن دينونة خطاياك قد عبرت من عليك وأن لك في السيد المسيح حياة هنا في الأرض في عشرة مباركة معه ثم حياة أبدية عنده في السماء عندما يتوقف الجسد عن الحياة.