لقاء واحد يمكنه إن يغيّر حياة بأكملها. وما الإنجيل سوى شهادات حياة لأشخاص التقوا المسيح وبدّل هذا اللقاء حياتهم. وفي الإنجيل أحداث يظهر فيها هذا التبديل بوضوح أكبر. وفي وسط هذه الأحداث نرى أحيانا أشخاصاً عاديّين، يظهرون في الأحداث ويختفون منها بسرعة
لقاء واحد يمكنه إن يغيّر حياة بأكملها. وما الإنجيل سوى شهادات حياة لأشخاص التقوا المسيح وبدّل هذا اللقاء حياتهم. وفي الإنجيل أحداث يظهر فيها هذا التبديل بوضوح أكبر. وفي وسط هذه الأحداث نرى أحيانا أشخاصاً عاديّين، يظهرون في الأحداث ويختفون منها بسرعة. وغالبا ما نجهل كيف كانت حياتهم قبل التقائهم بالمسيح وكيف أصبحت بعد هذا اللقاء. لكننا نعلم إنها تبدّلت بشكل جذري. وهذه الإحداث، على قصرها، تفتح أمامنا آفاقا جديدة، وقد نجد أنفسنا في أكثر من واحد منها.
لا يمكن أن يحدث لقاء له معنى إن لم تلتق أرادتان وحريتان، ولم تعملا معا بثقة ومجانية. والإحداث التي نحن بصددها تبدأ بلحظة بحث تخفي استعدادا داخليا صادقا وانفتاحا واثقا وشجاعة غير منتظرة. وأصل هذا البحث ظروف حياة مختلفة ومعاشة بمنتهى الجدّية. قد تكون هذه الظروف ظروف حياة متألمة (المرأة المنزوفة) أو مهددة بالموت (يايروس) أو شوّهها الشر (المرآة الكنعانية)، أو مشلولة ومهمّشة (أعمى أريحا) أو ممزّقة أدبيا (المرأة الزانية) … كلها ظروف تدعو إلى البحث عن المعنى وعن الخلاص. وفي أحداث أخرى يبدو البحث بشكل رغبة في معرفة المزيد عن السر المختفي في شخص ما (زكا) أو في استقبال زائر (مريم ومرتا).
أساس أي تساؤل هو الحياة التي تبحث لنفسها عن معنى وتحرير وخلاص. ليس سهلا ان تستمر دوما في البحث. فيمكن أن يتجه الإنسان – في بحثه عن الخلاص – اتجاها خاطئا (المرأة المنزوفة التي استعانت بالأطباء). كما يمكن أن يواجه عوائق (الجمع المعيق في حادثة زكا وأعمى أريحا). المهم الثبات في البحث وتخطى الأحكام المسبقة والصعوبات مهما كبرت، و” الاكتفاء بالإيمان” انه آجلا أم عاجلاً لا بدّ من الوصول إلى برّ الأمان والخلاص.
وينتقل البحث إلى مرحلة جديدة متسارعة عندما يسمع هؤلاء الأشخاص عن يسوع، أو عندما يرونه أو يمر بقربهم. فشخصية يسوع وطريقة تعليمه تجذبهم. ورحمته وتعامله المجاني وعلاقاته العفوية وحريته التامة تجعلهم يشعرون أن هذا الإنسان تسكنه قوة اإلهية تحرر وتغفر وتخلّص. وهذا أمر مهم إن نفهم من الذي يستطيع بالفعل أن يعطي جواباً شافياً لحاجتنا الملحة الى الخلاص. عندئذ تدخل الشجاعة في البحث، فتلمس المرأة المنزوفة طرف ثوب يسوع، ويتوسّل يايروس، وتتضرع المرأة الكنعانية، ويصيح أعمى أريحا، وتغسل الزانية قدمي يسوع، ويستقبله زكا بفرح، وتصغي إليه مريم بارتياح. ثم نجد قمّة البحث في الانفتاح على الإيمان والرجاء، في الصلاة والتضرع، في المحبة الشاكرة، والإصغاء المتلهّف واستقبال يسوع ضيفا في البيت وسيدا في الحياة.
جميل جدا أن تكتشف، وأنت تبحث عن يسوع المسيح، انه هو أيضا يبحث عنك. فالمرأة المنزوفة التي لمست طرف ثوب يسوع شعرت انه هو الذي يدعوها وينظر إليها بمحبة. ويايروس الذي طلب من يسوع المسيح إن يأتي إلى بيته، يرافق يسوع المسيح في درب رائع يقود إلى قيامة ابنته من الموت. وأعمى أريحا الذي يتوسل ويصيح يدعوه المسيح ويسأله هو بدوره، والزانية تشعر إن المسيح يقبل عملها بصمت غفور، وزكا الذي كان يبحث يسمع يسوع يقول له: أن ابن الإنسان أتى ليبحث عن الهالك ليخلّصه. كأن المسيح يسبق هو ويبحث عنا قبل أن نبدأ نحن في البحث عنه. يبحث ويقدم لنا وجوده وكلمته وخلاصه. يكفي إن نقبل أن يبحث عنا وان يدعونا وينظر إلينا بمحبة، ويعطينا كلمته التي تعطي معنى لحياتنا وتقيم لنا معه علاقة جديدة تلزمنا وتطمئننا أن “إيمانك خلّصك”، وأن ” غفرت لك خطاياك”. فبينما نبحث نحن عن يسوع المسيح يكون هو قد سبق ووجدنا…
يحمل كل لقاء حقيقي في ثناياه قوةً تُغيّر من الداخل. والتقاء هؤلاء الأشخاص بيسوع المسيح بدّل حياتهم نحو الأفضل. فوجدت المرأة المنزوفة الخلاص لأنها تحررت من وحدتها القاتلة وأقامت علاقات جديدة مع الله ومع الآخرين. واكتشف يايروس حياة جديدة أقوى من الموت، واختبرت المرأة الكنعانية إن الرجاء في الخلاص من الشر لا يعرف حدودا عرقية أو دينية. ووجد أعمى أريحا إيمانا ناضجا حمله على إتباع المسيح في درب الصليب وبذل الذات، والزانية التي غفر لها كثيرا تستطيع أن تحب كثيرا، واكتشف زكا أن الحياة يمكن أن تصبح مشاركة مع الآخرين، ورأت مريم أن اختيار السماع لكلمة الله هو أول واجب لتلميذ المسيح.لا يمكن إن تلتقي بالمسيح وتبقى كما أنت. تكتشف في لقائه دوما آفاقا جديدة ودروبا جديدة ومشاريع حياة جديدة. ومع المسيح يصبح ” حِمل” قرارات جديدة والتزامات حياتية “حِملا خفيفا لطيفاً”، لأنّه هو سبقنا وأعدّ لنا الطريق الذي يقود إلى الحياة.